بينما يستمر العالم في التصدي لأزمة الغذاء، علينا أن نتذكر أن هذه المشكلة لم تظهر بين عشية وضحاها . فقد تسارعت وتيرة الحرب في أوكرانيا وحفزت على زيادة الاهتمام بالأزمة، لكن مشكلة أسعار المواد الغذائية والجوع العالمي كانت آخذة بالفعل في التصاعد حتى قبل اندلاع الحرب. وكان تغير المناخ، على سبيل المثال لا الحصر، محركا رئيسيا لتفاقم هذه الاتجاهات. ومن المفارقات أنه على الرغم من أن إنتاج الغذاء العالمي تضاعف بواقع أربعة أمثاله تقريبا بين عامي 1961 و2020 وزاد بنسبة 50% بين عامي 2000 و2020، فإن عدد الأفراد الذين يعانون الجوع أصبح أكبر من أي وقت مضى.
إن تسوية الوضع الذي نواجهه اليوم تتطلب تركيزا أكثر حدة من أي وقت مضى على إحداث تحول في أنظمتنا الغذائية لجعلها أكثر استدامة مع تغذية عدد متزايد من سكان العالم. فمن شأن وجود نظام غذائي جيد التوجيه أن يساعد في بناء رأس المال البشري، واخراج المجتمعات المحلية من براثن الفقر، وتحسين القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ . وبدلا من ذلك، فإن نظامنا الغذائي العالمي يولد ما يقدر بنحو 12 تريليون دولار من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الخفية كل عام - بما في ذلك كونه مصدرا لنحو 1/3 انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم. كما أنه يدفع خيارات المستهلكين نحو الأطعمة غير الصحية من خلال الحفاظ على أسعار المواد الغذائية الصحية مرتفعة للغاية.
ويتيح المنتدى العالمي للأغذية والزراعة لعام 2023 الذي سيعقد في برلين، وهو أحد أكبر التجمعات لوزراء وخبراء الزراعة من جميع أنحاء العالم، فرصة ممتازة لمناقشة الخيارات وتبادل الخبرات والاتفاق على إجراءات منسقة لجعل التحوّل في النظام الغذائي حقيقة واقعة.
ومن بين التحولات الرئيسية التي يتعين علينا القيام بها استخدام المساندة الزراعية. فعلى الصعيد العالمي، تتجاوز المساندة المقدمة للزراعة والغذاء 700 مليار دولار سنويا. وعلى الرغم من الحاجة إلى هذه المساندة، فإن الكثير منها ضعيف الاستهداف - لا يحصل المزارعون إلا على 35 سنتا من كل دولار، وكثيرا ما تشجع المساندة ممارسات الإنتاج التي لا يمكن الاستمرار في تحملها.
وهناك خيارات أمام الحكومات لإعادة توجيه المساندة الزراعية الحالية - التي تستخدم في الغالب لدعم الأسعار، ودعم المستلزمات، والمدفوعات المباشرة للمنتجين - واستخدامها بدلا من ذلك في تنفيذ سياسات صديقة للبيئة وتحفيز المزارعين على تبني ممارسات زراعية مراعية للمناخ. ويمكن أيضا استخدام التمويل العام للمساعدة في الحد من مخاطر استثمارات القطاع الخاص التي تستوفي معايير اجتماعية وبيئية أعلى. ويمكن أيضا استخدام المساندة لتحفيز التكنولوجيات الجديدة المبشرة بالفعل، مثل إضافات أعلاف الماشية التي تحد من غازات الدفيئة، أو أساليب إنتاج الأرز التي تقلل من انبعاثات الميثان.
ومن شأن اعتماد سياسات ملائمة أن يحد من تشوهات الأسعار، ويعزز نمو الإنتاجية المستدام والقادرة على الصمود، ويعزز سلاسل القيمة. وسيعمل هذا بدوره على تحسين الأمن الغذائي والتغذية، وتعزيز دخول المزارعين، وتأمين أفضل قيمة مقابل المال في البرامج العامة.
وثمة تحد آخر يتمثل في أن النظام الغذائي العالمي شديد التعقيد والتجزؤ. وعلى الرغم من الزيادات الكبيرة في الناتج، فإن النظام يفتقر إلى الكفاءة والهدر، حيث تتواجد الوفرة والجوع جنبا إلى جنب. وفي صميم هذه الإخفاقات، هناك نقص في إمكانية الحصول على المعلومات بين المزارعين وداخل الأسواق، حيث تشجع الأنظمة غير المرنة على ارتفاع تكاليف المعاملات.
ومن شأن تحسين استخدام البيانات والتكنولوجيا الرقمية أن يساعد في ربط مزارع العالم البالغ عددها 570 مليون مزرعة بنحو 8 مليارات مستهلك. ويمكن للزراعة الرقمية المدفوعة بالبيانات أن تساعد في تحسين غلة المحاصيل، والحد من الهدر، وخفض التكاليف، وخفض التلوث، وكلها عوامل تسهم كثيرا في الحد من عدم المساواة والجوع في العالم .
لكن لا يوجد حل واحد يناسب الجميع. فلكل بلد مجموعة من التحديات الخاصة به ويحتاج إلى تحديد الخيارات والإستراتيجيات لتحقيق نتائجه المرجوة. ويتطلب إحداث تحول في الأنظمة الغذائية في نهاية المطاف لتحقيق نواتج إنمائية أفضل إجراء تحليل محلي خاص بكل بلد على حدة – مدعوما بالحوار بين أصحاب المصلحة المتعددين لإدراج جميع الأصوات في عملية وضع السياسات.
وفي إطار برنامجنا للأنظمة الغذائية 2030، يساند البنك الدولي البلدان المعنية لإحداث تحول في أنظمتها الغذائية بهدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030. ويتم تمويل هذا البرنامج بمساندة من ألمانيا والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية ومؤسسة بيل ومليندا جيتس. ونعمل مع 25 بلدا، ونبحث عن نقاط دخول خاصة بكل بلد لإعادة توجيه السياسات والمساندة الزراعية، وخلق نماذج عمل لتحفيز تمويل القطاع الخاص، وتشجيع الزراعة المراعية للمناخ، وتطبيق الابتكارات الرقمية، والإستراتيجيات لجعل الأنظمة الغذائية السليمة المغذية ميسورة التكلفة.
وتقف مجموعة البنك الدولي والعديد من شركائها على أهبة الاستعداد للعمل مع الحكومات والشركاء من خلال تبادل المعارف بشأن السياسات والاستثمارات التي تعمل على إحداث تحول في النظام الغذائي العالمي. ويمكن أن يكون المنتدى العالمي مكانا للعاملين في مجال الغذاء والزراعة لتبادل الخبرات المثبتة في جهودنا الرامية إلى تحقيق المكاسب الثلاثية لتحويل الأنظمة الغذائية: صحة الناس والبيئة والاقتصادات.
انضم إلى النقاش