هل تسلكين طرقا أطول لتجنب الشوارع المظلمة؟ هل تنتظرين قطارا أو أتوبيسا ليس به ركاب في الغالب؟ هل تحملين مفاتيح في يديك للدفاع عن نفسك إذ "ربما تتعرضين لموقف ما؟" هل تتجنبين التنقل أو السفر بمفردك أو لاتسافري على الإطلاق لعدم الشعور بالأمان؟
توضح هذه السيناريوهات التجارب اليومية للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم في سبيلهن للحصول على التعليم أوفرص العمل أولتقديم الرعاية أوممارسة حياتهن اليومية. ويمثل ضمان توفير وسائل النقل والمواصلات الآمنة للمرأة تحد كبير يتطلب الاستثمار في الأطر القانونية وأطر السياسات لمعالجة العقبات الهيكلية التي تساعد على استمرار مظاهر العنف والتحرش ضد المرأة.
واكتسب العنف القائم على النوع الاجتماعي، لا سيما ضد المرأة، اهتماما عالميا باعتباره قضية ملحة تتطلب اتخاذ إجراءات وتدخلات فورية من جانب الحكومات والمنظمات والمؤسسات والمجتمع الدولي. ويلتزم البنك الدولي بالتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي ، من خلال استثماراته في العمليات والمشروعات و الدراسات التحليلية والمساعدة الفنية، مع التعاون الوثيق مع مختلف أصحاب المصلحة والأطراف المعنية. وقد قام البنك الدولي بإعداد و تبني عدد من الوثائق الرئيسية التي تمكن من المشاركة الإستراتيجية و العملية على مستوى المشروعات لإيلاء الأولوية لصحة المجتمع وسلامته، مع التركيزعلى التصدي للعنف ضد المرأة . وتشمل هذه الوثائق (على سبيل المثال لا الحصر) خطة العمل الإقليمية للتصدي للعنف ضد المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ووثيقة منع العنف ضد المرأة والتصدي له في عمليات البنك الدولي: تقييم جهود 10 سنوات من العمل، وإطار العمل البيئي والاجتماعي ومذكرات الممارسات الجيدة ذات الصلة.
وفي مصر، شهدت الجهود الرامية إلى تعزيز تمكين المرأة والتصدي للعنف ضدها تقدما كبيرا. ففي عام 2015، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة والتي أعطت الأولوية لمنع العنف والحماية منه والتدخل لدحره وسلطت الضوء على الإجراءات القانونية التي تستوجب العقوبة عليه. وفي عام 2021، تم تعديل قانون العقوبات الذي يجرم التحرش الجنسي بتغليظ العقوبات على الجناة والتصدي لجرائم التحرش والإيذاء عبر الإنترنت.
وتمثل الجهود الحالية لمعالجة مختلف أشكال العنف ضد المرأة، أهمية قصوى لمساعدة مصر في تحقيق أهدافها المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والمستدامة، إذ تشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي في مصر من الممكن أن يشهد زيادة بنسبة 34% إذا تساوى معدل مشاركة المرأة في العمل مع معدل الرجل. لذلك ينبغي أن تتضمن الجهود الرامية إلى منع العنف ضد المرأة، تدابير في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك النقل والمواصلات والصحة والتعليم وأماكن العمل.
و في إطار دعم البنك الدولي للحكومة المصرية في جهودها الرامية للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي ، قدم البنك مساعدة فنية وخدمات استشارية في صورة تمويل لأغراض سياسات التنمية لدعم النمو الشامل للجميع من أجل تحقيق تعافٍ مستدام في مصر. وساعد هذا التمويل الحكومة المصرية على إجراء مجموعة من الإصلاحات التشريعية تضمنت إصدار مدونة قواعد سلوك لتعزيز النقل الآمن بموجب قرار وزاري (2021). وتعاون البنك الدولي مع وزارة النقل والمجلس القومي للمرأة لتسهيل تنفيذ هذه الإصلاحات الحكومية، والتي تهدف إلى التقدم نحو توفير وسائل نقل ومواصلات أكثر أمانا. وتم من خلال هذا التعاون أيضا تقديم دعم واسع لأصحاب المصلحة والأطراف المعنية الأخرى للتصدي لتحديات العنف القائم على النوع الاجتماعي، لا سيما ضد المرأة، في قطاعات متنوعة.
من قرار وزاري إلى واقع عملي ملموس
بالاشتراك مع المجلس القومي للمرأة، نظم البنك الدولي سلسلة من ورش العمل التي استهدفت تعزيز القدرات العملية لوحدات إدارة المشروعات للتصدي للمخاطر المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، لا سيما ضد المرأة. وعرضت ورش العمل إرشادات البنك الدولي، وأفضل الممارسات الدولية، وموقعا مخصصا على شبكة الإنترنت يمثل مكتبة مرجعية. ومن بين المنافع الكبيرة لهذه الفعاليات التعليمية إقامة روابط مباشرة بين المجلس القومي للمرأة ووحدات تكافؤ الفرص ووحدات إدارة المشروعات لتسهم كآليات تعاون مباشرة في التصدي لمخاطر الاستغلال والاعتداء والتحرش الجنسي في المشروعات التي يمولها البنك.
المشاركون في الجولة الدراسية وورش العمل بين مصر والبرازيل.
وفي إطار المساعدة الفنية المقدمة لوزارة النقل، تم إعداد العديد من الموارد والمصادر والمراجع ذات القيمة الكبيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، (1) تحليل متعمق لآليات معالجة المظالم مع التوصيات اللازمة، (2) الإجراءات الموحدة لتفعيل مدونات قواعد السلوك، و(3) إستراتيجية الاتصال والتوعية التي تستهدف مشاركة المجتمعات المحلية وزيادة الوعي. ولضمان فعالية التنفيذ، تم إجراء العديد من المشاورات مع أصحاب المصلحة الأطراف المعنية، وعقد جلسات توعية، وورش عمل لتدريب المدربين.
وتُوجت هذه الجهود بجولة دراسية تشاركية ناجحة للبرازيل في أبريل 2023. و قد ضمت الجولة مسؤولين من الحكومة المصرية من جهة ووزارات التنمية الاجتماعية والصحة والخارجية، ومجلس العدل الوطني في البرازيل من جهة اخرى. وشملت الجولة الدراسية عدة زيارات ميدانية لمرافق ومنشآت النقل العام وأكشاك الخدمة في مترو البرازيل المصممة خصيصا للنساء للتعامل مع شكاوى التحرش الجنسي ومعالجتها. وشاركت الحكومتان البرازيلية والمصرية في ورشة عمل لتبادل الآراء والخبرات والمعارف بشأن تدابير منع العنف ضد المرأة، والتصدي له. وتعتزم الحكومة المصرية تطبيق النقاط الرئيسية المستفادة من هذه الجولة الدراسية في إطار جهودها الجارية للتصدي للعنف ضد المرأة.
ماذا نتعلم
أهم الدروس التي يمكن أن تستخلصها مصر وبلدان أخرى من جولتنا الدراسية وبرنامجنا:
- الإصلاحات التي تتعلق بمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي تكون أكثر فعالية عندما ترتكز على مبادرات والتزامات حكومية قائمة.
- يجب أن تشمل الجهود الرامية للحد من المعوقات التي تحول دون التمكين الاقتصادي للمرأة تعاونا وتنسيقا بين مختلف أصحاب المصلحة ، كما يجب أن تضم إجراءات قطاعية لمنع العنف ضد المرأة والتصدي له في أماكن العمل وفي وسائل النقل العام، بما في ذلك تطبيق أنظمة استجابة تتسم بالقوة والشفافية للتصدي لهذا النوع من العنف.
- تمثل آلية تمويل سياسات التنمية التي يقدمها البنك الدولي نهجا إستراتيجيا متعدد القطاعات لتعزيز التقدم في جهود التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث إنها تشجع الحوار بشأن السياسات من خلال الأعمال التحليلية والبحوث المتعمقة.
- حتى يتسنى تحقيق المزيد من التغيير على نطاق واسع في جهود التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، لا سيما ضد المرأة، في مصر (ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، يجب التصدي للأعراف والتقاليد الاجتماعية البالية التي تعزز استمرار هذا النوع من العنف، على أن تتم هذه الجهود بمشاركة الرجال والشباب والفتيان.
المراجع
الدليل المرجعي عن العنف ضد النساء والفتيات
دراسة عن التمكين الاقتصادي للمرأة (2018)
خاتم المساواة بين الجنسين: مفتاح تعزيز القطاع الخاص في مصر (2021)
الأعراف والتقاليد الاجتماعية ومشاركة المرأة في القوى العاملة في مصر (2023)
موافقة مجلس النواب في 2023 على قانون العقوبات الذي يجرم التحرش الجنسي
انضم إلى النقاش