نشر في أصوات

دراسة تأثير التجارة على أسواق العمل المجزأة حسب نوع الجنس في تونس

الصفحة متوفرة باللغة:
Zaina trained over 20 women in handicraft work. She also makes furniture item thanks to palm tree by-products. | © Arne Hoel / World Bank Zaina trained over 20 women in handicraft work. She also makes furniture item thanks to palm tree by-products. | © Arne Hoel / World Bank

بالرغم من الجهود المبذولة لتعزيز المساواة بين الجنسين في القوى العاملة، فإن التحيزات والأعراف الاجتماعية والتفضيلات الفردية يمكن أن تقف حائلاً أمام تنقل الإناث بسهولة عبر قطاعات الاقتصاد . ويمكن أن يؤدي ذلك إلى قيام العمال من الذكور والإناث بمهام مختلفة والحصول على أجور مختلفة، حتى في البلدان التي ترتفع فيها مستويات المساواة بين الجنسين. ويمكن للصدمات الاقتصادية، مثل الصدمات التجارية، أن تزيد من تفاقم هذه الأنماط المتباينة حسب نوع الجنس، لا سيما في أسواق العمل المحلية التي ترتفع فيها مستويات التجزئة بين الجنسين.

ويُعد تأثير تحرير التجارة على المساواة بين الجنسين في العمل أمرًا معقدًا، كما أنه يتفاوت تبعًا لطبيعة تلك الصدمات ووضع العمالة المحلية. وأدى تحرير التجارة في العديد من البلدان النامية إلى التحول نحو الصناعات والمهام الأكثر كثافة في استخدام النساء، مما زاد من مستويات المساواة بين الجنسين في القوى العاملة. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي المنافسة الخارجية المتزايدة أيضًا إلى إزاحة العمال الذكور بشكل مؤقت، مما يؤدي إلى انخفاض دخل الأسر وإلى انضمام المزيد من النساء إلى قوة العمل بسبب ما يطلق عليه "أثر العامل الإضافي." ومن المثير للاهتمام أن زيادة الصادرات يمكن أن يكون لها تأثير عكسي، بحيث تضعف مشاركة المرأة في سوق العمل. ويرتبط هذا التأثير بالسياق الذي يحدث فيه، كما أنه يعتمد على طبيعة الصدمات.

نموذج لدراسة الصدمات على نواتج العمل المتباينة حسب نوع الجنس.

في تقريرنا الصادر تحت عنوان "أسواق العمل المجزأة حسب نوع الجنس وصدمات التجارة"، نقوم بدراسة العلاقة بين التجارة وأسواق العمل المجزأة حسب نوع الجنس. ويستند نموذجنا إلى عالم يضم العديد من البلدان، ولكل منها أسر تعظم المنفعة باختيار الاستهلاك الأمثل والمعروض من العمالة من الذكور أو الإناث. ومن جانبنا ندرك أن الأعراف الاجتماعية يمكن أن تحدد أنواع المهام المقبولة لدى كل جنس. ولتبسيط نموذجنا، نقترح اقتصادًا يتألف من قطاعين فقط: قطاع كثيف الاستخدام للذكور ينتج نوعا من السلع، وآخر كثيف الاستخدام للإناث ينتج سلعة مختلفة.

ونقدم في هذا النموذج عنصر التجارة الدولية، على افتراض وجود أسواق حرة ومفتوحة لهذين المُنتَجَين. ومن البديهي أن الزيادة الكبيرة بما فيه الكفاية في الطلب الأجنبي على السلعة كثيفة الاستخدام للذكور ستؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة بالنسبة للذكور مقارنة بالإناث، والعكس صحيح. وتبعًا لذلك، فإن الأسر تستجيب بزيادة المعروض من العمالة من الذكور أو الإناث.

تختلف تنبؤات نموذجنا النظرية المتعلقة بالعمل عن نموذج هيكشر-أولين القياسي. وفي نموذجنا المتباين حسب نوع الجنس، فإن حدوث صدمة إيجابية لقطاع كثيف الاستخدام للذكور من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض إجمالي نسبة عمل الإناث إلى الذكور، وأن يؤدي نظريًا إلى خفض أجور النساء مقارنة بالرجال.

ومن أجل اختبار نظريتنا، لجأنا إلى استخدام تونس كبلد يمثل حالة شهدتْ صدمات تجارية دولية تركزت في الصناعات كثيفة الاستخدام للذكور وسوق عمل مجزأة حسب نوع الجنس إلى حد كبير. فبعض القطاعات، مثل المنسوجات، تشكل كثافة الإناث أكثر من 70% من القوى العاملة، في حين أن قطاعات أخرى، مثل التعدين، لا تشكل الإناث فيها سوى أقل من 10%.

والأمر المهم هو أنه في الفترة الزمنية التي يغطيها التحليل، كانت هناك علاقة سلبية بين نمو الصادرات والنسبة الأولية لمشاركة الإناث في التشغيل. فقطاع صناعة المنسوجات، على سبيل المثال، وهو القطاع الذي يتمتع بأكبر نسبة من عمالة الإناث، شهد نموًا سلبيًا في الصادرات خلال الفترة من عام 2006 حتى عام 2016.

وعلى العكس من ذلك، فإن القطاعات التي ترتفع فيها نسبة العمالة من الذكور كانت لها، في المتوسط، مساهمة إيجابية في نمو الصادرات. وفي سياق النموذج الخاص بنا، يشير هذا التحليل المبدئي إلى أن تونس واجهت على الأرجح طلبًا أجنبيًا متزايدًا على السلع كثيفة الاستخدام للذكور بدلاً من السلع كثيفة الاستخدام للإناث.

الصورة

العلاقة بين المساهمة في نمو الصادرات والكثافة الأولية للعمالة النسائية حسب الصناعة في تونس

يمكن أن يؤدي التجزؤ بين الجنسين في أسواق العمل إلى خفض مشاركة المرأة في القوى العاملة حتى عندما تزداد الصادرات.

تؤكد الدراسة التي أجريناها أنه في هذه الحالة، أدت زيادة صادرات الصناعات كثيفة الاستخدام للذكور إلى انخفاض نسبة تشغيل الإناث إلى الذكور. وأدت زيادة الصادرات بمليار دولار إلى انخفاض متوسط قدره 6.8 نقطة مئوية في معدل تشغيل الإناث إلى الذكور؛ مع انخفاض تشغيل الإناث بمقدار 7903 وظيفة وزيادة في تشغيل الذكور بمقدار 2418 وظيفة (بالرغم من أن مُعامل الإناث فقط له دلالة إحصائية).

ووفقًا للفرضية التي يعمل بها النموذج الخاص بنا، فربما تكون الأسر قد استبدلت عرض العمالة من الذكور بالإناث، مما أدى إلى تحسين أعداد العمالة من الإناث والذكور في سوق العمل المجزأ حسب نوع الجنس. وجاء معظم التباين في تشغيل الإناث في أعقاب صدمات الطلب الأجنبي من العاملات المتزوجات؛ ففي المتوسط، أدت زيادة الصادرات بمليار دولار إلى انخفاض عدد الوظائف بين العاملات المتزوجات بمقدار 4605 وظيفة و2501 وظيفة بين العاملات غير المتزوجات.

ويتسق هذا مع قيام الأفراد بتحسين توزيع المهام فيما بين أفراد الأسرة، كما يتسق أيضاً مع فرضيتنا الرئيسية.

يجب على واضعي السياسات أن يدركوا أن سياسات التجارة والتنمية على مستوى القطاعات يمكن أن تؤثر على مختلف الفئات، بما في ذلك الرجال مقابل النساء، بشكل مختلف.

تشير النتائج التي خلصنا إليها إلى أن صدمات الطلب الأجنبي، بما في ذلك تلك الناجمة عن السياسات التجارية، يمكن أن تؤثر على الرجال والنساء بشكل مختلف، تبعًا للقطاعات المتأثرة. وفي تونس، البلد الذي توجد به درجة عالية من التجزؤ بين الجنسين في أسواق العمل، كانت صدمات الطلب الأجنبي أكبر نسبيًا في القطاعات كثيفة الاستخدام للذكور، الأمر الذي أدى إلى انخفاض نسبة تشغيل الإناث إلى الذكور .

إن تأثير التجارة على أسواق العمل المحلية يرتبط بالسياق (الزماني والمكاني على حد سواء) كما أن المؤسسات المحلية تقوم بدور الوسيط المهيئ لهذا التأثير. ويمكن أن يؤدي تجزؤ أسواق العمل حسب نوع الجنس إلى إضعاف قدرة زيادة الصادرات على تحسين المساواة بين الجنسين. ويجب أن يكون واضعو السياسات على دراية بذلك وأن يشجعوا على إحداث تغييرات في الأعراف والمؤسسات التي تتسبب في هذا التجزؤ على المستوى المحلي في أسواق العمل . وللسياسات التي تشجع المساواة بين الجنسين فوائدها المباشرة، ويمكن أن تساعد في الحفاظ على التقدم المحرز في مجال المساواة بين الجنسين عندما تؤدي التحولات الاقتصادية، ومنها التحولات في التجارة، إلى تغييرٍ في الاقتصاد المحلي.


بقلم

كارلوس غويس

خبير في الاقتصاد المكاني، جامعة كاليفورنيا، سان دييجو

غلاديس لوبيز-أسيفيدو

كبيرة الخبراء الاقتصاديين ومديرة البرامج بقطاع الممارسات العالمية للفقر والإنصاف بالبنك الدولي

ريموند روبرتسون

أستاذ كرسي هيلين وروي ريو في علم الاقتصاد والحكومات

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000