تُعتبر فترة المراهقة، وهي الفترة بين مرحلتي الطفولة والبلوغ، فرصة يجب على كل شخص اغتنامها في حياته، حيث تمثل وقت التغيير الجسدي والعاطفي والاجتماعي العميق الذي يشهد بداية تبلور مسارات الحياة. وهي أيضاً الفترة التي يتم خلالها اتخاذ المسار نحو النجاح والتمكين أو نحو المعاناة والمخاطر. ويمكن للتجارب والخيارات وأنظمة المساندة أن تحدد شكل المستقبل.
ولسوء الحظ، وبالنسبة للعديد من المراهقين، لا سيما الفتيات، فهذه هي أيضاً الفترة التي يتعرضن فيها للعنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة التي يمكن أن تكون لها عواقب مدى الحياة. وبالمثل، تعتبر المراهقة فترة محورية بالنسبة للفتيان، حيث يواجهون أيضاً ضغوطاً يمكن أن تضع الأساس للسلوكيات الضارة، أو كسر دورات العنف وبناء مستقبل أكثر إنصافاً إذا كانت هناك إجراءات تدخلية صحيحة.
على الصعيد العالمي، يُعد نطاق العنف ضد الأطفال والمراهقين صادماً، حيث يتعرض ما يُقدر بنحو مليار طفل - ما يقرب من نصف الأطفال على مستوى العالم - لشكلٍ من أشكال العنف كل عام. وتُعد المخاطر واضحة بين المراهقات، لا سيما في البلدان النامية، حيث يواجهن مواطن ضعف متفاقمة في أغلب الأحيان.
وفي أفريقيا، توجد 38% من الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً غير ملتحقات بالدراسة ولا بالعمل، مقارنة بنسبة 17% من الفتيان في نفس الفئة العمرية. وتعاني العديد من هؤلاء الفتيات من الزواج المبكر وحمل المراهقات والأعراف الاجتماعية المتحيزة التي تحد من فرصهن الاقتصادية. وفي جنوب آسيا، يقلل زواج الأطفال بشكل كبير من النواتج التعليمية والصحية للفتيات، مما يحصر حياتهن داخل دورات من الفقر والضعف والمعاناة.
ولا يتوقف العنف ضد الفتيات المراهقات عند هذا الحد، بل إن عواقبه تنتقل عبر الأجيال. فالفتيات اللواتي يتعرضن للعنف في سن الطفولة يصبحن أكثر عرضة لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي في سن البلوغ، مما يديم دورات الصدمة وعدم المساواة والفقر. وهذا النوع من العنف لا يؤذي الأفراد فحسب، بل إنه يؤدي إلى تفكيك الأسر، وزعزعة استقرار المجتمعات المحلية، وفرض تكاليف باهظة على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم والعدالة الجنائية. وتقدر التكلفة العالمية لإساءة معاملة الأطفال وحدها بنحو 7 تريليونات دولار سنوياً.
ما الذي يمكن عمله لتأمين مستقبل أكثر إشراقاً للمراهقين؟ هناك نُهُج أثبتت جدواها في إحداث فرق حقيقي في التصدي للعنف ضد المراهقين، لا سيما الفتيات. وكان البنك الدولي في طليعة المساندين للبرامج والمبادرات التي تركز على تمكين الفتيات والتصدي للعنف.
أحد هذه البرامج يتمثل في مبادرة الفتيات المراهقات للتعلم والتمكين في نيجيريا. ويحقق هذا المشروع نتائج ملموسة من خلال معالجة الدوافع الرئيسية للعنف، بما في ذلك التسرب من التعليم والزواج المبكر والعنف القائم على النوع الاجتماعي. ومن خلال توفير المنح الدراسية والأماكن الآمنة والبرامج المجتمعية، زادت هذه المبادرة من معدلات التحاق الفتيات بالمدارس الثانوية من 900 ألفٍ إلى أكثر من 1.6 مليوناً في سبع ولايات في نيجيريا. ومن خلال عمل المبادرة على استبقاء الفتيات في المدارس، فإنها لا تؤخر زواجهن فحسب، بل تسلحهن أيضاً بالمعرفة والمهارات اللازمة لمقاومة العنف ومناصرة القضايا الخاصة بهن.
ويعد مشروع الساحل لتمكين المرأة والعائد الديموغرافي، الذي يجري تنفيذه في سبعة بلدان في منطقة غرب أفريقيا، مثالاً آخر. وقام هذا المشروع بإنشاء 3,400 مكاناً آمناً للمراهقين غير الملتحقين بالمدارس، وتوفير التدريب على المهارات الحياتية والوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي. كما قام المشروع بتدريب 24 ألفاً من الأزواج والمقبلين على الزواج على مشاركة الرجال في المهام المنزلية ومحاربة الأعراف المتعلقة بدور المرأة في المجتمع. ومن خلال التعامل مع الفتيات المعرضات للخطر وتدريب الرجال الذين يشاركون في إطالة أمد الممارسات الضارة، تعمل هذه المبادرة على كسر حلقة العنف في مجتمعاتهم المحلية.
هذه البرامج تثبت أن التصدي للعنف ضد الفتيات يتطلب نُهُجاً شاملة ومتعددة القطاعات، وهذا يعني زيادة الاستثمارات في مجالات التعليم وخدمات الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية للشباب. كما أنها تدعو إلى تعزيز القوى العاملة المخصصة للخدمة الاجتماعية لتقديم خدمات الدعم والإحالات. ويجب أن تتجاوز هذه البرامج مجرد معالجة أعراض العنف؛ بل يجب أن تستهدف الأسباب الجذرية من خلال تمكين الفتيات، وتغيير الأعراف الضارة، وإشراك المجتمعات المحلية بفتياتها وفتيانها. وتقع هذه الأهداف في صلب إستراتيجية مجموعة البنك الدولي الجديدة للمساواة بين الجنسين للسنوات 2024-2030.
وفي الوقت الذي يجتمع فيه قادة العالم وممثلون من 118 دولة والعشرات من منظمات المجتمع المدني في المؤتمر الوزاري العالمي حول القضاء على العنف ضد الأطفال (7-8 نوفمبر/تشرين الثاني)، هناك حاجة ملحة للالتزام باتخاذ إجراءات ملموسة. وتشمل هذه الإجراءات تمويلَ البرامج التي تعمل على الوقاية من العنف ضد المراهقين، وضمان إدراج اعتبارات المساواة بين الجنسين في السياسات الاقتصادية، وإعطاء الأولوية للبيانات المصنفة حسب نوع الجنس والشواهد والأدلة التي يسوقها التقييم فيما يتعلق بالأسباب المؤدية إلى العنف، وما ينتج عنه من عواقب، وما يتطلبه من حلول.
لقد رأينا ما ينجح على أرض الواقع ويحدث فرقاً ملموساً، مثل مبادرة الفتيات المراهقات للتعلم والتمكين في نيجيريا ومشروع الساحل لتمكين المرأة والعائد الديموغرافي، غير أن هناك الكثير مما ينبغي عمله. وعن طريق توسيع نطاق النُهُج التي أثبتت جدواها وتقديم ارتباطات جريئة وذات أثر تحويلي للاستثمار في الفتيات والفتيان المراهقين، يمكننا كسر حلقة العنف ضدهم وبناء مجتمعات أقوى وأكثر ازدهاراً. ولا يعد الاستثمار في المراهقين الخيار الصحيح الذي يجب تنفيذه فحسب، بل هو ضرورة لتحقيق استقرار البلدان وازدهارها في جميع أنحاء العالم في المستقبل.
لقد حان وقت العمل الآن!
انضم إلى النقاش