نشر في أصوات عربية

كيف سيحصل شباب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على فرص العمل؟

الصفحة متوفرة باللغة:
شارك في كتابة هذه المدونة كل من نبيلة عساف و بيتر ماكوناغي و سيمون بيل

هذه المدونة هي جزء من سلسلة أسبوعية نأمل في أن تقدم بعض الغذاء الفكري لتساؤلات مهمة يعرضها التقرير الرئيسي القادم عن الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

Imageتواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى العقد القادم تحديا يتمثل في خلق 40 مليون فرصة عمل لشبابها مع توقعات بدخول نحو 10.7 مليون شخص آخرين إلى قوة العمل. ومع وجود شخص واحد من كل خمسة أشخاص في الفئة العمرية 15-24 سنة، فإن المنطقة تحظى بإحدى أعلى معدلات الشباب في العالم. وتشير كارولاين فرويند، كبيرة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأن تكون الاستجابة بالتوظيف أعلى كثيرا من المستوى المتوسط من أجل تشغيل طالبي الوظائف حاليا ومستقبلا.

ويتطلع واضعو السياسات في المنطقة باطّراد إلى القطاع الخاص للتعامل مع تحدي التوظيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي كلمته التي ألقاها نيابة عن المحافظين العرب خلال الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في طوكيو، قال وزير الاقتصاد والمالية القطري يوسف كمال: "نرى أن القطاع الخاص هو القاطرة الرئيسية للنمو في المستقبل والعامل الأساسي لتفعيل إمكانات المنطقة من أجل خلق الوظائف بصورة قوية ومستدامة، وتحقيق الابتكار التكنولوجي، والتكامل الاقتصادي الإقليمي المطلوب بإلحاح في المنطقة." ولكن من أجل حدوث ذلك، تحتاج المنطقة لإعادة تهيئة وتجهيز بيئة الأعمال لديها.

ويدعو التقرير الرئيسي القادم عن الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى المزيد من التوظيف في القطاع الخاص. لكن ثمة عوامل عديدة تشكل تحديا في هذا الصدد وهي: أن العمالة في القطاع غير الرسمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  تشكل 67 في المائة من قوة العمل، أعلى من نظيرتها في مناطق أخرى متوسطة الدخل كأمريكا اللاتينية (61 في المائة) وأوروبا وآسيا الوسطى (40 في المائة). ويتجه الكثير من الباحثين عن عمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأحرى إلى القطاع العام الذي يتسم بتدني الإنتاجية لكنه يوفر ظروف عمل جذابة. ويفضل 55 في المائة من شباب المنطقة العمل في القطاع العام (انظر الشكل 1). أما فيما يتعلق بنوع جنس العمالة، فإن ثلاثا من بين كل أربع نساء بلغن سن العمل لا يشاركن في قوة العمل ويشكل هؤلاء ما يتراوح بين 80 إلى 90 في المائة من العاطلين في المنطقة. والنتيجة هي سوق عمل تتسم بوظائف متدنية الأجور من جانب وقوة عاملة مترهلة في القطاع العام على الجانب الآخر.

الشكل 1

نسب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 34 عاما ويفضلون العمل في القطاع العام في بلدان مختارة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 2010

Image

                 المصدر:البنك الدولي، استنادا إلى استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة غالوب العالمية، 2010.

وعلاوة على ذلك، أسفرت رأسمالية المحاباة (E)، التي ثبّطت في العديد من الحالات الضغوط التنافسية من قبل المصادر الدولية والمحلية، عن قطاع خاص هزيل مما نجم عنه سلة غير متنوعة من سلع ذات محتوى تكنولوجي متدن بشكل عام. ومن شأن توفير الظروف اللازمة لتوسّع شركات القطاع الخاص- لاسيما مؤسسات الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة- أن يساعد على معالجة انعدام المساواة والكفاءة في سوق العمل بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لكن القيود التي تواجه نمو القطاع الخاص كبيرة. وكمقياس لمدى توافر البيئة المواتية لأنشطة الأعمال، يتم فقط تأسيس 6.3 شركة كل عام لكل 100 شخص يبحث عن عمل في المنطقة، مقارنة بنحو 42 شركة في البلدان مرتفعة الدخل.  ويعد هذا من أقل معدلات إنشاء الشركات الجديدة في العالم. وطبقا للترتيب التصنيفي في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، أحرز العالم العربي مجتمعا درجة كلية تضاهي مرتبة الدولة الثامنة والتسعين.وعلى مؤشر الحقوق القانونية في الحصول على الائتمان، حلّت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المرتبة الأخيرة.  وبالمثل، فإن حصول مؤسسات الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة على التمويل يخضع لقيود صارمة. وقد أظهر استقصاء أجري مؤخرا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن القروض المقدمة لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة لا تشكل أكثر من 8 في المائة من إجمالي الإقراض في المنطقة، وأنها مكبّلة ببيئة تنظيمية غير متطورة، وهياكل مالية معيبة، وأنظمة مصرفية مركزية تكاد لاتنطوي على أي محفزات لإقراض مؤسسات الأعمال المتوسطة والصغيرة والصغرى.  ومن إجمالي الفجوة التمويلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتراوح من 320 إلى 390 مليار دولار، يتعلق 83 في المائة من فجوة التمويل هذه بمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الرسمية.

وفي المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشكل خلق الوظائف، وخاصة بالنسبة للشباب، أولوية اجتماعية واقتصادية عظمى بما ينطوي عليه ذلك من تأثير على الأمن القومي والاستقرار. وفي تقرير "التنمية في العالم عام 2011 عن الصراع والهشاشة والتنمية"،تبيّن أن انخفاض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، بالإضافة إلى البطالة، يشكلان محركات رئيسية للصراع- وهي حقيقة أكدتها أحداث الربيع العربي- بينما يمكن لخلق الوظائف أن يساهم في تحقيق الاستقرار وبناء الثقة. وتُؤكد ذلك الأمر بيانات الاستقصاء الواردة في تقرير التنمية في العالم. وعند السؤال عن سبب التحاق الشباب بجموعات متمردة أو عصابات، أشارت الغالبية العظمى ممن استُطلعت آراؤهم بأن البطالة هي السبب الرئيسي. وأكد التقرير على ضرورة المسارعة بتنفيذ مشروعات معنية بخلق الوظائف في القطاع الخاص خلال فترة التعافي، "خاصة إذا كان خلق وظائف ومصادر للدخل سيستمر لما بعد الأشغال الطارئة قصيرة الأجل والممولة من قبل المانحين." وربما تتطلب مثل هذه المشروعات المبكرة تصميما خاصا وتركيزا مختلفا، لاسيما في أوضاع تضعف فيها ثقة أنشطة الأعمال ويتسبب تعطل الأسواق وانعدام الأمن بتقويض أنشطة القطاع الخاص.

الطريق إلى الأمام

يجب أن يشمل الطريق إلى الأمام مناخا مؤاتيا للاستثمار يشجع على المنافسة والابتكار.  وهناك حاجة ملحة للاستثمار في الابتكار وتهيئة بيئة صالحة للأعمال- من المهارات والتدريب والتمويل والخدمات المساندة والاتصالات الخارجية للشركات كي تنمو وتزدهر.  ويمكن أن يتم ذلك من خلال تعزيز الخدمات الحاضنة لأنشطة الأعمال، وتوفير التدريب على المهارات المطلوبة وتغذية مؤسسات الأعمال الصغيرة بالتكنولوجيا ذات القيمة المضافة والصناعات المبتكرة. وبالنسبة للبيئة الإيجابية لأنشطة الأعمال، تحتاج الجهات المنوط بها وضع اللوائح أيضا لتبسيط إجراءات تأسيس الشركات، وتسجيل الملكية، واستصدار التراخيص، وإنفاذ العقود وتوظيف العمالة.

يتمتع الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمستويات مرتفعة نسبيا من التعليم، ومن ثم ينبغي أن تُسفر البرامج الرامية إلى سدّ الفجوة بين العمالة المتوفرة والطلب على الصناعات ذات القيمة المضافة عن تحقيق نتائج هائلة. وبالطبع، لا تنمو أي أعمال بدون تمويل. وهذا يعني وجود مستثمرين معنيين بتمويل مؤسسات الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة التي تنمو سريعا وذلك من خلال التمويل بالمشاركة والمشاركة في رأس المال التأسيسي، ورأس المال المُخاطر. كما يعني ذلك أيضا الاستثمار في البنية المالية الأساسية كأنظمة ضمان الائتمان، ومكاتب المعلومات الائتمانية، وتحسين المنافسة وكفاءة البنوك، ووضع إستراتيجيات الاشتمال المالي التي تستهدف بوضوح قطاع مؤسسات الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة.

هذه قائمة طويلة لكنها مُمكنة التحقيق. وكلها ملحة وعاجلة. كما أنها مفتاح رئيسي لتفعيل إمكانات وقدرات الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.


بقلم

بيتر ماكوناغي

محلل متخصص في القطاع المالي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000