لكن في كل عام، تتحطم أحلام كثيرة في مختلف بلدان العالم: فأكثر من خمسة ملايين من الأمهات والأطفال يموتون لأسباب يمكن الوقاية منها. وعلى الصعيد العالمي، يعاني قرابة ربع الأطفال دون الخامسة من العمر من سوء التغذية، ونحو 260 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس.
وفي عصرنا هذا الذي يشهد تطوُّر التكنولوجيا بخطى سريعة، ويزداد الطلب على المهارات المعرفية المُعقَّدة ونُهُج حل المشكلات، تدق هذه الأزمة جرس إنذار لنا جميعا.
وفي عالمٍ لايزال نصف سكانه محرومين من الخدمات الصحية الأساسية، نشعر بحاجة ملحة إلى زيادة التمويل للرعاية الصحية وتحسين نوعيته، لاسيما في البلدان النامية التي تشتد فيها الاحتياجات إلى الرعاية الصحية والتغذية.
ولهذا، أطلقنا صندوق التمويل العالمي بُغية مساندة مبادرة كل امرأة وكل طفل في عام 2015 بالتعاون مع الأمم المتحدة وكندا والنرويج وشركاء آخرين.
ويعمل الصندوق مع البلدان لإحداث تحسُّن جوهري في الطريقة التي تستثمر بها البلدان في صحة مواطنيها، وذلك من خلال ثلاث طرق:
- تساعد الحكومات على بناء رؤية واحدة وخطة واحدة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية والتغذية للنساء والأطفال والمراهقين- وهم أكثر من تخلَّفوا عن اللحاق بالركب. وتضم الخطة مجموعة متنوعة من الشركاء، منهم المجتمع المدني، وخبراء الصحة، وجهات شريكة ثنائية ومتعددة الأطراف، والقطاع الخاص، وكثيرون غيرهم. وتُركِّز الخطة على المجالات الأكثر تأثيرا مثل تنظيم الأسرة، والتغذية، وصحة الأمهات وحديثي الولادة.
- ثم يعمل الصندوق مع البلدان لتعبئة وتنسيق التمويل للخطة – بالجمع بين المزيد من الموارد المحلية، والتمويل الثنائي، والتمويل المقدم من البنك الدولي، والقطاع الخاص- وفي الوقت نفسه زيادة كفاءة الاستثمارات وتأثيرها. ويركز الصندوق على سد الفجوات لضمان حصول النساء والأطفال على الخدمات الصحية الأساسية التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة والازدهار. وهذا النهج يُركِّز على تحقيق النتائج، لضمان أن تدر الأموال المستثمرة عائدا قويا على الاستثمار نقوم بقياسه من حيث مساهمته في إنقاذ الأرواح وتحسين المستويات المعيشية.
- يستكشف الصندوق أيضا سبلا مبتكرة لتعبئة وزيادة التمويل على الأمد الطويل حتى تتمكن البلدان من بناء أنظمة للرعاية الصحية الأولية والحفاظ عليها. وتشتمل آليات التمويل المبتكرة هذه على تقديم قروض منخفضة الفائدة، وحزم التمويل عندما يتم استثمار الأموال في الرعاية الصحية والتغذية. وحتى الآن، جرى الربط بين تمويل بقيمة 482 مليون دولار من الصندوق الاستئماني التابع لصندوق التمويل العالمي وتمويل قيمته 3.4 مليار دولار من البنك الدولي، وهو ما ساعد على بدء تحقيق نتائج صحية وتغذوية. ويتعاون الصندوق أيضا مع القطاع الخاص لتحقيق نتائج أفضل على وجه السرعة لاسيما في البيئات الهشة.
على سبيل المثال، في شمال شرق نيجيريا، حيث يدور صراع منذ وقت طويل، ويفتقر السكان إلى الخدمات الصحية الأساسية، تساعد شراكة صندوق التمويل العالمي على إعادة إنشاء خدمات الرعاية الصحية والتغذية للأمهات وحديثي الولادة، والأطفال. ومن خلال ربط التمويل بتحقيق النتائج، تُحقِّق الحكومات المحلية تقدما سريعا، ومن ذلك زيادة حالات الولادة التي تتم بمساعدة قابلات من معدل تغطية يُقدَّر بنسبة 5% إلى 40%.
وعلى غرار نيجيريا، تعمل الكاميرون مع الصندوق لزيادة استثماراته في الصحة والتغذية. وزادت الكاميرون مخصصات ميزانيتها للرعاية الصحية للمستويات الأولية والثانوية من مستوى أساسي قدره 8% في 2017 إلى 20% بحلول عام 2020، وهو ما يؤدي إلى تحقيق تقدم كبير. وتتزايد أعداد زيارات مراكز تنظيم الأسرة، وتحصل الكثير من النساء على الرعاية السابقة للولادة.
وفي إندونيسيا، يساند البنك الدولي الجهود المثيرة للإعجاب التي تبذلها الحكومة لإحداث خفض جذري لحالات الإصابة بالتقزم، واستخدام نهج مجتمعي يعتمد على مرشدين مجتمعيين في تقديم خدمات الرعاية الصحية والتغذية والمياه والصرف الصحي والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة للأمهات والأطفال. وفي إطار خطة الرعاية الصحية، قدَّم الصندوق منحة لبحث جودة التنفيذ والنتائج لهذا البرنامج، ومن ذلك تحديد الاستثمارات ذات الأولوية القصوى، وتحسين التنسيق، ودراسة توسيع نطاق استخدام التكنولوجيا المُغيّرة، ومساندة تمويل الإصلاحات الرامية إلى تحسين مستويات الكفاءة والشفافية.
وفي البنك الدولي، أطلقنا في الآونة الأخيرة، مؤشر رأس المال البشري الذي يساعد على تغيير النقاش الدائر بشأن رأس المال البشري وتسريع وتيرة الاستثمارات في البشر. وإننا ننظر إ لى منصات مثل صندوق التمويل العالمي باعتبارها أدوات ضرورية لمساعدة البلدان على زيادة الاستثمار كما وكيفا في مواطنيها.
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني، سيشارك البنك الدولي في استضافة اجتماع تجديد موارد صندوق التمويل العالمي في أوسلو بالاشتراك مع حكومتي النرويج وبوركينا فاصو ومؤسسة بيل وميليندا غيتس. ويشكل هذا الاجتماع حدثا مهما من شأنه تمكين الصندوق من توسيع أنشطته من 27 بلدا إلى ما يصل إلى 50 بلدا لديها أشد الاحتياجات إلى الرعاية الصحية والتغذية. وقد يساهم هذا في إنقاذ أرواح ما يصل إلى 85 مليونا بحلول عام 2030.
لم يبق لدينا وقت لنضيعه. فهناك ملايين الأطفال يشبون دون أن يحصلوا على مستويات كافية من التغذية والرعاية الصحية، ومازالت الأمهات يتعرضن للموت بسبب الحمل والمضاعفات المرتبطة بالولادة.
انضم إلى النقاش