إطلاق إمكانات أسواق الرساميل لتحقيق نمو مستدام: التطورات الإستراتيجية في المغرب

الصفحة متوفرة باللغة:
إطلاق إمكانات أسواق الرساميل لتحقيق نمو مستدام: التطورات الإستراتيجية في المغرب 1- الأفق في الدار البيضاء ، المغرب. (مصدر الصورة: رحيب أسامة، بيكسلز)

على مدى السنوات العشر الماضية، نجح المغرب في تحقيق تقدمٍ ملحوظٍ في تطوير أسواق الرساميل، حيث قام بتنفيذ إصلاحات لتحسين كفاءة هذه الأسواق ورفع مستوى قدرتها على الصمود، وجذب الاستثمارات، فضلاً عن استحداث أدوات مالية تستهدف إطلاق قنوات تمويل جديدة في مجال البنيات التحتية والمقاولات. واستناداً إلى الدعم المقدم من بعض المبادرات مثل صندوق التمويل المستدام للبرنامج المشترك لأسواق الرساميل التابع للبنك الدولي والممول من أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية في سويسرا، تسهم هذه الجهود في تحويل النظام المالي المغربي إلى منصة أكثر ديناميكية وشمولاً لتعزيز النمو الاقتصادي.

لقد تمكّن المغرب من ترسيخ مكانته كمركز تجاري ومالي إقليمي في قارة أفريقيا (القطب المالي للدار البيضاء)، كما أصبح وجهة مفضلة لاستضافة الفعاليات العالمية. ويمثل ذلك فرصة حقيقية لتسريع تطوير أسواق الرساميل، وتقوية البنيات التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب إنعاش السياحة وخلق فرص العمل.

وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المملكة، لا تزال هناك تحديات قائمة تحول دون توسيع نطاق سوق الرساميل لتمويل القطاعات ذات الأولوية، حيث تعتمد المؤسسات والمقاولات بشكل كبير على التمويل البنكي كما هو الحال في العديد من الاقتصادات الصاعدة.

الإصلاحات المالية ذات الأثر التحويلي: نهج شامل ومتكامل

لزيادة فرص الحصول على رأس المال وتعزيز تطور السوق، نفّذ المغرب إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحديث نظامه المالي، وكان منها قيام بورصة الدار البيضاء بتطوير بنية تحتية متكاملة للسوق، وهي في طور التوسع من خلال مؤسسة تقوم بأعمال الوساطة المالية لأنشطة التداول وسوق للمشتقات المالية يجري حالياً الانتهاء منها، مما يسهم في تحسين الكفاءة وإدارة المخاطر. وأسهمت الأدوات المالية الجديدة، ومن بينها صناديق الاستثمار العقاري، والصكوك، والسندات الخضراء، وسندات المشاريع، في توسيع خيارات التمويل المتاحة لمؤسسات ومقاولات القطاعين العام والخاص. ويعد تطبيق قانون سندات القرض المؤمنة خطوةً أخرى مهمة على طريق تعزيز التمويل الموجه للإسكان والجماعات الترابية. بالإضافة إلى ذلك، يبرز التمويل الجماعي كأداة لدعم صغار رواد الأعمال، في حين يساعد التوريق المُركَّب في توفير حلول إدارة المخاطر وزيادة السيولة للمؤسسات المالية.

دور صندوق التمويل المستدام في دعم أسواق الرساميل

أدى صندوق التمويل المستدام للبرنامج المشترك لأسواق الرساميل دوراً رئيسياً في دعم تطور سوق الرساميل في المغرب من خلال الإسهام في تعزيز الإطار التنظيمي وتشجيع بيئة استثمارية أكثر جاذبية وتمكيناً. وتبرِز العمليتان التاليتان المنجزتان مؤخراً الأثرَ الملموس للإصلاحات المدعومة:

  1. تفعيل دور أول صندوق للديون المورّقة في المغرب يركز على مشاريع البنيات التحتية بقيادة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب باستحداث إطار قانوني جديد يتيح لصناديق التوريق المحلية توفير التمويل من خلال القروض لمشاريع البنيات التحتية. ومن خلال توريق التدفقات النقدية المستقبلية، ساهمت المبادرة في تدبير أكثر من 400 مليون دولار، مما يبرز دور توريق الديون في جذب الرساميل الخاصة نحو تمويل مشاريع البنيات التحتية الطاقية واستكمال التمويل البنكي دون الحاجة إلى الاعتماد على الضمانات الحكومية.
  2. تحديث الإطار القانوني للاستثمار المباشر ومواءمته مع أفضل الممارسات الدولية، من خلال التعديل الأخير لقانون "هيئات التوظيف الجماعي في الرساميل". وقد أدى هذا الإصلاح إلى فتح الآفاق أمام تدفقات جديدة للاستثمار المباشر وصناديق الاستثمار ورأس المال المخاطر، حيث قامت مؤسسة التمويل الدولية  بأول استثمار مباشر لها في صندوق مغربي.

سد الفجوة: التصدي لقيود الطلب في السوق

يطرح المغرب حالياً مجموعة واسعة وشاملة من الأدوات المالية، لكن تطبيقها في السوق لا يزال متفاوتاً. فقد شهدت بعض الصناديق المبتكرة نمواً ملحوظاً، مثل صناديق الاستثمار العقاري وصناديق الاستثمارات الخاصة، بينما شهدت منتجات أخرى، مثل سندات المشاريع وصناديق الديون، إقبالاً محدوداً عليها. ولتحقيق الاستفادة القصوى من أسواق الرساميل في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية، يتعين التصدي للعديد من التحديات الأساسية التي نورد بعضاً منها أدناه.

  1. زيادة عدد المقاولات الصغيرة والمتوسطة الجاهزة للاستثمار. فعلى الرغم من الإصلاحات التي نُفذت، تواجه العديد من هذه المقاولات صعوبةً في الحصول على التمويل نتيجة لما تعانيه من نقاط ضعف هيكلية، ونقصٍ في الشفافية المالية، ناهيك عن عزوفها عن قبول الاستثمار المباشر فيها. وتتفاقم هذه التحديات في المغرب بسبب الهيكل الاقتصادي الذي يضم عدداً قليلاً نسبياً من المقاولات ذات الحجم الكافي وإمكانات النمو التي يمكنها جذب الاستثمارات. وسيكون تعزيز برامج التثقيف المالي وأنظمة الحوكمة ودعم جاهزية السوق والمقاولات للاستثمار ضرورةً لا غنى عنها لرفع مستوى مشاركة المقاولات الصغيرة والمتوسطة في أسواق الرساميل وزيادة إمكانية حصولها على التمويل غير البنكي.
  2. إعداد قائمة مدروسة وقوية من المشاريع الاستثمارية المؤهلة للتمويل البنكي. فعلى الرغم من أن المغرب قد وضع تشريعات شاملة لدعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، اتسمت وتيرة إعداد مجموعة مدروسة وقوية من المشاريع المؤهلة للتمويل المصرفي بالبطء. وكما هو الحال في اقتصادات صاعدة أخرى، يُعد الإعداد الفعال للمشاريع، وتحسين مستوى التنسيق بين أصحاب المصلحة، وإتاحة الخبرات الفنية المطلوبة، أمراً أساسياً لتحقيق الإمكانات الكاملة للشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومن شأن إنشاء صندوق معني بإعداد المشاريع لدعم دراسات الجدوى وهيكلة وتنظيم المعاملات أن يسهم في إعداد المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية في قطاعاتٍ رئيسية مثل النقل والطاقة والبنيات التحتية المستدامة.
  3. تنويع قاعدة المستثمرين. على الرغم من الدور الفعال للشركات العائلية والأثرياء، لا تزال مشاركة المستثمرين الأفراد محدودة. وتواجه المؤسسات الاستثمارية محدودية في العرض وعوائد منخفضة على الأصول التقليدية، حتى في الوقت الذي يحتاج فيه المغرب إلى استثمارات طويلة الأجل في مجالات البنيات التحتية والإسكان والمشاريع الإنتاجية. ويعدّ توسيع نطاق الإصدارات من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات المالية أمراً بالغ الأهمية لتحسين توجيه مدخرات المؤسسات نحو القطاعات الإنتاجية، بالإضافة إلى أهمية توحيد اللوائح التنظيمية المتعلقة بالاستثمار، وتدعيم الخبرات المالية، والشفافية في الحصول على الموافقات وإلغاء الاستثناءات والموافقات الخاصة.
  4. إنشاء وكالة محلية للتصنيف الائتماني. عدم وجود وكالة محلية للتصنيف الائتماني يؤدي إلى الحد من شفافية السوق، وتقويض القدرة على معرفة الأسعار وثقة المستثمرين. ومن شأن تأسيس هذه الوكالة أو استقطاب وكالة دولية إلى المغرب أن يسهم في تعزيز تقييم المخاطر، وتقوية مصداقية السوق، وجذب جهات الإصدار، بالإضافة إلى تحسين آليات تخصيص رأس المال.

استشراف المستقبل

للحفاظ على الزخم القائم، تعمل السلطات المغربية على وضع إستراتيجية شاملة لتطوير أسواق الرساميل بهدف تعميق الأسواق المالية وتحسين كفاءة تخصيص الأموال وتوجيهها نحو المقاولات المنتِجة ومشاريع مبتكرة وكثيفة رأس المال في البنية التحتية. ويمثل هذا العمل فرصة جوهرية للبناء على الإنجازات السابقة، وتعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة، وإطلاق الإمكانات الكاملة لأسواق الرساميل لمساندة الاستثمارات المنتجة وتعزيز النمو المستدام. ومن خلال تعزيز الأطر التنظيمية وتسريع الإصلاحات الرئيسية، يسعى المغرب لتكون أسواق الرساميل عاملاً محفزاً للاستثمار الطويل الأجل، وزيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وخلق الوظائف وفرص العمل، بالإضافة إلى تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود. وتؤكد مجموعة البنك الدولي استمرار التزامها بمساندة المغرب في تحقيق هذا الهدف.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000