نشر في أصوات عربية

أزمة اللاجئين تحول الصيادين التونسيين إلى فرق إنقاذ

الصفحة متوفرة باللغة:
مدينة جرجيس الساحلية في جنوب تونس
مدينة جرجيس الساحلية في جنوب تونس 
إن مشاعر الخوف والقلق التي تساور الصيادين التونسيين في محيط مدينة جرجيس الساحلية في جنوب تونس تتجاوز الآن أحوال الطقس ومحصولهم اليومي من أسماك التونا والدورادو (الدراك). فهنا، في هذا الجزء من تونس، أصبح إنقاذ المهاجرين أيضا شائعا في العمل اليومي للصيادين.

يتذكر الصياد صلاح الدين السعداوي نداء الاستغاثة "النجدة النجدة!" الذي أطلقه لطلب المساعدة عندما تصادف مرور مركبه بالقرب من قارب للمهاجرين بعد ظهر يوم السبت قبل بضعة أسابيع، وكيف أنه ساعد في انقاذ 180 مهاجرا. قال السعداوي، وهو صياد أسماك في منتصف العمر، إنه انضم إلى منظمة أطباء بلا حدود لحضور دورة تدريبية ومعرفة كيف يتصرف. كان السعداوي يقف في سقيفة في ميناء جرجيس، وشرح كيف دأب على اتباع لائحة التعليمات التي تلقاها في أغسطس/آب بعد دورة تدريبية استمرت ستة أيام مع 116 صيادا من المنطقة، اشتملت على التدابير الخاصة بأعمال الإنقاذ والإنعاش. وفي القارب المكتظ بالركاب الذي ساعده السعداوي، بدأ الناس يصرخون ويلوحون حينما شاهدوا مركب الصيد الذي يملكه في منطقة تبعد نحو 60 كيلومترا خارج الشريط الساحلي التونسي. وأثناء انتظار وصول النجدة، حاول التواصل مع المهاجرين على متن القارب، وكان بينهم نساء وأطفال، وبقي مع القارب حتى وصلت طائرة هليكوبتر بعد ذلك بنحو ساعة وأخذت المهاجرين إلى بر الأمان.
 
ولكن لم تكن هذه المرة الأولى التي يصادف فيها السعداوي قاربا للمهاجرين. ويقول إن هذا أصبح مشهدا شائعا. ومع أنه حاول تقديم يد المساعدة من قبل، فإنه كانت تساوره هو وزملاءه مخاوف أن يُتهَموا بأنهم مُهرِّبون أو –وهو الأسوأ- أن يتعرضوا للاختطاف. إن جهود الإنقاذ محفوفة بالمخاطر وقد تتحوَّل إلى عملية خطرة على الصيادين الذين يعملون في غالب الأحيان في مراكب صغيرة. ولذلك، فإنهم في بادئ الأمر كانوا يحاولون تقديم المساعدة بتوجيه قوارب المهاجرين وتزويد الركاب بالماء. وإذا كانت القوارب في حالة جيدة، فإنهم يرحلون. غير أن سلامة الركاب والأحوال الجوية سرعان ما تتغيَّر في البحر.
 
Fisher man Salahadin al-Sadawi - Chrisitine Petre l World Bank
صلاح الدين السعداوي 

ويُعد التواصل بوضوح مع قوارب المهاجرين/اللاجئين على درجة كبيرة من الأهمية. فبعد أيام من الجنوح، يصبح كثير من الركاب على متن القوارب في حالة سيئة، وقد أصابهم الرعب بعد أن بقوا على قيد الحياة بلا غذاء أو ماء فترة زمنية طويلة. ويكمن الخطر في أن مشاهدة مركب قد تثير الفزع على متن قارب المهاجرين. ويشرح السعداوي بقوله إنه لذلك تتمثَّل المهمة التي يجب على الصيادين أداؤها حينما يصادفون قاربا للمهاجرين هو تهدئة الركاب. ويقول إنهم يجب أن يبقوا ساكنين في قواربهم، ويشرح بإشارات يده كيف يحاول بث الشعور بالأمان بإبلاغهم أن النجدة في الطريق. ويشرح الصيادون أنه كانت هناك حالات أصاب فيها الفزع الناس على متن القارب فانتقلوا جميعا إلى جانب واحد من القارب، وفقد القارب توازنه، وانقلب، وغرق المهاجرون في المياه.

ولا يُعد طريق التهريب عبر مدينة زوارة الساحلية الليبية جديدا، ولكن الأعداد في ازدياد، كما هو الحال في الاتجاه السائد والملاحظ في البحر المتوسط. وتم إنقاذ سبعة قوارب تحمل نحو 900 راكب خارج الساحل التونسي في النصف الأول من عام 2015، وذلك وفقا لما أورده موجز الحقائق الذي أصدرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سبتمبر/أيلول 2015، طلب 147 منهم اللجوء. وجاء معظم المهاجرين إلى تونس عبر الحدود في الجنوب، واعتمد الكثير منهم على المُهرِّبين الذين ينشطون في ليبيا. وجرجيس قريبة من الحدود الليبية ولا تبعد سوى 70 كيلومترا عن زوارة التي أصبحت أحد مراكز تهريب البشر على امتداد الشريط الساحلي لليبيا الذي يبلغ طوله 1770 كيلومترا. ولذلك ليس غريبا أن بعض قوارب المهاجرين تنحرف عن مسارها، وذلك في الغالب بسبب تعطُّل المحركات، وينتهي بها المطاف على الساحل قرب ميناء بلدة السعداوي. ومع ازدياد أعمال التهريب في ليبيا التي تعصف بها الحرب، تدهورت أيضا أحوال القوارب التي تقل المهاجرين.
 
A migrant from Nigeria - Christne Petre l World Bank
مهاجرة نيجيرية أنقذتها خفر السواحل التونسية
ويختلف منشأ الذين يحاولون الوصول إلى شواطئ أوروبا من شخص إلى آخر. فالكثير منهم يأتون من بلدان أفريقية مثل نيجيريا والصومال وإريتريا، لكن كثيرين يأتون أيضا من بلدان الشرق الأوسط ومنها سوريا التي تمزق الحرب أوصالها. وبالنسبة للكثيرين الذين ينتهي بهم المطاف وقد تقطعت بهم السبل في البحر، فإن الصيادين الذين يعملون في هذه المياه الساحلية هم في الغالب بارقة الأمل الوحيدة. ولكن ليس كل الصيادين مستعدين أو مجهزين لتقديم المساعدة ومد يد العون.
 
تقول مهاجرة نيجيرية في العقد الثالث من العمر قابلتُها في جنوب تونس بالقرب من مدنين وروت لي قصة مُروِّعة عن نكبتها في البحر "رأينا صيادا." واستبد بها الخوف من المهربين الذين سجنوها في ليبيا حتى أنها لم تشأ أن تكشف عن اسمها. وكان قد تم تهريبها عبر مالي وليبيا قبل أن ينتهي بها المطاف في زوارة حيث وضعها المهربون مع نحو 150 آخرين في قارب بلاستيكي. ولكن بعد إقلاع القارب ما لبث أن تعطَّل مُحرِّكه القديم. وتشرح كيف أنهم رأوا قارب صيد، لكنه لم يقترب منهم وتركهم نهبا للأمواج تجرفهم المياه قبالة الساحل التونسي. لأن القارب كان مكتظا بالركاب أو لعلها صرخاتهم اليائسة طلبا للنجدة، لا تدري. ومن حسن الحظ، أن حرس السواحل التونسي أنقذها وبقية الركاب، بعد أن ظلوا في البحر أربعة أيام، وأتوْا بهم إلى بر الأمان في جرجيس.
 
ويرى السعداوي والصيادون الآخرون في ميناء جرجيس أن من واجبهم مساعدة المنكوبين في البحر. ويحاول الصيادون التونسيون التعاون مع بعضهم بعضا ومع حرس السواحل. وحتى إذا اقتضى ذلك أن يفقد الصيادون يوم عمل، فإنهم لا يترددون في تلبية نداء الإنسانية. إنهم مُتحمِّسون وحريصون على تقديم يد العون. يقول أحد الرجال في الميناء "نحن صيادون ونعرف البحر ولا يُمكِن أن نتركهم أو نتخلَّى عنهم."

بقلم

كريستين بتري

مديرة تحرير، موقع "Your Middle East" الالكتروني

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000