وكمتذوق للكثير من أشكال فن الشارع- صدمني ذلك في البداية خلال زيارتي لليبيا حيث فوجئت بالعديد من السيارات وقد رشت أركانها بطلاء وبطريقة ينقصها الجمال- ليغطي أجزاء من اللوحات المعدنية المقصود بها في الأصل أن تكون مرئية بوضوح. وخلال مناقشة ذلك مع زملائي الليبيين، علمت أنه في ليبيا الجديدة الحرة، يعمد الناس إلى طمس كلمة "الجماهيرية" الممقوتة بما تحمله من تذكير لهم بنظام القذافي ورؤيته للحكم كما ورد في كتابه الأخضر. لكن ما لبثت اللوحات المعدنية (الصادرة مؤخرا) أن راحت تبرز اسم "ليبيا" بكل جرأة وبكل فخر بدون طمس أو تنميق بفعل التعبير الفني لهذا الشعب الذي استرد حريته أخيرا.
وزينت الكثير من الجدران في مختلف أنحاء المدينة بصور "الشهداء" التي تنطق بدرجات عالية من الفن. بل تم تعليق صور للشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 19 و20 عاما في جميع أنحاء المدينة إحياء لذكرى هؤلاء الشهداء، مع كتابة تواريخ ميلادهم ووفاتهم (في الأساس في عامي 2011 و 2012) – كدليل على صغر سنهم. البعض أرفقت معهم صور زوجاتهم وأطفالهم.
أما المثير منها، فكان تصوير الزعيم الراحل – بجسم نحلة أو جرذ، وقد تلقى لكمة في الوجه بيد تلبس قفازا، أو علق في شجرة وقيد فيها بحبل بينما تصاعد من أنفه الدخان كالتنين. وعلى جدار يواجه ميناء طرابلس الرائع المطل على البحر المتوسط بمياهه الزرقاء الصافية، خط الليبيون بحروف مرتجلة وسريعة عبارة "لقد فعلناها".
لكن ليست طرابلس وحدها هي التي تزهو شوارعها بالمواهب الأدبية والفنية. فقد شهدت بعثة قامت بزيارة القاهرة في يناير/كانون الثاني الكثير من الأدلة على قدرة المصريين على السخرية من قادتهم، في الماضي والحاضر، وبطرق عديدة ولغة قوية – لا يمكن ذكرها في مدونة مهذبة كهذه. لكن عدم معرفتي باللغة العربية حرمني يقينا من بعض هذه التعبيرات المصرية اللاذعة عن الحرية.
وفي تونس التي انطلق منها كل شيء- في وسط تونس العاصمة- يعلن المواطن على الجدران اعتزازه وفخره بأنه تونسي- ويقدم الشكر لشبكة فيسبوك لما لعبته من دور فيما بات يعرف "بثورة فيسبوك"- أولى ثورات عصر الإنترنت.
وتدوي من على جدار أخرى صرخة "تعيش الحرية Vive La Liberte"، وقد رسمت بزخات من الطلاء في قلب تونس- الحرية أخيرا.
وفي مواطن أخرى من العالم العربي، تسمع وترى أصواتا عربية، لكنها ليست أكثر ألوانا من شوارع وجدران وجوانب المباني الحكومية في العواصم العربية
.
انضم إلى النقاش