نشر في أصوات

تمويل التنمية الذكية

الصفحة متوفرة باللغة:
تمويل التنمية الذكية

نود في هذه المدونة أن نضع الأمور في نصابها، نظراً لحجم الفهم غير الصحيح وغير الدقيق لكيفية قياس مجموعة البنك الدولي للتنمية الذكية وكيفية ربطها بتغير المناخ - بما في ذلك ما تضمنته أحدث مدونة لمركز التنمية العالمية. 

إن التنمية تقع في صميم رؤية مجموعة البنك الدولي لإنهاء الفقر على كوكب صالح للعيش. واليوم، لا يزال 44% من سكان العالم يعانون من الفقر، حيث يعيش نحو 700 مليون شخص في فقر مدقع على أقل من 3 دولارات للفرد في اليوم، سواء كانوا يعيشون في بلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل. وتُستخدم معارفنا ومواردنا المالية في توفير الوظائف - وهي أفضل طريقة لدق مسمار في نعش الفقر - وللاستثمار في البنية التحتية الأساسية اللازمة لمساندة هذه الوظائف في مجالات الطاقة والمياه والتعليم والصحة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وفي الوقت نفسه، يعمل العديد من البلدان على تنمية اقتصاداتها وإخراج الناس من دائرة الفقر في الوقت الذي تواجه فيه ارتفاع درجات الحرارة ومنسوب مياه البحر، وزيادة وتيرة حدوث الفيضانات وموجات الجفاف، وتزايد شدة العواصف. ولهذا نحتاج إلى إدراك الواقع الذي تواجهه البلدان، كلٌ على حدة، والاستجابة لمطالبها، وضمان أن يكون التمويل الذي نقدمه موجهاً لتحقيق التنمية الذكية.

وباستخدام منهجية نتشاركها مع تسعةٍ من بنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى ودخلت حيز التنفيذ بدءاً من عام 2011، ترى مجموعة البنك الدولي أن مشروعاتها الإنمائية تحقق "منافع مناخية مشتركة" عندما تسهم أيضاً في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة أو التعرض لآثار تغير المناخ. وتعتبر هذه أولاً وقبل كل شيء مشروعاتٍ إنمائية ويجب أن يظهر تقييمها المسبق أنها تحقق منافع إنمائية مجدية.

هذا هو السبب في أن الانتقادات الأخيرة من مدونة مركز التنمية العالمية مضللة. فهي تغفل أننا لا نمول مشروعاتٍ مُجدية على أساس أثرها العالمي في التخفيف من آثار تغير المناخ فحسب، بل يجب أن تكون تلك المشروعات مجديةً بناءً على الاحتياجات الإنمائية التي تحظى بالأولوية على المستوى المحلي. ويؤدي دمج المنافع المناخية المشتركة في تلك المشروعات إلى تحقيق التنمية بالطريقة الصحيحة - بذكاء وجودة عالية ومسؤولية مالية - ما يعني بناء القدرة على الصمود في كل عمل نقوم به. وهذا هو عين ما تريده البلدان والجهات المتعاملة معنا، وهو أيضاً عين ما نركز عليه. 

وتطرح مدونة المركز بعض الأسئلة، ومنها:

ما يتعلق بالتخفيف من الآثار الناجمة عن تغير المناخ: لماذا نساند جهود التخفيف في البلدان الأشد فقراً التي تسهم بأقل قدر من الانبعاثات العالمية؟ والإجابة هي لأننا نمول مشروعات التنمية المؤثرة التي تصادف أيضاً أنها تقلل الانبعاثات. لنأخذ على سبيل المثال مشروع شبكة النقل السريع بالحافلات التي مولناها في داكار بتمويل ميسر قدره 100 مليون دولار، حيث يسهم المشروع في إنشاء شبكة نقل حضري حديثة وكفؤة، فضلاً عن تحسين ربط الناس بأماكن العمل مع الحد من الانبعاثات. أو مشروع مساعدة مزارعي الأرز على استخدام ممارسات أكثر كفاءة: في السنوات السبع منذ بدء المشروع في عام 2015، زاد مزارعو دلتا نهر الميكونغ دخلهم بنسبة 30% في المتوسط، كما خفضوا انبعاثات غاز الميثان من حقولهم.

لننظر أيضاً إلى مشروعٍ لتشجيع الطهي النظيف، مثل مشروع توسيع إمكانية الحصول على الكهرباء في أوغندا، والذي سيوفر 353 ألف حلٍ من حلول الطهي النظيف يستفيد منها 1.6 مليون شخص. ويهدف هذا الاستثمار إلى إنقاذ الأرواح، وخاصة النساء والأطفال، من تلوث الهواء داخل المنازل الذي يودي بحياة نحو 700 ألف شخص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء كل عام.

وهذه ليست مشروعات مناخية، بل هي مشروعات إنمائية ذات أثر إيجابي على حياة الناس وتوفير الوظائف، كما أنها تعتمد على تقنياتٍ منخفضة الانبعاثات، ومن ثم تحقق منافع مشتركة للتخفيف من آثار تغير المناخ. ونقوم باختيار الاستثمارات المناسبة لتحسين حياة الفقراء في كل بلد نعمل فيه، باستخدام أفضل التقنيات المتاحة، وأيضاً لبناء كوكبٍ أكثر ملاءمة للعيش في كل عملٍ نقوم به. وجدير بالذكر أنه وفقاً لتحليل مركز التنمية العالمية، فإننا ننفق على التخفيف في البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل ما يقرب من تسعة أمثال ما ننفقه في البلدان المنخفضة الدخل (نحو 32 مليار دولار مقابل 3.6 مليارات دولار) - ولذلك فمن المخادع الادعاء بأن لدينا تحيزاً نحو التخفيف في البلدان المنخفضة الدخل. نحن ببساطة لا نفعل ذلك.

وفيما يتعلق بالتكيف مع تغير المناخ: لماذا لا يتم توجيه كل تمويلنا لأنشطة التكيف إلى البلدان الأشد فقراً؟ والإجابة هي أن الاستثمارات في التكيف هي ببساطة تنمية ذكية. وهذا يجعل الناس وممتلكاتهم ووظائفهم وبنيتهم التحتية أقل عرضة للخطر وأكثر قدرة على الصمود. وعلى هذا النحو، فإنها تحقق المزيد من المنافع لكل دولار يتم استثماره، وهي سمة رئيسية من سمات الإدارة الجيدة للموارد العامة. فلماذا نقوم بالاستثمار في طرقٍ ستجرفها موجة السيول القادمة إذا كان من الممكن تصميمها لتكون أكثر قدرة على الصمود؟ ولماذا لا نقوم بالاستثمار في زراعة أشجار المنغروف لحماية السواحل وتحسين مصائد الأسماك الساحلية؟ وسواء في البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل، فإن بناء القدرة على الصمود في مشروعاتنا وبناء القدرة على الصمود وإطلاق العنان للفرص من خلال تلك المشروعات يُعد تنميةً ذكيةً وتعظيماً لعوائد التمويل الشحيح.

وفي وقتٍ يشهد استنزافاً للموارد الدولية والعامة والخاصة لتغطية العديد من الاحتياجات، لدينا إيمان قوي وراسخ بالشفافية فيما يتعلق بالمشروعات التي تُستثمر فيها أموال مجموعة البنك الدولي، والدقة بشأن تلك الاستثمارات. وهذا هو السبب في أن المعلومات غير الصحيحة التي وردت بمدونة مركز التنمية العالمية حول طبيعة مشروعاتنا، ومواقع تلك المشروعات، ومقدار الجهود التي نبذلها فيها، تثير حيرةً كبيرةً لدينا. ومن غير الواضح كيف كوََّنَ المركز عينته التي تختلف بصورة كبيرة عن بياناتنا. وتحتوي عينة المركز على 925 مشروعاً، منها 825 مشروعاً مراعية لاعتبارات المناخ. وخلال السنوات المالية 2023-2024، لم يوافق مجلس المديرين التنفيذيين إلا على 676 مشروعاً للبنك الدولي للإنشاء والتعمير/المؤسسة الدولية للتنمية، وكان 96% منها ذات منافع مناخية مشتركة. علاوة على ذلك، يشير المركز إلى تحليلٍ سابق ينظر في مشروعاتنا منذ عام 2000، في حين أننا لم نبدأ تتبع المنافع المناخية المشتركة ونفصح عن بياناتها إلا منذ عام 2011. 

وعلى عكس ما يزعم مركز التنمية العالمية، فإن خُمس تمويلنا للأنشطة المناخية يأتي من "الإجراءات التدخلية الصغيرة" التي تعرف بأنها أقل من 10% في نسب تمويل الأنشطة المناخية. وعندما يكون الأمر كذلك، فإنه يستند إلى تحليلٍ دقيقٍ لمحتوى المشروع: في مشروع تعليمي في غيانا، على سبيل المثال، تم أخذ القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ في الاعتبار عند تصميم المباني، وحماية الطلاب من الحرارة الزائدة أو تأثير الفيضانات. ومن المؤكد أنه سيكون من غير المسؤول البناء بأي طريقة أخرى. ولذا، فإن مركز التنمية العالمية ليس مُضلِلاً بشأن تعريف تمويل الأنشطة المناخية فحسب، بل إن المنهجية التي يستند إليها تحليله بها ثغرات كبيرة أيضاً.

إننا نمر بمرحلة تحولٍ في طبيعة العمل الإنمائي، فمن ناحيةٍ نواجه التحديات المألوفة المتمثلة في الفقر والهشاشة والصراع وارتفاع مستوى الديون، ومن ناحية أخرى هناك حاجة متزايدة إلى تعزيز القدرة على الصمود والبناء على الفرص التي تتيحها التقنيات الأكثر كفاءة ومراعاة للبيئة. وتقيس المنافع المناخية المشتركة مدى قدرتنا على اغتنام هذه الفرص الإيجابية لتقديم المزيد للناس في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ونحن نعمل باستمرار على تحسين منهجياتنا ومؤشراتنا لقياس أثر مشروعاتنا على حياة الناس بشكل أفضل، وتُعد بطاقة قياس الأداء الجديدة لمجموعة البنك الدولي خطوةً مهمةً في هذا الاتجاه. ويمثل أخذ تغير المناخ وتقنيات المناخ في الحسبان سمةً من سمات التزامنا بالتنمية الفعالة من حيث التكلفة والتي تركز على تحقيق الأثر  المنشود.


ستيفان هاليغات

رئيس الخبراء الاقتصاديين في مجال المناخ، البنك الدولي

ليساندرو مارتن

مدير الدائرة المعنية بالنواتج بمكتب المدير المنتدب الأول في مجموعة البنك الدولي

فاليري هيكي

المديرة العالمية للبيئة والموارد الطبيعية والاقتصاد الأزرق في البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000