تعزم المملكة العربية السعودية على إعادة تحديد نهجها في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث شرعت في التحول من النموذج الطبي التقليدي إلى نهج شامل ومتكامل يكفل العيش الكريم، ويركز على بيئة الشخص وقدراته الوظيفية ومشاركته الاجتماعية، لا على تشخيص حالته الطبية.
بالشراكة مع مجموعة البنك الدولي، يتسق هذا التحول مع كلٍّ من رؤية 2030 ومع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادقت عليها المملكة عام 2008. ويجري أيضاً توثيق هذه التجربة من خلال منشورٍ مشترك يُبرز مسيرة الإصلاح في المملكة العربية السعودية.
ووفقاً للهيئة العامة للإحصاء، تبلغ نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في السعودية 5.1%، وتُعد هذه النسبة منخفضة نسبياً مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 16%. ومن بين 1.35 مليون حالة، تم تسجيل أكثر من 850 ألف مستفيد لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ليتلقّون خدمات اجتماعية متنوعة.
وتعود شراكة الوزارة مع مجموعة البنك الدولي في هذا المشروع إلى برنامج تعاون فني امتد لعدة سنوات بدأ في عام 2018 بهدف تحديد الإصلاحات اللازمة في مجال تقييم الإعاقة والرعاية الاجتماعية في المملكة وتنفيذها.
ما هي أوجه التغيير؟
أطلقت الوزارة نموذجاً جديداً لتقييم الإعاقة يستند إلى أفضل الممارسات العالمية، بما في ذلك التصنيف الدولي للأداء الوظيفي وجدول تقييم الإعاقة لمنظمة الصحة العالمية 2.0 (WHODAS 2.0) الذي يغطي ستةً من مجالات الحياة الكريمة لتوفر صورة أشمل لاحتياجات الفرد، وهي تتمحور حول: إمكانية التنقل، الإدراك، الرعاية الذاتية (بما في ذلك النظافة الشخصية وارتداء الملابس والبقاء منفردين)، وأنشطة الحياة (مثل قضاء أوقات الفراغ والعمل والدراسة)، والمشاركة في الأنشطة الإجتماعية.
وعلى خلاف النظام السابق الذي كان يعتمد على الحالات الطبية، يعتمد النموذج الجديد مقاربة تراعي كيفية تأثير الإعاقة على أنشطة الحياة اليومية، ويربط الأفراد بالدعم والخدمات المصممة خصيصاً لاحتياجاتهم.
أسباب أهمية هذا الإصلاح
لن يتضح أثر هذا الإصلاح إلا في السنوات المقبلة من تنفيذه، واستناداً إلى التجارب الدولية من المرجح أن يؤدي نظام التقييم المُعدًّل إلى تطورات جوهرية. أولاً، سيجعل تقييمات الإعاقة أكثر عدلاً ودقة، وبالتالي تحسين سبل وصول الدعم المالي إلى مستحقيه. ثانياً، سيتيح تقديم دعم أكثر مراعاة لظروف المستفيدين لتعزيز الكرامة وشمول الجميع. وأخيراً، سيرتقي بالمعايير المهنية ويُحسِّن تدريب الأخصائيين الاجتماعيين.
واستندت عملية الإصلاح إلى الخبرات والتجارب العالمية في تقييم الإعاقة والرعاية الاجتماعية بشكل عام، حيث قامت المملكة العربية السعودية بدراسة أنظمة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في بعض البلدان مثل الدنمارك وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة، وأرسلت وفداً إلى أستراليا قام بجولة دراسية لاكتساب فهمٍ أعمق لكيفية بناء نظم رعاية مستدامة وفعالة للرعاية الاجتماعية. وتلى ذالك مشاورات شملت أصحاب المصلحة في المملكة العربية السعودية متمثلة بالجهات الحكومية وممثلي المجتمع المدني بهدف وضع أطرٍ شاملة لخدمات الرعاية الاجتماعية مصمّمة خصيصاً لاحتياجات المجتمع.
وتبدأ عملية تقييم الإعاقة التي جرى تعديلها بجمع البيانات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية للتوصل لقاعدة بيانات عن الأسرة ودورها، ويُجرى بعد ذلك تقييمٌ طبي مُعزَّز للإعاقة لقياس أوجه القصور في بنية الجسم ووظائفه، ثم تُستخدم أدوات جديدة لتقييم القدرات البدنية والذهنية، ويتبع ذلك تقييم القدرة على العمل بهدف ربط القادرين على العمل بسوق العمل.
وللمساعدة في تنفيذ نظام التقييم الجديد، تلقى نحو 250 أخصائياً اجتماعياً سعودياً دورات تدريبية أهلتهم ليصبحوا مقيّمي إعاقة ومشرفين على أعمال التقييم، مع وضع خطة لتدريب 400 أخصائي اجتماعي آخر في الفترة القادمة. وقد أنشأت الوزارة منصة للتعلّم الإلكتروني تحتوي على برامج تدريبية مُكثفة لترخيص المشرفين والمقيّمين ومنحهم شهادات الاعتماد في مجال تقييم الإعاقة. ويتضمن نموذج التقييم آلية لتلقي الشكاوى والبت فيها لضمان استجابة النظام لأي مشاكل قد يواجهونها. وتمثلت الخطوة الأخيرة في وضع إستراتيجيةٍ للتواصل بهدف رفع الوعي بالتغييرات الجوهرية والمرتقبه وأسبابها.
الاستعداد للقادم
في المستقبل، سيواصل البنك الدولي مساندة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في جهودها لتحسين الرعاية المُقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن. ويشمل ذلك دعم تنفيذ النموذج الشامل الجديد لتقييم الإعاقة، وربطه بتوسيع حزمة الخدمات الاجتماعية، وتحديد معايير الجودة للمنظمات غير الحكومية ومقدمي الخدمات لدى القطاع الخاص. وتؤمن الوزارة بالدور المحوري لهذه المنظمات في تحقيق رؤية 2030 وكذلك أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وبالتزامن مع هذه الجهود، تشارك مجموعة البنك الدولي في عدة مبادرات في المملكة، من بينها إعداد إستراتيجية للتعامل مع الشيخوخة ومراعاة كبار السن بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط، وهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة لقياس مستوى رضا هؤلاء المستفيدين والقائمين على رعايتهم عن الخدمات المقدمة.
والجدير بالذكر هو أن هذه الجهود تستهدف ضمان تحسين مستوى الشمول والمشاركة والخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن في المملكة.
انضم إلى النقاش