من الصعب تغيير السلوكيات. فمن الصعب، مثلًا، الإقلاع عن التدخين، أو ادخار المزيد من الأموال، أو المشي على السلم المتحرك. ويصبح تغيير السلوكيات أكثر صعوبة عندما يترافق ذلك مع تحديات الفقر.
ويلتزم العاملون في مجال التنمية في جميع أنحاء العالم بقضية إيجاد وتطبيق حلول تساعد على تحسين حياة آلاف الأشخاص في العالم. وجزء من التحدي الخاص بالقيام بذلك هو إيجاد حلول جيدة بالفعل، لكن التحدي الأكبر (الذي غالبًا ما يتم إغفاله) هو ضمان قبول هذه الحلول من الناس المراد تحقيق منافع لهم وهم الفقراء. وهو ضمان قيام الناس بتغيير سلوكياتهم لجعل الحلول جزءً من حياتهم اليومية.
وإذا أردنا الناس في كينيا أن يبدؤوا باستخدام مشروب الملح لعلاج الإسهال أو الناموسية لوقاية أنفسهم من لدغات النموس، وإذا أردنا الناس في الهند أن يستخدموا دورات المياه بدلًا من قضاء الحاجة في الخلاء، وإذا أردنا أن يستخدم المزيد من الشباب الواقي الذكري من أجل ممارسة جنسية أكثر سلامة، فإننا لا نستطيع الذهاب إلى هذه البلدان وفرض هذه الحلول عليهم.
وفرض الحلول يفضي إلى حلول فاشلة. وسينتهي الحال باستخدام الناموسية في صيد السمك، والواقي الذكري كحيوانات من البالون، ومقاعد المراحيض كأصيص زهور. وعلى هذا النحو تفشل الأفكار، ليس لأنها لم تكن أفكارًا جيدة، ولكن لأن الناس لم يكونوا مقتنعين بتغيير سلوكياتهم لقبولها.
وحتى ينجح الحل، يجب أن يكون مقنع للناس. ويجب أن يكون الناس قادرين على تصور كيفية تغيير حياتهم من خلال هذا الحل. كما يجب أن يكون لديهم سبب لتغيير عاداتهم وبدء عمل هذا الشيء الجديدة المطلوب منهم، وحتى تنجح الحلول، علينا أن نكون مصدر إلهام كي يغير الناس سلوكياتهم دون فرض أو أمر.
وقد يكون من الصعب إجراء حوار حول قضايا اجتماعية خطيرة مثل العادات الصحية أثناء فترة العادة الشهرية للمرأة، أو قضاء الحاجة في الخلاء، أو التنميط العرقي أو تحديد النسل. وهذه القضايا محفورة بعمق في الهياكل الاجتماعية والأساطير حتى أن عددًا قليلًا من الناس هم من يناقشونها، وحتى هؤلاء يجدون صعوبة في الدخول في حوار حول هذه الموضوعات.
ومن الممكن تغيير السلوكيات حتى التي يصعب تغييرها في حالة تقديم معلومات والتذكير بها والعمل بناء عليها. ومن ثم، فنحن بحاجة إلى اتصال وتواصل على نحو فعال لإلهام التغيير. ومن هنا جاءت الألعاب إلى الصورة.
ومن الممكن أن تستهدف ألعاب الفيديو الهياكل الاجتماعية، وتحث الأفراد على تحديها على نحو ممتع. ومن الممكن أن تؤدي الألعاب إلى إدارة الحوار بمساحة من الارتياح لدى الفتيات، والاستفادة من التكنولوجيا والطبيعة التفاعلية للألعاب لحث التغير الاجتماعي.
وهناك أكثر من مليار شخص يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم، وحوالي نفس العدد تقريبًا يلعبون على الأقل ساعة ألعاب فيديو في جميع أنحاء العالم. وهنا نجد أن الفقر حافلًا بالتحديات الهائلة وكذلك إمكانات ألعاب الفيديو.
ولأنني نشأت على ألعاب مثل سيم سيتي (Sim City) أو الحاجة إلى السرعة أو جي تي إيه، فأنا أعرف أن الألعاب تترك انطباعًا في الذهن يتجاوز حدود العالم الافتراضي. وسألت نفسي .... إذا كانت الألعاب الخاصة بالأسلحة والمسدسات يمكن أن تشجع العنف، هل الألعاب الخاصة بالكتب يمكن أن تشجع التعليم؟ وهل الألعاب الخاصة بحقوق المرأة تشجع المساواة أو تلك الخاص بغسل اليدين تشجع على ممارسة قواعد الصحة والنظافة؟
والألعاب تروق للسيكولوجيا الإنسانية على نحو لا تحدثه أدوات الاتصال والتواصل الأخرى. فهي عبارة عن قصة وكرة كريستال وكأس في صندوق المرح. ومعظم الألعاب لها حبكة قصصية وحبكة فنية تجعل اللاعب جزءً منها وهناك كرة كريستال في فترة تمتد إلى عدد قليل من الساعات، ويستطيع اللاعبون رؤية نتائج أفعالهم الجيدة والسيئة. وفي النهاية هناك كأس، وتكافئ اللعبة القرارات الجيدة.
وعندما تأتي القصة والكرة الكريستال والكأس جميعًا معًا في العالم الافتراضي، يترك ذلك انطباعًا في أذهاننا يتجاوز حدود العالم الافتراضي.
وشهدت السنوات العشر الماضية الألعاب ذات الأثر الاجتماعي. وهذه الألعاب الغرض منها هو الاستفادة من وقت الكثير من الشباب وكبار السن في عمل مفيد. وتتم الاستفادة من الطبيعة التفاعلية للألعاب على نطاق واسع لبناء القدرات ونشر الوعي، فعلى سبيل المثال، لعلاج الاكتئاب هناك لعبة سوبر بيتر (SuperBetter)، ولنشر الوعي بالحمل في كينيا هناك لعبة 9 دقائق.
وشهدت السنوات العشر الماضية أيضًا تحولات سريعة الوتيرة في الوصول إلى التكنولوجيا. ونحن الآن على مشارف طفرة تكنولوجية كبرى قادمة: الاختراق العالمي للهواتف الذكية. ويتوقع تقرير إريكسون حول الهواتف المحمولة أن 70 في المائة من سكان العالم سيستخدمون هواتف ذكية بحلول عام 2020. ونحن ننظر الآن إلى عالم فيه الهواتف الذكية متاحة بسعر متدن يصل إلى 20 دولارًا في الوقت الذي تعتبر المراحيض نوعًا من الرفاهية في هذا العالم. وهذه الطفرة تفتح نافذة من الفرص للوصول إلى الفقراء من خلال هواتفهم، واستخدام ألعاب بسيطة على الهاتف كأداة لتغيير السلوكيات.
وهذه الاتجاهات المتغيرة هي التي ألهمتني لاكتشاف الدور الذي يمكن أن تقوم به الألعاب في تقديم المعلومات وتغيير السلوكيات في سياق التنمية. ومن خلال مشروعي الاجتماعي (GRID) – ثورة الألعاب من أجل التنمية الدولية- أقوم باستخدام الألعاب لإحداث تغيرات في السلوكيات، وتحسين نواتج الصحة والتعليم، ومحاربة العادات الاجتماعية السيئة مثل التمييز والقهر.
ونحن ملتزمون بعمل الألعاب التي تقدم معلومات للناس حتى يكون بمقدورهم اتخاذ قرارات أفضل بشأن حياتهم وصحتهم وأموالهم ومستقبل أطفالهم .... مع تمضية وقت جيد وسعيد. وهذه الألعاب ليست مجرد أداة للتسلية فحسب، لكنها قادرة أيضًا على التأثير على الناس بصورة إيجابية.
ويعمل فريق مشروع ثورة الألعاب من أجل التنمية الدولية على العديد من الألعاب المختلفة. وهي ألعاب تكافح قضاء الحاجة في الخلاء في الهند، وألعاب تحارب التنميط بناء على نوع الجنس الاجتماعي والعرق، وألعاب تجعل تعلم الرياضيات متعة ومرح لطلاب الصف الثالث في غامبيا.
ويهدف أحد مشروعات ثورة الألعاب الأخيرة إلى إعداد ألعاب تكافح وصم فترة الطمث بالعار. وتواجه النساء في جميع أنحاء العالم تحديات اجتماعية وصحية كل شهر أثناء فترة حدوث الطمث (الدورة الشهرية). وهناك ألعاب بسيطة على الهاتف لا تعمل على زيادة الوعي بالممارسات الصحية فحسب، ولكنها تحارب أيضًا وصم المرأة بالعار مع تمكينها من أسباب القوة.
ولا يمكن أن يكون تغيير السلوكيات مملًا! ولا يمكن إغفال الواقع في إطار السياق الخاص به. ولا يمكن ترك الابتكار إلى الغد! لقد حان الوقت الأن أن نأخذ على عاتقنا الاستفادة من الألعاب الرقمية لخلق عالم أفضل. إنني ملتزم بهذه القضية.
والسؤال هو، هل أنت مستعد؟
انضم إلى النقاش