نشر في أصوات

تمكين المجتمعات المحلية الزراعية من إدارة التنوُّع البيولوجي في نيبال

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English | Español
Image
ثريا وسراسواتي أديكاري في مزرعتهما ذات التنوُّع البيولوجي في نيبال.
تصوير: المؤسسة الدولية للتنوُّع البيولوجي/جيه. زوكر

تقع قرية بيغناس الجبلية في الهيمالايا في واد غني بمظاهر التنوُّع البيولوجي الزراعي. وتتراوح ارتفاعات الأراضي في القرية من 600 متر إلى 1400 متر فوق سطح البحر، في مشهد يضم مزيجا من الأراضي الرطبة، والغابات، ومدرجات حقول الأرز، والمراعي. وتوجد بحيرتان للمياه العذبة، هما بحيرة روبا وبحيرة بيغناس، توفران مياه الري، وموائل مهمة للحياة البرية، والمساندة لأنشطة المزارع السمكية الصغيرة.

قُمتُ في الآونة الأخيرة بزيارة أحد مواقع مشروع المؤسسة الدولية للتنوُّع البيولوجي في بيغناس حيث التقيت بزوجين يشتغلان بالزراعة هما ثريا وسراسواتي أديكاري. وأطلعاني بفخر على مزرعتهما التي تتسم بالتنوع البيولوجي، وأشارا إلى بعض من أنواع النباتات المائة والخمسين التي يزرعانها، وأوضحا أن لكل منها استخداما مُعيَّنا. وشاهدتُ الخضراوات، والأرز، والقرع، والبقوليات التي يزرعانها ليأكلا منها ويبيعا إنتاجها، ورأيتُ الأشجار التي تنتج الفاكهة، والعلف، وخشب الوقود، والكثير من الأعشاب التي تستخدم في الأغراض الطبية والثقافية.

ولم تكن هذه الأراضي دوما على هذه الدرجة من الخصوبة. وكانت تضاريس الأراضي صعبة على الزراعة ومشبَّعة بالمياه. وبفضل العمل الجاد، ومزيج من المعارف التقليدية والعلمية بشأن كيفية استخدام التنوُّع البيولوجي الزراعي من أجل الإنتاج المستدام، تحوَّلت الأراضي ببطء إلى مشروع مربح ومنتج.

وما أثار إعجابي هو معرفتهما الواسعة بمختلف الأنواع والسلالات التي يزرعانها، وكيفية استخدام التنوُّع البيولوجي الزراعي في تعزيز نظام غذائي صحي ومنتج. وعلى سبيل المثال، فإنهما يزرعان شجيرات مثل الأدهاتودا، التي يمكن استخدام أوراقها كسماد أخضر لتخصيب الأراضي، وأشجار الفاكهة مثل القرفة المعروف أنها تجتذب الطيور. وتنشر الطيور بذور الأشجار البرية فتساعد على إكساب المزرعة المزيد من التنوع البيولوجي والقدرة على المجابهة.

ولا شك، أن النظام الغذائي يتجاوز حدود مزرعة وحيدة. وتٌشكِّل ثريا وسراسواتي أيضا جزءا من نهج أكبر للإدارة المجتمعية للتنوع البيولوجي في وادي بيغناس. ويضع هذا إدارة الأراضي والتنوع البيولوجي في أيدي مَنْ يعتمدون عليها.

وبمساندة من بلدية ليكناث تضافرت جهود المجتمعات المحلية مع مختلف الجهات صاحبة المصلحة ومنها التعاونيات ولجان التنمية والجمعيات النسائية لتبنِّي ممارسات مستدامة هدفها إيقاف تآكل التربة وزيادة الإنتاجية.

وتشتمل الأنشطة على الحراك الجماعي لإعادة زرع الغابات، وتنويع استخدامات الأراضي، وتربية النحل، والحراجة الزراعية، وإنتاج المحاصيل العضوية. وساندت جهود إصلاح البحيرات، وتنويع استخدامات الأراضي الحفاظ على التنوُّع الوراثي للمحاصيل، بما في ذلك النباتات الأصلية والمحاصيل البرية القريبة التي أصبحت موائلها الطبيعية الآن محمية.

ويُدرِك هذا النوع من نهج "الإدارة المجتمعية للتنوُّع البيولوجي" الصلة الجوهرية بين التنوُع البيولوجي الزراعي والناس والغذاء والبيئة. وهو يُمكِّن المجتمعات المحلية من إصلاح بيئتها الطبيعية وإدارتها على نحو مستدام من أجل تلبية احتياجاتها.

وعلى مدى العشرة أعوام إلى الخمسة عشر عاما الماضية، تم اختبار هذا النهج في الإدارة، وشهد المزيد من التنقيح أو التعديل في نيبال وفي أنحاء العالم من خلال تنفيذ مشروع عالمي للحفاظ على الحياة البرية داخل المزارع تقوده المؤسسة الدولية للتنوع البيولوجي.

وتتبنَّى 15 مقاطعة الآن أيضا هذا النهج، مع توسيع نطاق تطبيق هذا النهج في نيبال وأماكن أخرى في الهند وإندونيسيا. والنبأ الطيب هو أنه يمكن العثور في مختلف أنحاء العالم على أمثلة مماثلة لمجتمعات محلية تدير مواردها من الأراضي والتنوُّع البيولوجي الزراعي من أجل التنمية المستدامة. ويتطلَّب النجاح المساندة على مستوى الحكومات المحلية، ورؤية مشتركة، وشبكة قوية من أصحاب المصلحة الذين يسترشدون بمُنظَّمة واسعة النطاق تُقدِّم المشورة الإستراتيجية والفنية.

ويتمثل محور التركيز الرئيسي لليوم الدولي للتنوُّع البيولوجي هذا العام في جعل التنوُّع البيولوجي في صلب الأنشطة الرئيسية، ومن ثم تحقيق التنمية المستدامة للناس وسبل كسب أرزاقهم. وتدهور الأراضي والنمو السكاني وتغيُّر المناخ هي بعض التحديات التي تؤثِّر على مزارعين من أمثال ثريا وسراسواتي أديكاري في مختلف أنحاء العالم. والتنوُّع البيولوجي هو أحد الأدوات الرئيسية في إطار الموارد الذي يمكن للمزارعين استخدامه للتغلُّب على هذه التحديات.

بيد أن التنوُّع البيولوجي في خطر.  وتشير تقديرات دراسة نشرت في الآونة الأخيرة لمؤسسة كيو لحدائق النباتات (Kew Garden) تحت عنوان حالة النباتات في العالم إلى أنه من المعروف أن 5500 نوع من النباتات تُستخدَم في إطعام البشر.  وخلص تقرير مؤسسة كيو أيضا إلى أن واحدا من كل خمسة نباتات في العالم مهددة بخطر الانقراض. ومن المفارقات أن الزراعة نفسها مسؤولة عن بعض هذا الخطر بسبب أنماط إنتاج الغذاء واستهلاكه التي تُركِّز على مجموعة ضيقة نسبيا من المحاصيل والحيوانات.

ودمج التنوُّع البيولوجي الزراعي في المزارع المنتجة والقادرة على مجابهة تغير المناخ التي توفِّر أطعمة ذات قيمة غذائية وتدر دخلا قد يحقِّق منافع لمزارعي اليوم والمستهلكين والبيئة على السواء، ويحفظ في الوقت نفسه هذا المورد الثمين للأجيال القادمة.

وقد تيسَّرت أعمال المؤسسة الدولية للتنوع البيولوجي في نيبال بفضل المساندة الحيوية لشركائنا في التنفيذ، ولاسيما المبادرات المحلية للتنوع البيولوجي والبحوث والتنمية (LI-BIRD).

والمؤسسة الدولية للتنوع البيولوجي عضو في كونسورتيوم المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، وهي شراكة عالمية من أجل مستقبل ينعم بالأمن الغذائي. ويسهم البنك الدولي في صندوق المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، ويتولَّى إدارته.


بقلم

M. Ann Tutwiler

Director General, Bioversity International

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000