بداية هذا العام الدراسي الجديد كانت بحق متميزة. فقد جاءت بعد يومين من الجولة الأولى لثاني انتخابات رئاسية ديمقراطية تجرى في تونس منذ ثورة الياسمين عام 2011. وتتزامن الروزنامة السياسية مع بداية العام الدراسي الجديد، وهي واحدة من مناسبتين مهمتين في روزنامة السنة الدراسية، والمناسبة الأخرى هي موسم امتحانات نهاية العام.
وفي اجتماع عقد في 6 سبتمبر/أيلول مع السيد جيسكو هنتشيل المدير الإقليمي الجديد لدائرة المغرب العربي وجمهورية مالطا في البنك الدولي، أبلغنا وزير التربية حاتم بن سالم أن بداية العام الدراسي الجديد وقت مناسب لتعبئة واسعة النطاق لكل الفرق العاملة في وزارة التربية: "عملية لوجستية شاملة للتأكُّد من أن جميع المنشآت جاهزة، وأن المعلمين تم تعيينهم، والطلاب تم توزيعهم في الفصول الدراسية الصحيحة، وأن كل الجداول الزمنية متاحة، وهو أمر ضروري حتى يبدأ العام الجديد بدايةً سلسة." وفي كل عام تشهد تونس عودة أكثر قليلا من مليوني طالب، و120 ألف معلم، وآلاف من مديري المدارس وموظفين آخرين إلى المدارس. والمشكلات دائما واحدة لا تتغير: كيف يمكن تفادي المشكلات المفاجئة، والأهم من ذلك كيف ينبغي معالجتها في الوقت المناسب! ولكن هذا العام تنتظر كل العاملين الذين تمت تعبئتهم مشكلة أخرى، وهي أنه يجب عليهم إعادة تنظيم آلاف المدارس التي استخدمت كمراكز اقتراع. وهذا مثال رائع لتطبيق الديمقراطية على أرض الواقع في المدارس.
وأخْبرَنا الوزير حاتم بن سالم أيضا أن السمة الرئيسية الجديدة للعام الدراسي 2019 هي تسجيل طلاب التعليم الابتدائي عن بُعد عبر الإنترنت، وهو النظام الذي تم تطبيقه بالفعل العام السابق على كل طلاب التعليم الثانوي. وتستخلص الوزارة الدروس من خبرة العام الماضي. والآن، يمكن دفع مصروفات التسجيل عن طريق الهاتف الجوال مقابل مبلغ بسيط قدره أربعة دنانير. وتعكف الوزارة على تطبيق مبتكرات المدفوعات الإلكترونية واستخدام الخدمات الرقمية.
ومن المتوقع أن يشهد هذا العام الدراسي تغييرات أخرى، لأن وزارة التربية دخلت في شراكة مع وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي، ووزارة الاتصالات، ووزارة الشؤون الاجتماعية بشأن مشروع جديد تم الاتفاق عليه بين الجمهورية التونسية والبنك الدولي. ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق التحوُّل الرقمي للخدمات التي تُركِّز على المستخدم، وذلك بمساندة نهج استخدام الحكومة للتكنولوجيا. ومن المتوقع أن يساعد المشروع في تمويل رقمنة خدمات الإدارة التعليمية من أجل تسهيل إجراءات التسجيل بالمدارس، ومتابعة الطلاب/المدارس، وتحديد المتسربين من التعليم، وتحسين الموارد الرقمية من أجل النهوض بالتدريس والتعلُّم.
ومع أنه ينبغي الإشادة بكل هذه التغييرات، فإن الهدف الرئيسي للعام الدراسي يجب دائما ألا يغيب عن الأذهان: وهو السعي لتحقيق أفضل نواتج للتعلُّم، وفي الوقت ذاته تقديم تعليم أكثر إنصافا. ومن المؤسف أن البيانات التقديرية المستخدمة في حساب مؤشر رأس المال البشري أظهرت أن الشباب التونسي دون الثامنة عشرة من العمر يحصلون في المتوسط على 10.2 سنة من الدراسة، لكن عدد سنوات الدراسة المعدَّلة بحسب مقدار التعلُّم يبلغ 6.3 سنة فقط.1 وهذه تذكرة أخرى بأن الدراسة ليست مرادفا للتعلّم.
وفقا لمطبوعة البنك الدولي المعنونة "تقرير عن التنمية في العالم 2018: التعلُّم لتحقيق الدور المنتظر من التعليم، فإن الحلول موجودة بالفعل. وفي هذا الصدد، قال وزير التربية حاتم بن سالم: "ستُعطى الأولوية لبناء مهارات الأفراد، ولاسيما مهارات كل المعلمين الذين يتفاعلون بشكل وثيق مع الطلاب." ولذلك، تم اتخاذ خطوات منذ العام الماضي، كما يتضح في إنشاء المركز الوطني للتكوين CENAFOP، وهي المؤسسة المسؤولة عن وضع برامج كل أنشطة التدريب المتواصل. وسيتلقى المركز تمويلا كبيرا، لاسيما من مشروع تقوية أسس التعلُّم وهو ما يتيح لهذا المركز تنفيذ الأنشطة المقررة للسنوات القادمة.
ولا يفوتني أن أختم هذه المدونة بأن أتمنى لكل الطلاب الذين عادوا إلى المدارس في 17 سبتمبر/أيلول التوفيق والنجاح في دراساتهم!
انضم إلى النقاش