هل تذكرون المثل الشائع "الزبون دائماً على حق"؟ هذا الشعار الذي يرفعه عدد من أشهر متاجر التجزئة (مثل مارشال فيلد) إنما يجعل من رضا الزبون المستهلك مقياساً للقيمة. أما في جوهره فإنه يتعلق أساساً بالإنصات إلى العميل—وهو الشخص الأخير الذي يمثل الغاية النهائية لخط تجارة التجزئة.
ونحن نرى اليوم أنشطة الأعمال تنشئ وسائل أكثر تطوراً للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في استقصاء المعلومات التقييمية من عملائها. وهذا يفرض السؤال – إذا كان بمقدور أنشطة الأعمال أن تفعل ذلك، فلماذا لا نحاول أن نفعل مثلما يفعلون فيما يتعلق بالتنمية – مستعينين في ذلك بالتكنولوجيا الحديثة؟
لقد رأيت بنفسي الدليل على أن بمقدورنا أن نفعل ذلك. في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمقر البنك الدولي، كنا نصفق لما فعلته فرق في بنغلاديش والبرازيل وكمبوديا والهند، عندما استخدموا مزيجاً من التكنولوجيا الحديثة والتنمية من أجل تعزيز النتائج.
كانت تلك الفرق تركز على كيفية تحسين أثر المشروعات التي يمولها البنك الدولي على حياة الناس من خلال سؤال أولئك المواطنين بانتظام عن رأيهم فيما يتلقونه من خدمات. الأمر في نهاية المطاف يتعلق بتمكين المواطنين – أولئك الذين يقفون على الجانب الآخر من عملية إيصال المساعدات الإنمائية.
ولم يكن هذا في حد ذاته بالفكرة الجديدة – فنحو 22% من مشروعات البنك تشتمل على شيء من مشاركة المواطنين؛ والمجتمع المدني والمؤسسات وبعض الحكومات تعمل أيضاً منذ سنوات عديدة على استطلاع آراء من يتأثرون بالمشروعات من خلال "بطاقات الدرجات" وإشراك المجتمعات المحلية. لكنه برهن بشكل قاطع على أن ما تمتلكه التكنولوجيا من قوة قد بدأ يلاحق أعظم طموحاتنا ويتماشى معها!
لقد وجدت تلك الفرق سبلاً جديدة ومبتكرة للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تسجيل النتائج، وتصنيفها، وإعادتها كتغذية رجعية إلى البنك والحكومات حتى يتسنى إصلاح المشكلات والاستمرار في تحسين الخدمات.
فعلى سبيل المثال، تسمح ولاية ريو غراندي دو سول البرازيلية لنحو 120 ألف مواطن بإبداء مقترحاتهم والتصويت عليها من خلال شبكة الإنترنت أو الهاتف من أجل إيجاد حلول جديدة للسياسات الحكومية بما يؤدي إلى تقديم خدمات صحية جديدة للنساء. وزادت نسبة المشاركة بنحو 60 في المائة. وهناك مشروع للبنك الدولي في بنغلاديش يسأل 135 مليون مواطن عن آرائهم، بحيث تستطيع الحكومة معالجة المظالم والشكاوى وتحسين الخدمات.
وفي كمبوديا، نحن نساند الحكومات المحلية في تلبية احتياجات المواطنين بشكل أفضل من خلال مراكز خدمة معينة تكفل استطلاع الآراء والحوار مع السلطات المحلية بالمناطق والأحياء. ويسمح مشروع كارناتاكا لصحة الأمومة والطفولة في الهند لموظفي البنك الدولي بالحصول على القياسات والإحصاءات الصحية الهامة وعلى آراء المواطنين بشكل فوري في حينها من الحوامل الأميات عبر جهاز يُحمل باليد. وبعدها يتم تجميع هذه البيانات على لوحة متكاملة بحيث يمكن لموظفي البنك أن ينتبهوا فوراً في حال التوقف عن تقديم الخدمة، وذلك كي يتفادوا الفشل ويستطيعوا التحكم في المخاطر.
من هنا نعرف أنه شيء من الممكن تحقيقه. وكانت الخطوة التالية تتمثل في الربط بين هؤلاء المبتكرين من خبراء البنك وبين أساتذة الجامعات، وممثلي المجتمع المدني، والمؤسسات التي تحاول مثلنا منذ سنوات طويلة مواجهة هذه المشكلات، وكذلك المجتمع التكنولوجي الفياض بالحيوية الراغب في الاستفادة من هذه التكنولوجيا في حل أصعب مشكلات العالم، هذا فضلاً عن الحكومات والقطاع الخاص. وكانت النتيجة – عقد مؤتمر أصوات المواطنين.
ما نعرفه:
- أن مشاركة المواطنين أمر بالغ الأهمية للانفتاح الحكومي وفعالية التنمية، والارتقاء بنوعية عملية صنع القرار و"علم" تقديم الخدمات مع تحسين المساءلة الاجتماعية.لكن ذلك ليس ترياقاً أو علاجاً سحرياً – فلابد أيضا من وجود حكومة ملتزمة وميالة إلى الاستجابة. فغالباً ما يكون النقاش أقل بشأن كيفية تصميم وتنفيذ العمليات التشاركية التي تؤتي ثمارها المرجوة. ونحن نعرف أن إشراك المواطنين يمثل قوة دافعة وراء التحسن في أداء خدمات المياه والصرف الصحي في كينيا. فخلال السنتين الأوليين من المشروع التجريبي الرائد، تقدمت فئات المجتمع المحلي بما يتجاوز في مجموعه 400 شكوى أمكن حل 97% منها بنجاح، بعدما كان بعضها معلقاً في انتظار الحل من أكثر من 3 سنوات. وإجمالاً، يمكن القول بأن المشروع فتح آفاقاً جديدة فيما يتعلق بإشراك المجتمع المحلي.
- أن المشاركة في وضع الموازنة وتنفيذها والابتكارات الجديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحقق نجاحاً في بناء الشفافية وتعزيز المساءلة وتجاوز التاريخ الطويل من انعدام الثقة في إقليم جنوب كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ما يلزمنا عمله وتعلمه:
- أن الوقت قد حان لتحويل ما تراكم من ثروة من خبرات ومعارف الكثيرين إلى عمل ملموس فيما يتعلق بإشراك المواطنين المؤدي إلى نتائج إنمائية أكثر فعالية.
- أننا في حاجة إلى شراكات راسخة فيما بين الحكومات، والمجتمعات المحلية، والمؤسسات، والقطاع الخاص من أجل الارتقاء بأنظمة استطلاع آراء المواطنين التي تحركها النتائج، مدعومة بأدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على المستويين العالمي والقطري.
- أننا بحاجة إلى أن نتعلم من الآخرين – فالقطاع الخاص لديه خبرة خاصة "باستطلاع آراء الزبائن" وسوف أترأس إحدى الجلسات بهذا الشأن في مؤتمر "أصوات المواطنين" (E) .
- أننا سنستمع إلى ما ستقوله المنظمة الدولية لصحة المياه بشأن نموذج أعمال اشتمالي تلقى تمويلاً من مؤسسة التمويل الدولية، وهي الذراع المعنية بتمويل القطاع الخاص في مجموعة البنك الدولي. وهذه المنظمة تعمل على توفير إمدادات مستدامة من مياه الشرب الصالحة لنحو ملياري شخص من ذوي الدخل المنخفض للغاية الذين يفتقرون، إلا قليلاً، إلى القدرة على الوصول إلى مصدر مضمون لمياه الشرب المأمونة بسعر ميسور. وباستخدام تكنولوجيا مبتكرة لتنقية المياه بتكلفة بسيطة باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، تقوم المنظمة بتشغيل أكثر من 500 محطة لتنقية المياه في بنغلاديش، وغانا، وليبيريا، والهند، والفلبين.
- ومن الأمثلة الأخرى استقصاء لآراء مزارعي البن من ذوي الحيازات الصغيرة الباحثين عن مشتر منصف للبن في نياكاراغوا، وهو استقصاء تم إجراؤه بتمويل من مؤسسة التمويل الدولية. وقد أظهرت تلك الدراسة بوضوح كيف يمكن لآراء المزارعين أن تؤدي إلى تحسن الإنتاجية والربحية من خلال التحديد الدقيق لأفضليات المزارعين التي كانت فيما مضى أمراً لا يوضع في الاعتبار. كما حددت الدراسة فرصاً جديدة لتقديم الخدمة. كل ذلك بفضل الإنصات إلى المزارعين.
وليس مؤتمر أصوات المواطنين (E) سوى بداية تحرك البنك الدولي نحو تعميم استطلاع آراء المواطنين ليشمل مشروعاتنا كلها.
انضم إلى النقاش