لقد أصبح الجميع الآن يعرفون ذلك النبع الهائل من المواهب والكفاءات الفنية في مصر.ولاحظ وادي السليكون ذلك العام الماضي حينما تم تنظيم مسابقة هاكاثون المياه (E) للاستفادة من طاقات الإبداع المحلية والرقمية في إيجاد حلول لمشكلة إدارة الموارد المائية.وشاهد العالم كله في انبهار قبل عامين حينما استخدم شبان مصريون تقنيات التواصل الاجتماعي الجديدة في تنظيم مظاهرات حاشدة لعبت دورا حيويا في التحوُّل الذي تشهده بلادهم، بل وفي المشهد السياسي في الشرق الأوسط برمته.وكان منطقيا استحضار هذه المواهب للتصدي لتحد آخر يواجهه ملايين المصريين كل يوم: ألا وهو أزمة مرور القاهرة.
قام البنك الدولي لتوه بالتعاون مع وزارتي الاتصالات والنقل وصناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر بتنظيم مسابقة (تحدي تطبيقات النقل بالقاهرة) وهي الأولى من نوعها. وعالجت فِرَق من المبتكرين الرقميين طائفة متنوعة من القضايا المتصلة بالمرور والتحرك في الشوارع المزدحمة للعاصمة المصرية، مثل سلامة الطرق، وإدارة شبكة النقل العام المجزأة وتطوير وسائل النقل الجماعي.وعلى مدى شهرين، جرت تصفيات بين 23 فريقا لاختيار عشرة مؤهلين للأدوار النهائية للمسابقة الذين حضروا بعد ذلك حفل توزيع الجوائز الذي أقيم في القرية الذكية أحد مراكز التكنولوجيا في مصر في ضواحي القاهرة.
وكان لي شرف حضور الفعالية الأخيرة للمسابقة وأُعجبت بشدة بكل من العروض المُقدَّمة.وقد كانت مهمة المُحكِّمين صعبة للغاية.فكل تطبيق من التطبيقات المعروضة كان لا يقل في إبداعه عن التطبيقات الأخرى، والأهم من ذلك، أنه كان يحمل في طياته الأمل بتحسين معيشة الناس بتسخير التكنولوجيا لإنتاج تطبيقات عملية يمكن تنفيذها على الفور.وابتكر أحد العشرة المؤهلين للأدوار النهائية للمسابقة دليلا للنقل يعمل عن طريق النظام العالمي لتحديد المواقع GPS وسمَّاه "أركب إيه" (E)، وهو يساعد الركاب مستخدمي وسائل المواصلات على تخطيط رحلاتهم، ويمكن أيضا استخدامه كوسيلة للإبلاغ عن المخاطر مثل التحرش إلى السلطات المختصة.وستكون هذه خاصية مفيدة جدا للنساء، اللاتي أصبح خطر التحرش أكبر رادع لهن عن استخدام وسائل النقل العام، الأمر الذي يحد من قدرتهن على التنقل ويزيد كثيرا من صعوبة الوصول إلى الفرص الاقتصادية.
ويتيح تطبيق آخر أطلق عليه "طريقي" (E) الحصول فورا على معلومات تفصيلية عن حركة المرور بالقاهرة من خلال تجميع وتصنيف المعلومات المتاحة من خلال رقائق النظام العالمي لتحديد المواقع بالهواتف الذكية المستخدمة على نطاق واسع في أنحاء المدينة.وفي ختام المسابقة، فاز بالجائزة الأولى صاحب التطبيق المُسمَّى "بلية" (E) وهو ميكانيكي سيارات متنقل يساعد السائقين على معرفة أماكن مراكز الصيانة وطلب الخدمة، ومتابعة الصيانة الدورية لسياراتهم.وبالإضافة إلى الجائزة المالية، حصل الفريق الفائز على حق المشاركة في المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة 2013 في برشلونة، وهو ما أتاح للإبداع المصري أن يتألق على الساحة العالمية للمرة الأولى.
وكان هناك عدد من الجوائز الأخرى، ولكن في نظري أن هذا الحدث كان نصرا جماعيا لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد.ومثلما حدث في مسابقة هاكاثون المياه من قبل، أظهرت مسابقة تطبيقات النقل الآثار الإيجابية التي يمكن أن تحققها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على قطاعات الاقتصاد الأخرى. وعلى نطاق أكبر، فإنها يمكن أن تساعد على تحقيق تحوُّل في هذه القطاعات.وتحتاج مصر بوصفها أحد أكبر اقتصادات المنطقة إلى قطاع مزدهر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كعامل محفز للابتكار والنمو.وحتى استثمار متواضع مثل استثمارنا في حصة الجوائز وتنظيم المسابقة جلب مجموعة كبيرة من الأفكار المبتكرة التي يمكن أن يكون لها أثر ملموس على النقل.وهذا التطبيق لا يبعث فقط الأمل في مساعدة ملايين الناس الذين يتنقلون في شوارع القاهرة، ولكنه يحفز النشاط الاقتصادي أيضا من خلال توليد طلب على خدمات جديدة مثل عمليات تتسم بالكفاءة لإصلاح السيارات على جانب الطريق.وتخيَّل النتائج لو كان ذلك في إطار استثمار أكبر كثيرا.
وفضلا عن الابتكار والنمو، فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن تساعد على تشجيع أرباب العمل الحر وأن تكون مصدرا لخلق فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها.وهناك 40 ألف وظيفة في القرية الذكية وحدها، ويشغل مصريون 99 في المائة منها.وهي وظائف تتطلب مهارات وذات أجور عالية.ومع نمو القطاع، فإنه سيخلق مزيدا من فرص العمل داخل الصناعة نفسها وخارجها. وتذهب التقديرات إلى أن كل وظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تؤدي إلى إيجاد ثلاث وظائف أخرى في الاقتصاد الأوسع.واستفادت مسابقة تطبيقات النقل في القاهرة من الإمكانيات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الابتكار وريادة الأعمال التي تُحفِّز النمو وتؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الوظائف.وقد لاحظ واضعو السياسات ذلك ومن المؤكد أنه سيجتذب مزيدا من اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب.وبالإضافة إلى المسابقات، سيحتاج القطاع إلى تدفق مطرد للشباب الذي يتمتع بالمهارات المناسبة لتحقيق نمو متواصل.وسيتطلب هذا توسيع نطاق التدريب المهني من الطراز الأول، وزيادة عمليات الاحتضان وفرص النمو لمساعدتهم على تحويل أفكارهم إلى واقع.
وينخرط البنك الدولي بشكل نشط منذ وقت طويل في قطاع النقل، وهو النصف الثاني لمسابقة تطبيقات النقل في القاهرة وذلك لنفس الأسباب التي يستثمر لها في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.فالنقل ضروري للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف، وذو أهمية بالغة للفقراء الذين يعتمدون عليه في الوصول إلى الخدمات والفرص الاقتصادية. وتستنزف الاختناقات المرورية في القاهرة الإنتاجية بتضييع أوقات الناس في المرور والتنقل، وتشكل الانبعاثات الناجمة خطرا على الصحة العامة والبيئة.
وفيما أعرب وزير النقل حاتم عبد اللطيف عن تقديره لمسابقة تطبيقات النقل، فقد أبدى أسفه أن المسابقة لم تشمل بعض المكونات الحيوية الأخرى في منظومة النقل مثل السكك الحديدية.وإني أشاطره الرأي في أهمية كل المكونات وحماسه من أجل المنافع المحتملة التي يمكن أن تجلبها لها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.فملايين المصريين يعتمدون على السكك الحديدية بصفة خاصة، ومن ثم فإن سلامة المنظومة أمر ذو أهمية بالغة.وبالإضافة إلى الاستثمارات في تحديث المسارات والقضبان ونظم الإشارات، فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنظم الذكية يمكن أن تساعد في تحسين سلامة السكك الحديدية من خلال تبادل أكثر كفاءة للمعلومات والجمع والتحليل الآني للبيانات.وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزء مهم من المنظومة في التصدي للتحديات الهائلة وعنصر مُكمِّل للإجراءات الأخرى الكثيرة المطلوبة.
وقد أظهرت مسابقة تطبيقات النقل بالقاهرة، أنه على الرغم من أن هذه التحديات تبدو جسيمة، فإن هناك سبلا كثيرة لمعالجتها. وإلى جانب الحلول التي تقدمها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن هناك حاجة إلى استثمارات في توسيع وسائل النقل العام وتحسين نظم إدارة المرور.ومن خلال عملنا في شتى أنحاء العالم في مساعدة البلدان في قضايا مماثلة، اكتسبنا المعرفة والخبرة التي يمكن تطبيقها حتى في أكثر التحديات تعقيدا.وبنفس الطريقة التي ساعدنا بها في تنظيم التلاقي بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومرور القاهرة، فإننا على استعداد لجمع خبرائنا الدوليين مع الخبراء وأصحاب المصلحة المباشرة المصريين للمساعدة في ابتكار الحلول.ودعوني أختم بكلمة أخيرة مستفادة من مسابقة تطبيقات النقل في القاهرة، ألا وهي: لا مشكلة تستعصي على الحل.
انضم إلى النقاش