يواجه اليمن أسرابًا من الجراد الصحراوي، وسيول عارمة، وتأثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، كل ذلك في وقت يعاني فيه من صراع مستمر دخل اليوم عامه السادس. وقد دأب البنك الدولي على تقديم الدعم لليمنيين طوال فترة الصراع، للمساعدة في الحفاظ على رأس مالهم البشري ومؤسساتهم. وها هي رجاء بنتاويت قطان، المديرة القُطرية لليمن في البنك الدولي التي انتهت فترة عملها في هذا المنصب، تشاركنا رؤيتها بشأن دعم البنك الدولي لليمن:
لقد شهد عام 2020 اضطرابات غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم. وفيما يتعلق باليمن، ذلك البلد الغارق في الصراع، وموطن بعض من أكثر فئات العالم فقرا وضعفًا، فإن التحديات هائلة على جبهات متعددة. فاليمن يمر بمنعطف خطير، حيث تواجه عملية السلام مصاعب جمة من أجل اكتساب قوة دفع، ويلوح خطر المجاعة في الأفق، وتستمر جائحة كورونا في الانتشار. وفي مواجهة الاحتياجات الهائلة ونقص التمويل، من الأهمية بمكان أن يقوم مجتمع التنمية بتعبئة الموارد واستخلاص الدروس المستفادة من التدابير والعمليات الناجحة، ومواصلة تقديم الدعم للشعب اليمني.
تقول رجاء قطان: عندما توليت منصب المديرة القٌطرية للبنك الدولي في اليمن قبل عامين، لم تكن لدى البنك خارطة طريق للعمل في سياق صراع نشط مثل الوضع في اليمن. وقد حققت أنشطة البنك الدولي في اليمن العديد من الأمور التي حدثت لأول مرة، ليس لي فحسب باعتباري مديرة ولكن أيضًا للبنك نفسه. لقد كان اختبارًا حقيقيًا للحفاظ على التركيز الإستراتيجي مع موازنة المفاضلات بين المخاطر والنتائج، مع ظهور أزمات جديدة متعددة. وبينما أفكر في أنشطة البنك الدولي والسياق الحالي، فإنني على قناعة أن الأولويات التي أبرزتها عندما انضممت للعمل لأول مرة - وهي ترسيخ استثماراتنا للحفاظ على رأس المال البشري والمؤسسات - تُعد أكثر أهمية اليوم كما هو الحال بالنسبة لأهمية الاستمرار في المشاركة حتى في أثناء الصراع.
منذ عام 2018، حدث الكثير فيما يتعلق بعمل البنك الدولي في اليمن: لقد حددت مذكرة المشاركة القُطرية الجديدة أولوياتنا، مما أتاح لنا زيادة الدعم لتقديم الخدمات الحيوية. وبينما حققت برامجنا بعض النتائج المتميزة، برز أيضًا عدد من المخاطر، مما وفر لنا دروسًا مهمة، ودفعنا إلى التكيف عند تنفيذ استجابتنا.
وقد ارتفع حجم التمويل الذي قدمه البنك الدولي لليمن إلى 1.81 مليار دولار لمساندة مشروعات الرعاية الصحية، والمياه والصرف الصحي، والكهرباء، والحماية الاجتماعية، والعمليات الطارئة الجديدة في إطار التصدي لتعرض البلاد لأسراب الجراد الصحراوي وجائحة كورونا. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المساعدات التي قدمها البنك الدولي وشركاء التنمية الآخرين على تجنب النتائج الصحية والاقتصادية التي من الممكن أن تكون أسوأ مما هي عليه اليوم. مع ذلك، فإن الوضع في اليمن كارثي بكل ما في الكلمة من معنى، ويستمر التجزؤ الجغرافي للبلاد، على الرغم من أننا يحدونا الأمل في أن تساعد عمليات السلام أطراف الصراع على التوصل إلى حل سلمي.
في هذا السياق من عدم اليقين، يمكن للتدخلات التنموية أن تضمن أن اليمن لن يتعرض للمزيد من الخسائر، ويمكن أن تساعد في تمهيد الطريق لإعادة الإعمار والتعافي في نهاية المطاف. وتُظهر تجربة البنك الدولي في اليمن أنه حتى في أثناء الصراع، فإن التدخلات الإنمائية ممكنة - بل وذات قيمة. على سبيل المثال، قدم برنامج التحويلات النقدية، الذي ينفذه البنك الدولي واليونيسف، ما يعادل 315 مليون دولار إلى 9 ملايين يمني، مما مكنهم من شراء الطعام والسلع الضرورية الأخرى. وساهمت الاستثمارات في قطاعي الصحة والطاقة في استمرار العاملين اليمنيين في مجال الصحة والمنشآت الصحية في العمل، مما يوفر شريان حياة لليمنيين.
تٌعد التدخلات دليلاً على أن البنك يجب أن يواصل دعم اليمن والبلدان الأخرى المتضررة من الصراعات. وتساهم مشاركتنا في اليمن في توجيه إستراتيجية البنك الدولي الجديدة في البلدان المتأثرة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف. لقد واصلنا العمل في اليمن من خلال استخدام شراكات مبتكرة مع وكالات الأمم المتحدة، وأيضًا مع المؤسسات الوطنية، والتعلم من أجل التعامل مع قضايا التنفيذ التي قد لا يوجد لها مرجع دائمًا طوال سير هذه العملية. بالإضافة إلى ذلك، دعمنا عملية الإشراف من خلال إعادة النظر في تولي طرف ثالث عملية المراقبة، وإدخال تقنيات مبتكرة مثل وضع العلامات الجغرافية، والمراقبة عن بُعد، وإشراك المجتمعات المحلية. وقد برزت بعض الدروس أثناء ذلك:
مواصلة تحسين الإجراءات
هذا النموذج ليس مثاليًا وينبغي مواصلة تطوره. ونظرًا لعدم تواجدنا على الأرض، يعتمد نموذج العمل المعدّل الذي يستخدمه البنك الدولي على تولي طرف ثالث عملية التنفيذ، مع الحفاظ على دور البنك في الإشراف وتوفير الخبرة الفنية. وقد برزت بالفعل بعض المخاطر، بما في ذلك بعض مواطن الضعف في الضوابط المالية والتعاقدية، التي تصدينا لها على نحو استباقي بالاشتراك مع شركائنا. وسنواصل تقييم كيفية التعامل مع المخاطر عند ظهورها، وتحسين الإجراءات، وتنفيذ أنظمة إدارة مالية وإجراءات وقائية أقوى. وتُعد المرونة والتواصل المبكر عاملان أساسيان لمواجهة المخاطر في وقت مبكر بالتعاون مع الشركاء. كما سنعمل تدريجيًا على تمكين الشركاء المحليين والمجتمعات المحلية على نحو أكبر، وسنواصل تنمية قدراتهم على تنفيذ البرامج المهمة ومراقبتها.
إن التحديات تتطلب حلولًا متكاملة. فقد وفرت خدماتنا الحضرية ومشروعات الكهرباء التي نفذناها، على سبيل المثال، الطاقة الكهربائية والمياه والصرف الصحي لمؤسسات تقديم الخدمات الحيوية، مثل المراكز الصحية والمدارس. وقد تعاملنا أيضًا مع قضية الأمن الغذائي من زوايا متعددة، بما في ذلك من خلال مشروع زراعي للمساعدة في الحفاظ على القدرة الإنتاجية، ومن خلال مشروع التصدي لأسراب الجراد لحماية المحاصيل واستعادة سبل كسب العيش. من جهة أخرى، تساهم مشروعات التحويلات النقدية، والنقد مقابل العمل، وعمل القطاع الخاص في سلاسل القيمة والواردات الغذائية في صياغة نهج متعدد الجوانب.
ويعد توفير بيانات جيدة عاملا ضرورية في سياق الوضع في اليمن. وقد أتاح لنا تعاوننا مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مراقبة رفاهة المواطنين وقياس تأثيرات جائحة كورونا وذلك بإجراء استطلاعات رأي سريعة عن طريق الهاتف المحمول. ويمكن للعمل التحليلي القوي أن يوجه أولويات السياسات، مثل العمل الأخير بشأن مواجهة الصدمات المرتبطة بالصراع، وتأثيرها على فرص الحصول على التعليم. كما أن تعزيز القدرة على الصمود أمر بالغ الأهمية: فقد أظهرت المجتمعات المحلية وشرائح من القطاع الخاص قدرة على الصمود في مواجهة البيئة المتدهورة. ويجب أن تستمر الشراكات مع هذه الفئات المهمة.
ماذا بعد؟
يقوم البنك الدولي الآن بإعداد مذكرة مشاركة قُطرية جديدة في اليمن. ونعيد تأكيد التزامنا بدعم تقديم الخدمات الأساسية والحفاظ على رأس المال البشري. وتتضمن المذكرة الجديدة رابطًا واضحًا مع الاستجابة لجائحة كورونا كجزء أساسي من إستراتيجية البنك الدولي، سواء في الدعم المباشر لقطاعي الصحة، والمياه والصرف الصحي - بناءً على الاستجابة الحالية لجائحة فيروس كورونا ومشروعات الصحة والتغذية الطارئة - وفي الاستجابة الاجتماعية والاقتصادية البالغة الأهمية، بما في ذلك التغذية المدرسية، والتحويلات النقدية وغير ذلك من دعم سبل كسب العيش. وستشمل الإستراتيجية التي تتضمنها تلك المذكرة تنويع الشركاء، وإعطاء دور أكبر للمؤسسات الوطنية، بالإضافة إلى دعم جديد للتعليم، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على رأس المال البشري.
إن النتائج التي تحققت حتى الآن في اليمن تُعد شهادة على تعاون فرق العمل المعنية عبر القطاعات والمؤسسات، وعلى العمل المتفاني لفرق العمل التي تتكيف باستمرار مع المواقف المتغيرة وتتوصل إلى حلول جديدة. وبينما نمضي قدمًا، يظل هذا العمل محوريًا للاستجابة بفعالية لأزمات اليمن العاجلة وكذلك التطلع إلى تعافٍ أقوى. ويتعين علينا أن نستمر في التعلم من تجربة التنفيذ، والعمل مع المؤسسات والمواطنين اليمنيين، والتفكير بطريقة غير تقليدية بغية مساعدة البلاد على التعافي وإعادة الإعمار على نحو أفضل في نهاية المطاف.
انضم إلى النقاش