نشر في أصوات عربية

التحرش الجنسي في أماكن العمل في لبنان – إلى أين نتّجه؟

الصفحة متوفرة باللغة:
A protester holds up a sign at a demonstration against sexual violence. A protester holds up a sign at a demonstration against sexual violence.

خلال العام الماضي، شهد لبنان زيادة في عدد النساء اللواتي تحدثن عن تعرضهن للتحرش أو المعاملة غير العادلة، وطالبن بحقوقهن وصرن يحققن تأثيراً ملموساً على هذا الصعيد. فقد بدأت المرأة اللبنانية تشعر بالمزيد من القوة والتمكين وتسعى جاهدة من أجل إحداث تغيير حيال هذه المسألة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتحرش الجنسي في أماكن العمل، فلا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به.

ما هو التحرش الجنسي في أماكن العمل؟

التحرش الجنسي هو شكل من أشكال العنف والتمييز القائم على النوع الاجتماعي ويتضمن أي فعل صريح أو ضمني ذا طابع جنسي، بأي شكل من الأشكال، غير مرحب به أو غير مرغوب فيه، على نحو يجعل الشخص الآخر يشعر بالإهانة أو التحقير أو الترهيب أو الإذلال أو التهديد أو الخوف.

وهناك نوعان رئيسيان من التحرش الجنسي: (1) بيئة العمل العدائية، الناشئة عن الإيحاءات أو المعاكسات غير المرحب بها والمتكررة، أو تصرف صادم ذي طبيعة جنسية؛ و(2) التحرش مقابل منح امتيازات حيث يُشترط للحصول على فرصة مهنية القيام بعمل جنسي لصالح المتحرش أو لصالح طرف ثالث.

ومن الممكن أن يُلحق التحرش الجنسي أضراراً بالاقتصاد، لأنه يخلق أجواء عمل مسمومة من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وارتفاع معدلات دوران العاملين، والتغيب عن العمل. كما يؤدي إلى تدني حب الذات، والإحباط، والقلق، بل والاكتئاب لدى ضحايا مثل هذه التصرفات.

في كانون الأول 2020، أقر مجلس النواب اللبناني قانوناً بالغ الأهمية، هو القانون رقم 205 لتجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه. وقد دعم البنك الدولي إقرار هذا القانون بالعمل من خلال برنامج تمكين المرأة في المشرق التابع له بالاشتراك مع  الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وأصحاب المصلحة الآخرين. وهذا القانون يجّرم التحرش الجنسي وينشئ صندوقاً خاصاً في وزارة الشؤون الاجتماعية لإعادة تأهيل ضحاياه. وبالإضافة إلى توجيه تهم جزائية، يمكن لأصحاب العمل والمؤسسات الآن فرض تدابير تأديبية، كما يحق لضحايا التحرش الجنسي المطالبة بتعويضات إضافية عن الضرر الذي لحق بهم.

وعن ذلك، تقول السيدة كلودين عون روكز، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية: ”هذا القانون خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، ليس نحو تحقيق المشاركة الاقتصادية للمرأة فحسب، بل نحو تمكين المرأة للدفاع عن نفسها أيضاً“. وفي حين يظل إصدار "القانون رقم 205" إنجازاً كبيراً، لا تزال هناك بعض العوامل الثقافية والعملية التي تعوق تنفيذه.

ومن بين هذه العوامل كون موضوع التحرش الجنسي من المحرمات: فاتخاذ الأمر مادة للنِكات، أو التشهير بالضحايا، أو التقليل من شأن بعض الحالات يحول دون تقدم الضحايا للإبلاغ أو التحدث أو اتخاذ إجراءات.

وثمة عامل آخر هو المفهوم الثقافي الخاطئ للتحرش الجنسي: فالكلمات التي يشيع استخدامها هذه الأيام تطمس في كثير من الأحيان الخط الفاصل بين "الودية" و"التحرش"، مثل "حبيبي" و"حياتي". ولا يزال القانون غير موضوعي فيما يتعلق بتعريف "التحرش"، وبالتالي فإن الواقعة ذاتها قد يختلف وقعها على شخص دون آخر.

وبناءً عليه، فإن أحد القيود التي تحول دون تنفيذ القانون يتمثل في وقوع عبء الإثبات على عاتق المدعي الذي يجب أن يثبت أن التحرش الجنسي قد حدث "بالفعل"، وهو الأمر الذي قد يكون صعباً في غالبية الأحيان.

وبالنظر إلى كون التحرش الجنسي مفهوماً "جديداً" إلى حد ما في القانون، وعدم صدور قانون رقم 205 إلا مؤخراً، فلا توجد حتى الآن نصوص للسوابق القضائية بحيث يمكن للقضاة والمحامين الاستناد إليها. ومن المحتمل أن يستغرق القانون عدة سنوات لتكوين سوابق قضائية كافية بشأن الأمثلة العملية للتحرش الجنسي في أماكن العمل وعواقبه القانونية.

ولذلك، يجب اعتماد استراتيجية شاملة لمكافحة التحرش الجنسي على النحو الواجب على أربعة جوانب في آن واحد: التشريعية والتنظيمية والاجتماعية والتعليمية.

الجانب التشريعي: من المهم تعميم حظر التحرش الجنسي في القوانين الأخرى، مثل قانون العمل. ولتخفيف عبء الإثبات أيضاً، يتعين إحاطة الضحايا علماً بكيفية توثيق الأدلة على التحرش الجنسي بأمان وبطريقة مقبولة قانوناً. ومن الضروري أيضاً زيادة الوعي وتوفير التدريب للقضاة والمحامين من أجل التنفيذ.

الجانب التنظيمي: يتعين على المؤسسات والشركات أن تنضم إلى تلك الجهود وأن تضع سياسات داخلية مصممة خصيصاً لذلك الغرض بما في ذلك أساليب حل المنازعات الداخلية، وآليات الإبلاغ، وإجراءات الشكاوى، والتحقيقات، والتدابير التأديبية المتناسبة. ويعد دور وزارة العمل حاسماً في تحفيز أرباب العمل لوضع هذه السياسات وإنفاذها. وينبغي لأماكن العمل أن تشارك في برامج التدريب والتوعية، مع اعتماد ثقافة "عدم التسامح" على الإطلاق والتشجيع على "التحدث بصراحة".

التعليم والمعايير الاجتماعية: الوعي والتثقيف أمران بالغا الأهمية، وينبغي أن يبدآ في سن مبكرة، مع بدء نشأة المفاهيم الخاصة بأدوار ومهام الجنسين ومفاهيم العيب والوصم بالعار. وينبغي تنشئة الفتيات والفتيان الصغار على النظرة الإيجابية للجسد، واحترام بعضهم بعضاً، وحماية حدود السلامة الشخصية. وينبغي تعليم الفتيات والفتيان إستراتيجيات صحية للمواجهة وتنمية القدرة على الدفاع عن أنفسهم.

يُعد خلق بيئات عمل خالية من التحرش الجنسي والعمل على استدامتها من المسائل التي يتعين النضال طويلاً من أجل تحقيقها، والتي سوف تحتاج إلى جهود مشتركة من العديد من أصحاب المصلحة في لبنان للخروج بنتائج إيجابية إزاءها. ويلتزم برنامج تمكين المرأة في المشرق التابع للبنك الدولي بمساعدة لبنان في نضاله في هذه القضية.

 


بقلم

ريا جبّور

محامية ومستشارة قانونية لبرنامج "تمكين المرأة" في المشرق التابع للبنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000