إذا كان للعالم أن يفي بالتزاماته الطموحة بشأن تغير المناخ وأن يتجنب الاحترار العالمي الكارثي، فإن المباني الخضراء والمدن المستدامة ستكون جزءاً مهماً من الحل. فالتقديرات تشير إلى أن قطاع البناء يشكل نحو 17% من انبعاثات غازات الدفيئة في دول مجلس التعاون الخليجي.
ويمكن أن يكون لاعتماد أفضل الممارسات في أساليب البناء أثر هائل على الاحترار العالمي، كما يمكن للمطورين إدخال تحسينات في اثنين من المجالات، وهما أعمال الإنشاءات في المراحل الأولية، والتشغيل في المراحل النهائية. ومن الممكن أن يؤدي استخدام واجهات خفيفة الوزن في الإنشاءات إلى الحد من الطاقة المطلوبة، وبالتالي الحد من الانبعاثات التي يتم إطلاقها والمرتبطة بصنع مواد البناء ونقلها إلى الموقع. ويمكن أن يؤدي التصميم المستدام أيضاً إلى الحد من آثار البناء على صحة الإنسان والبيئة. فعلى سبيل المثال، يمكن للمباني المعزولة جيداً أن تقلل تكاليف التدفئة في البلدان الأكثر برودة إلى أدنى حد وأن تقلل تكاليف التبريد في البلدان الأكثر دفئاً.
وزار فريق الإدارة بدائرة مجلس التعاون الخليجي بالبنك الدولي موقعاً يطبّق تلك الممارسات لمعرفة المزيد عنه، وهو المدينة المستدامة في دبي، التي شيدتها شركة داياموند ديفيلوبرز، وهي شركة عقارية خاصة تقود حركة البناء المستدام.
ومع روح الاستدامة المجتمعية القوية، قام المطورون ببناء مجتمع محلي يضم 500 وحدة في قلب دبي، ويشمل أيضاً مدرسة ومركزاً لإعادة تأهيل مرضى التوحد، فضلاً عن منشآت ترفيهية مثل مركز للفروسية.
وفي مدينة عادةً ما تشهد درجات حرارة تزيد على 40 درجة مئوية لمدة تتراوح بين أربعة وخمسة أشهر من السنة، يشكل المناخ تحدياً، حيث يجب أن يكون المطورون قادرين على تبريد الأماكن الداخلية. لكن المناخ في دبي يمثل أيضاً فرصة، حيث إنه ينطوي على إمكانية توليد كميات ضخمة من الطاقة الشمسية، ليس فقط لاستخدامها الخاص، بل أيضاً لتصديرها إلى الشبكة الموحدة.
وتوجد الألواح الشمسية تقريباً فوق أسطح جميع المباني وأماكن وقوف السيارات في المجمع السكني، مما يولد طاقة كافية لتلبية معظم احتياجات ذلك المجتمع المحلي. كما أن الواجهات المواجهة للجنوب مغلقة لحجب الشمس، في حين تقع النوافذ المعزولة جيداً على الواجهات الشمالية. وجميع الأسطح ذات لون فاتح لتعكس أشعة الشمس وتقلل من الأحمال على أجهزة تكييف الهواء.
ويمتد "العمود الفقري الأخضر" في وسط هذا المُجمع مما يوفر منطقة من النباتات الخضراء الوارفة؛ والأهم من ذلك، يوجد العديد من القباب التي تحوي نباتات وخضروات للاستهلاك المحلي. ويفيد فريق الإدارة بأن المشروع قادر على زراعة ما يصل إلى أربعة أطنان من الفراولة في منشأة واحدة للزراعة الرأسية يصل حجمها إلى حجم حاوية. كما يتم تشجيع السكان على زراعة غذائهم في مساحات من الأرض مجاورة لعقاراتهم باستخدام أساليب الزراعة العضوية.
بعدسة: داياموند ديفيلوبرز
ويحث هذا المجتمع المحلي السكان على المشي في مناطق مظللة (أكثر من 80% من مساحة المُجمّع السكني خالية من السيارات) وركوب الدراجات. وتمثل المشاركة في ركوب السيارات الكهربائية الطريقة الرئيسية للتنقل بالمركبات داخل المُجمع، ويختار عدد متزايد من السكان الاستفادة من نقاط الشحن في موقع السكن بشراء سيارات كهربائية. وقد تعمد المُطور استهداف الشركات المحلية بدلاً من المتاجر القائمة على حقوق الامتياز العالمية لشغل أماكن في سوقها المركزية، مما أدى إلى خلق فرص عمل للسكان وتشجيع المنتجات المحلية.
وتُعد شركة داياموند ديفيلوبرز للتطوير العقاري شركة مملوكة للقطاع الخاص مما يعني أنها تعتمد اعتماداً كاملاً على نموذج عقاري مُربح تجارياً يجب أن يكون له مفهوم تجاري سواء للشركة أو للمستخدمين النهائيين. ويبرهن المُجمع على أن كل ما هو طبيعي يراعي البيئة، مع عدم وجود مفاضلة متأصلة بين الممارسات المستدامة وبين ما هو مجزٍ من الناحية المالية.
وفي البنك الدولي، فإننا نشجع التنمية الحضرية التي تبني مدناً ومجتمعات محلية مستدامة من خلال عملية تمدين شاملة للجميع قادرة على الصمود ومنخفضة الانبعاثات الكربونية، منتجة ويمكن العيش فيها، وذلك من أجل المساهمة في تحقيق الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ويستثمر البنك الدولي في المتوسط ستة مليارات دولار كل عام في مشروعات تنمية المدن وفي قدرتها على الصمود.
ولهذا السبب كنا مهتمين بزيارة هذا الموقع للتعرف على أفضل الممارسات ميدانياً داخل مُجمع سكني خاص يمكن محاكاتها ليس فقط في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل في جميع أنحاء العالم.
وكانت النتائج مذهلة. ففي عام 2021، تجنب هذا المجتمع المحلي في دبي انبعاث أكثر من 8 آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون تعادل تقريباً رفع 853 سيارة من السير على الطرق لمدة عام. ويبلغ متوسط الاستهلاك اليومي للمياه 162 لتراً للفرد مقارنة بالمتوسط البالغ 278 لتراً في دبي. ويتم فرز وإعادة تدوير أكثر من 80% من النفايات المنزلية.
ومن خلال هذا الدليل المؤكد والماثل أمامنا على مفهوم المدن المستدامة، يَثبُت أن الحكومات يمكنها بالفعل اعتماد قوانين بناء أكثر صرامة ومراعاة للبيئة لتشجيع المواد المستدامة، وتحسين العزل، وكفاءة استخدام الطاقة. وقد اتخذت الإمارات العربية المتحدة خطوات في هذا الاتجاه، حيث استحدثت أبوظبي نظام تصنيف اللؤلؤ في عام 2010، وهو إطار للتصميم والبناء والتشغيل على أساس مستدام لجميع الإنشاءات الجديدة المصممة خصيصاً لتلائم المناخ الحار والبيئة القاحلة. وفي عام 2016، اعتمدت دبي نظام السعفات لتصنيف المباني الخضراء. ولا تُمنح التراخيص للمباني التي لا تستوفي الحد الأدنى وهو التصنيف البرونزي. غير أن التصنيفات الأعلى اختيارية في كل من النظامين، وتتباين المعايير في مختلف أنحاء البلاد. ولتحقيق انخفاض كبير في الانبعاثات في قطاع الإنشاءات، يمكن للحكومات والجهات التنظيمية تقديم حوافز لتشجيع المطورين وشركات البناء على اعتماد مواد ووسائل بناء منخفضة الانبعاثات الكربونية.
ويمكن للحكومات في جميع أنحاء العالم نشر هذه الممارسات من خلال روابط الشركات العاملة في صناعة البناء والتشييد بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى ذات الصلة. ومستقبلنا يعتمد بالفعل على هذا الأمر.
انضم إلى النقاش