في ظل الطلب المتصاعد على الموارد الحكومية والعجز المالي المتكرر، يصبح من الضروري تحديد استراتيجيات واضحة المعالم تعالج أولويات التنمية الملحة، مثل الحد من الفقر والتأثر بالمناخ. ويمكن القول إن إصلاح الدعم المالي في الأراضي الفلسطينية من شأنه أن يساعد في تحرير الموارد وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لجزء أكبر من السكان. دعونا نرى كيف.
إن أعدادًا كبيرة من الأشخاص الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة والذين يعانون من الفقر هم أكثر هشاشة أمام تأثير التغير المناخي وأشد عُرضة لآثاره. كما أن الصدمات المناخية من شأنها مفاقمة التحديات الاجتماعية والاقتصادية القائمة أصلاً، ولاسيما من ناحية زيادة انعدام الأمن الغذائي وتقييد الوصول إلى الموارد مثل المياه والطاقة.
وقد كشف جائحة كوفيد-19 عن مدى الهشاشة والانكشاف الذي تعانيه الأسر الفلسطينية. حيث أدت القيود الاقتصادية في وقت مبكر من الوباء إلى ارتفاع مفاجئ في معدل الفقر بأكثر من 6% في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي نسبة تعادل 300 ألف شخص تم الدفع بهم إلى براثن الفقر على المدى القصير. وعليه، يمكننا أن نتوقع أن الصدمات الناجمة عن المناخ ستعزز نقاط الضعف والهشاشة الموجودة أصلاً، ومن ثم تتسبب في ظهور المزيد من الأسر الفقيرة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
ويتركز وجود الأشخاص الذين يعيشون في ظل قصور مائي حاد وارتفاع في معدلات الفقر في غزة وجنوب الضفة الغربية. وتوضح الأرقام الواردة أدناه التداخل بين المناطق التي من المتوقع أن تعاني قصوراً وإجهاداً مائياً خلال العقد القادم وذلك وفقاً لسيناريو العمل المعتاد؛ أي سيناريو بقاء الأمور على حالها (الشكل 1)، وكذلك توضح هذه الأرقام المناطق الأعلى في معدلات الفقر (الشكل 2). كما تتركز التجمعات التي تعاني من أعلى مستوى من الإجهاد المائي المتوقع في كل من دير البلح ورفح وخان يونس في غزة وكذلك في التجمعات المحلية في محافظة الخليل في الضفة الغربية.
الشكل 1: يتركز السكان المعرضون لأكبر قدر من الإجهاد المائي في غزة وجنوب غرب الضفة الغربية | الشكل 2: معدلات الفقر هي الأعلى في غزة وفي التجمعات المحلية في جنوب الضفة الغربية |
مؤشرات الإجهاد المائي المتوقعة على مستوى المنطقة في عام 2030 | معدلات الفقر على مستوى التجمع المحلي |
|
|
ملاحظة: الإجهاد المائي المتوقع حتى عام 2030 في ظل سيناريو العمل المعتاد. | ملاحظة: تم احتساب الفقر على المستوى المحلي وفق بيانات PECS للأعوام 2016/2017 وتعداد2016. |
المصدر: بيانات وتوقعات معهد الموارد العالمية. | المصدر: خريطة البنك الدولي حول الفقر في الأراضي الفلسطينية، 2019. |
إن إيجاد حلول عملية في سياق مالي غير مواتٍ ليس بالمهمة السهلة، ولكن يبقى هناك خيارات. تنفق السلطة الفلسطينية حوالي 1٪ من إجمالي الناتج المحلي لدعم الوقود كل عام. وهذا لا يكون فقط على حساب أجندة المناخ، بل يؤدي أيضًا إلى مزاحمة الإنفاق على مجالات مثل التعليم والبرنامج الوطني للتحويلات النقدية. وفي عام 2021، بلغ حجم دعم الوقود الذي قدمته وزارة المالية في السلطة الفلسطينية 77 مليون دولار أمريكي. وفي عام 2022، وفي خضم الزيادة العالمية في أسعار الوقود، ارتفع دعم الوقود بنسبة 191% على أساس سنوي.
إن عملية الدعم تعني أن أسعار بيع الوقود بالتجزئة في الأراضي الفلسطينية أقل من أسعار النفط العالمية، مما يؤشر إلى أن هناك مساحة للإصلاح. يتم استيراد ما يقرب من 100% من الوقود في الأراضي الفلسطينية، وبشكل رئيسي من إسرائيل. ولكن أسعار الوقود لا تعكس بشكل كامل التقلبات التي تحدث في أسعار النفط العالمية وذلك بسبب إضافة الضرائب والدعم وتقلبات أسعار الصرف في الدولار. وتمثل الضرائب في المتوسط ثلثي السعر النهائي الذي يدفعه المستهلكون في نهاية المطاف. ويعد تغيير ضريبة الوقود أحد الخيارات أيضًا، ولكن في سياق الضفة الغربية وقطاع غزة، سيتطلب ذلك مفاوضات محددة بين السلطات الفلسطينية والإسرائيلية.
إن الأثر التقدمي أو الإيجابي لدعم الوقود هو الأقل، من بين جميع التدابير العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويرجع ذلك إلى أن الأسر الأغنى تتلقى حصة أعلى من إجمالي الدعم، نظرًا لأنها تستهلك أيضًا كمية من الوقود أعلى من الأسر الفقيرة. وذلك بخلاف دعم الكهرباء التدريجي، ودعم الإنفاق الاجتماعي مثل التعليم والتحويلات النقدية، فكلاهما يحقق أثراً تقدمياً بدرجة عالية. وعلى الرغم من أن دعم الوقود يحد من الفقر، إلا أنه ليس الطريقة الفعالة الأمثل للقيام بذلك، حيث يتم دعم الأسر الفقيرة بدرجة أقل بكثير من الأسر الأكثر ثراءً. وكما هو مبين في الشكل 3 أدناه، فإن إجمالي دعم الوقود الموجه إلى أغنى 10٪ من السكان في الضفة الغربية أعلى بأربع مرات تقريبًا من المبلغ المخصص لأفقر 10٪ من السكان.
الشكل 3: نسب دعم الوقود (التأثيرات المباشرة وغير المباشرة): الضفة الغربية - نسب دعم الوقود (التأثيرات المباشرة وغير المباشرة): الضفة الغربية - حصة دعم الوقود التي تذهب إلى الأسر الأغنى أعلى بنحو أربعة أضعاف من حصة دعم الأسر الأفقر
سيكون تأثير تخفيض دعم الوقود بنسبة 50 % كبيرًا، ويمكن إعادة توجيه المدخرات (المترتبة على هذا التخفيض) إلى مجالات ذات أولوية ملحة، بما في ذلك مجالات الإنفاق الاجتماعي والعمل المناخي. إن المتوسط السنوي الذي تم إنفاقه على دعم الوقود خلال العقد الماضي هو 410 مليون شيكل في السنة. وعليه فإن توفير ما يزيد قليلاً عن 200 مليون شيكل للإنفاق الاجتماعي سيكون فرصة لتمويل ما يعادل 40% من برنامج التحويلات النقدية الوطنية على سبيل المثال1 . وهو أمر من شأنه، بعبارة أخرى، أن يدعم أكثر من 46,000 أسرة فلسطينية تعيش حاليًا في فقر مدقع. أو يمكن أن يغطي ما يعادل 50% من الاحتياجات الاستثمارية المقدرة لنفقات رأس المال السنوية المطلوبة لمواجهة تحديات المناخ في قطاع المياه والطاقة والزراعة والتنمية الحضرية ورأس المال البشري2 ، وذلك للضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، فمن المهم التأكيد على أن أي تخفيض في دعم الوقود يجب أن يدار بعناية وينفذ من خلال نهج مرحلي؛ وذلك لمنع أية عواقب أو تداعيات سلبية على الفقراء. وفي حين أن دعم الوقود أمر تقليدي للغاية، إلا أنه لا يزال يعمل على الحد من الفقر بالنسبة لشريحة معينة من السكان. وينبغي أن يؤخذ ذلك في الاعتبار الكامل لضمان حماية الفقراء من أي آثار سلبية مفاجئة.
1 استنادًا إلى أرقام البرنامج الوطني الفلسطيني للتحويلات النقدية لعام 2021 ، المصدر: طاقم البنك الدولي.
2 وفقاً لإحصاءات طاقم البنك الدولي، 2023.
انضم إلى النقاش