إننا نخصص هذه المدونة لإحياء ذكرى زميلينا جيرين بيهاري وريبيكا رودس اللذين حظيا ببالغ الحب والتقدير. وعلى الرغم من أننا فقدناهما، فسيظل سعيهما الدؤوب الذي كان يملؤه التفاؤل من أجل تعلم الأطفال مصدر إلهام لنا جميعاً.
التعلم الأساسي يعني تماماً ما يوحي به، أي أسس تعليم الأطفال. وهو يشير إلى المهارات الأساسية للإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والمهارات التي يمكن نقلها للآخرين، وهي اللبنات الأساسية لعملية تعلم تستمر مدى الحياة. ولأننا لا يمكن أن نبني بيتاً من دون أسس قوية، لا يمكننا أن نتوقع من طفل أن يزدهر من دون مهارات أساسية قوية. وعلى الرغم من ذلك، فإن أسس التعلم هذه ليست قوية اليوم بما فيه الكفاية في معظم أنحاء بلدان العالم النامية.
والحقيقة أن أزمة التعلم ليست ناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؛ إذ لم يكن لهذه الجائحة من تأثير سوى تفاقم الوضع القائم. وقبل تفشي فيروس كورونا، كان 53% من الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يعيشون في حالة من فقر التعلم، أي أنهم كانوا غير قادرين على قراءة نص بسيط وفهمه وهم في سن العاشرة. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، كانت هذه النسبة أقرب إلى 90%. وعندما يأتي الوقت الذي تنتهي فيه هذه الجائحة، من الأرجح أن يرتفع فقر التعلم بنسبة 10% على الأقل إذ سيكون لإغلاق المدارس، وفقدان ساعات التعلم، وزيادة معدلات التسرب تداعيات سلبية. ويجعل هذا الأمر الوعد الوارد في الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة بتوفير تعليم جيد للجميع يزداد بعداً عن متناول أيدينا. غير أنه ثمة أملا في أنه لا يزال بإمكاننا تغيير هذا الاتجاه.
إننا نقترب من نهاية عام بالغ الصعوبة على التعليم وعلى مستقبل أطفال العالم. ومن شأن القرارات التي اتخذت في هذا العام، والأولويات التي نلتزم بها على نحو جماعي على جميع المستويات على مدار السنوات المقبلة أن تحدث تغييراً في حياة الأطفال وأن تقضي على فقر التعلم. وفي مايو/أيار الماضي، أقر قادة مجموعة الدول السبع إعلان تعليم الفتيات لضمان عودة جميع الأطفال، وتحديداً الفتيات، بأمان إلى المدارس والتعلم. في يوليو/تموز، تمكنت القمة العالمية للتعليم من تعبئة 4 مليارات دولار، وهو مبلغ قياسي، في شكل مساعدات دولية لعمليات التنمية، وذكّرتنا بالأهمية بالغة للموارد المحلية التي تشكل الجزء الأكبر من تمويل قطاع التعليم. وفي الوقت الحالي، يجري العمل لضمان تحقيق نتيجة قوية من أجل التعليم في المفاوضات الخاصة بتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق البنك الدولي المعني بمساعدة أشد بلدان العالم فقراً. وفي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته السادسة والعشرين في هذا الأسبوع، ستسلط المملكة المتحدة الضوء على الخطر الواضح والقائم الذي تشكله أزمة تغير المناخ اليوم على تعلم الأطفال في جميع أنحاء العالم في ظل الأحوال المناخية بالغة الشدة التي تعطل عملية تعليم نحو 40 مليون طفل سنوياً.
ولهذه القرارات أهميتها لأن الأطفال في العديد من الأماكن حول العالم مازالوا لا يحصلون على التعليم الأساسي. لذلك، ففي خضم القمم والمفاوضات، تختار مؤسساتنا الاتحاد من أجل تحقيق هدف واحد بالغ الأهمية يتمثل في ضمان اكتساب جميع الأطفال المهارات الأساسية اللازمة لإطلاق تقدم متسارع نحو تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة.
التركيز على النتيجة
إننا ندرك اتساع نطاق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، الذي يمتد من التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة إلى التعليم الأساسي، ويستمر مدى حياة الفرد، ونساند هذا الهدف. ولكن من دون مهارات أساسية قوية، من المرجح أن تتسرب الفتيات من التعليم في مرحلة مبكرة، ومن ثم، يُحرمن من فرصة التمتع بالفوائد الصحية والاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل التي تتحقق بفضل تعليم جيد وشامل.
ويُعد هذا الأمر السبب في أنه من الضروري الاستثمار مبكراً في بناء هذه المهارات الأساسية، لا سيما لدى الأطفال المهمشين، وهو يفسر أيضاً سبب قيام مؤسساتنا بتوسيع نطاق جهودها في هذا المجال. وقد أعطى قادة مجموعة السبع دفعة إضافية لهذا العمل عندما اجتمعوا من أجل تبني هدفين جديدين وطموحين من الأهداف الرئيسية التي تندرج تحت الهدف الرابع للتصدي للفجوة الهائلة في المهارات الأساسية لدى الأطفال. ويرصد مقياس فقر التعلم بالغ الأهمية أيضاً كلتا النتيجتين المتمثلتين في الوصول والتعلم.
الواقع أن المهارات الأساسية هي لبنة البناء بالغة الأهمية في عملية اكتساب المعارف والخبرات من خلال التقدم عبر المراحل المختلفة من نظام التعليم. لذلك، فإننا نعتقد أنه من الضروري أن نجعل هذا الهدف بالغ الأهمية نصب أعيننا، وأن نوحد صفوفنا من أجل مكافحة فقر التعلم على وجه التحديد بسبب الفرص الأكبر التي سيتيحها القضاء عليه.
استعمال بيانات ما ثبتت جدواه
يتطلب حجم أزمة التعلم التي نواجهها استجابات جريئة تتوزع على نطاق واسع وبوتيرة سريعة. ويمكن لاستعمال بيانات الإجراءات التي ثبتت جدواها في التعليم - التي يتم تعديلها لتناسب السياق الحالي - مساعدتنا في زيادة وتيرة الاستجابة.
على سبيل المثال، لتوجيه مشورتنا بشأن السياسات والدعم التشغيلي للبلدان، يناقش تقرير أصدره البنك الدولي مؤخراً بعنوان "تحقيق مستقبل التعلم" الإجراءات الأساسية المتعلقة بالسياسات اللازمة لزيادة وتيرة التعلم التي تميز الطريقة التي تعمل بها العديد من الأنظمة الناجحة. ويمكن لكل بلد رسم مساره الخاص مع التزام سياسي بتنفيذ استثمارات وإصلاحات تركز على خمس ركائز مترابطة لنظام تعليمي يعمل على نحو جيد هي: الدارسون، والمعلمون، ومصادر التعلم، والمدارس، وإدارة النظام.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتصدر لغة التدريس مناقشات سياسات التعليم، لأن الشواهد تُظهر أن تلقي الأطفال التعليم بلغة يستخدمونها ويفهمونها في المنزل من شأنه أن يدعم تنمية المهارات الأساسية. وتخبرنا الشواهد أيضاً أن مقابلة الأطفال حيث يوجدون ووضع المناهج الدراسية وتحديد أسلوب التدريس وفقاً لمستوى معرفتهم هي طريقة فعالة لتحسين نتائج التعلم الأساسي. وتكون مشاركة الآباء على القدر نفسه من الأهمية لأن الآباء/مقدمي الرعاية الذين يتم إشراكهم يطالبون بتعليم جيد ويدعمون بنشاط التعلم الأساسي لدى الأطفال في المنازل وفي المدارس.
من جانبها، قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، استناداً إلى سنوات من الخبرة في التعلم الأساسي والتعلم عن بعد، بتطوير موارد وإرشادات مفيدة للحكومات، مثل إطار عمل القراءة Reading MATTERS (الموجهون والإداريون والمعلمون، والنصوص، والممارسة الإضافية، والتقييم المنتظم، والمعايير) ومجموعة أدوات تصميم استراتيجية شاملة للتعلم عن بعد، وهي استجابة على مستوى الحكومة بالكامل لمواجهة توقف عملية التعلم في أثناء جائحة كورونا. ويُعد برنامج EQUIP-Tanzania الذي تموله وزارة الخارجية والتنمية البريطانية مثالاً لبرنامج مستدام واسع النطاق كان له تأثير ملموس على عملية التعلم، الذي تم تحقيقه عن طريق تدعيم الهياكل القائمة وإنشاء منصات للمعلمين لتحسين أدائهم بطريقة تتسم باللامركزية والاستمرارية.
ولحسن الحظ، من خلال عمل مبادرات مثل الهيئة الاستشارية العالمية لشواهد التعليم Global Education Evidence Advisory Panel التي أنشأتها وزارة الخارجية والتنمية البريطانية والبنك الدولي، يمكننا الاسترشاد بالشواهد بطريقة فعالة من حيث التكلفة. وينصب التركيز الرئيسي على ضمان تحويل الشواهد إلى موارد لدعم التطبيق العملي مثل قائمة تعليم المهارات الأساسية للإلمام بالقراءة والكتابة والحساب التي تصدر قريباً عن منظمة اليونيسف ومعمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر، ومعهد مثلث البحوث الدولي، وأدلة علم التدريس الصادرة عن مؤسسة غيتس، وأكاديمية المهارات الأساسية للإلمام بالقراءة والكتابة والحساب التابعة لمنظمة اليونيسف. وبغية تحقيق تأثير على المدى الطويل، يجب دمج كل هذه الآليات مع الإجراءات التي تقودها البلدان واستخدام نهج "الاختبار والتكيف والقياس"، مثلما يكون من خلال مركز What Works Hub التابع لوزارة الخارجية والتنمية البريطانية لدعم الابتكار بقيادة محلية.
الالتزام السياسي
على الرغم من ذلك، فإن التحدي المتمثل في توجيه جهودنا الجماعية في التعليم نحو هذه الإصلاحات لا يتجاوز كونه تحدياً تقنياً إلى حد ما. وتدرك مؤسساتنا أن قوة الالتزام السياسي له القدر نفسه من أهمية تنسيق الدعم، إن لم يكن أكثر أهمية منه. ويمكن لجهود القيادات للقيادة السياسية بشأن التعلم الأساسي تغيير الحوار على الصعيدين العالمي والوطني. ومن الأمثلة الجيدة على هذا الالتزام القوي مجموعة البلدان التي انضمت إلى "برنامج تسريع الأعمال" الذي يقوده البنك الدولي، ويشارك فيه أيضاً، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومنظمة اليونيسف، ووزارة الخارجية والتنمية البريطانية. وتأخذ هذه البلدان زمام المبادرة في التعهد بمراقبة التعلم، ووضع أهداف وطنية، وتقوية المساءلة عن النتائج، وتنفيذ حزمة من التدخلات التي يمكن أن توجه مسار التعلم على المدى القصير. وهي على استعداد للالتزام السياسي والتقني والإداري من أجل إحداث فرق، اليوم وليس غداً.
في هذا السياق، تريد كل من وزارة الخارجية والتنمية البريطانية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومنظمة اليونيسف، والبنك الدولي، بالتحالف مع شركائنا، ضمان أن يظل التعلم الأساسي أولوية سياسية على الأصعدة العالمية والإقليمية والوطنية. ومع تعافي أنظمة التعليم من جائحة فيروس كورونا، ستعمل جهود الإصلاح المضاعفة الآن على وضع الأسس لإحراز تقدم متسارع في السنوات بالغة الأهمية المقبلة، مما يضمن للأطفال في جميع أنحاء العالم التعلم في مرحلة مبكرة، وتعلم المزيد، ومواصلة التعلم.
انضم إلى النقاش