لقد تجاوزت أصول صناعة التمويل الإسلامي العالمي في الأونة الأخيرة حاجز التريليوني دولار ومن المتوقع أن تصل إلى حوالي 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2021. وإننا نعتقد أن العديد من قراء هذه المدونة قد تابعوا، ولو بشكل عابر، صعود نجم هذه الصناعة في ضوء دورها في تمويل مشروعات البنية التحتية.
ولأن مبادئ التمويل الإسلامي ترتكز على قيم العدالة الاجتماعية وتحسين رفاهة البشر، فقد آن الأوان لزيادة استخدامه في مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية التي تلتزم بتحقيق أثر اجتماعي وبيئي إيجابي صافٍ: تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن استثمار ما يمثل 4.5% من إجمالي الناتج المحلي يمكن أن يساعد البلدان النامية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالبنية التحتية، مع بقائها على المسار الصحيح للحيلولة دون ارتفاع درجة حرارة الأرض أكثر من درجتين مئويتين.
ما الجديد؟
فيما يلي إطلالة سريعة على آخر المستجدات المهمة لهذه الصناعة وكذلك لتوفير خدمات البنية التحتية التي تصل إلى المزيد من الناس في شتى أرجاء العالم.
- توسُّع قطاع التمويل الإسلامي في أفريقيا- في سبتمبر/أيلول الماضي، نشرت مؤسسة موديز تقريراً بعنوان "التمويل الإسلامي – أفريقيا: قوة الأداء ورواج إصدار الصكوك يدعمان البنوك الإسلامية في أفريقيا" (متاح للمشتركين لدى موديز) الذي يُبيِّن نمو قطاع التمويل الإسلامي في القارة الأفريقية ويتوقَّع أن يكون عام 2020 مثمراً بشكل خاص. ويسلِّط هذا التقرير الضوء على صلابة البنوك الإسلامية، حتى في بيئات العمل الحافلة بالتحديات في العديد من البلدان الأفريقية، مشيراً إلى أن هذه البنوك ستواصل الأداء بشكل جيد، بل وبصورة أفضل على الأرجح لو تحسنت بيئة العمل. لكن لإطلاق العنان لخيار التمويل الإسلامي، يجب على البلدان الأفريقية تكييف أنظمتها المالية وأُطرها القانونية لترحِّب بنظام التمويل الموازي هذا وتحديد المشروعات التي يمكن تمويلها من خلاله والهياكل الملائمة لذلك.
- مجموعة العشرين والمملكة العربية السعودية- في الشهر الماضي، بدأت المملكة رئاستها لمجموعة العشرين بالاهتمام والتركيز بقوة على البنية التحتية. وتركِّز أجندة المملكة خلال رئاستها للمجموعة تركيزاً شديداً على الطاقة النظيفة، وإدارة الموارد المائية، واستخدام التكنولوجيا في قطاع البنية التحتية. وتُعد المملكة إحدى أفضل دول العالم درايةً وخبرةً بمجال التمويل الإسلامي ولديها سجل حافل ومبهر في تمويل مشروعات البنية التحتية بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، زادت السعة الاستيعابية لمطار المدينة المنورة من 5 ملايين إلى 8 ملايين مسافر سنوياً من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. وتمثل رئاسة المملكة وأجندتها فرصة عالمية لإبراز وتعلُّم أفضل ممارسات التمويل الإسلامي للشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية.
- مبادرة الحزام والطريق الصينية- يغطي برنامج الاستثمار الإقليمي لهذه المبادرة أكثر من 100 بلد، حيث يركِّز على البنية التحتية للنقل والطاقة. ونظرا لأن العديد من البلدان المشارِكة هي بلدان ذات أغلبية مسلمة ولديها اهتمام و/أو خبرة بالتمويل الإسلامي- ومن بينها بنغلاديش ومصر وكازاخستان ولبنان وباكستان وأوزبكستان، فإن هذا البرنامج يتيح فرصا واعدة أمام قطاع البنوك الإسلامية.
ماذا هناك أيضاً؟
مع أخذ هذا الزخم الهائل بعين الاعتبار، قام البنك الدولي – في إطار التعاون مجدداً مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية- حديثاً بإصدار دليل مرجعي يهدف إلى بناء قدرات وحدات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مختلف أنحاء العالم لتعبئة التمويل الإسلامي لمشروعات البنية التحتية التي تمس الحاجة إليها في عموم بلدان العالم النامية.
ويستند الدليل المرجعي: التمويل الإسلامي لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية إلى التقرير الصادر عام 2017 بعنوان "تعبئة التمويل الإسلامي للشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية". وحدد هذا التقرير ماهية التمويل الإسلامي والشراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال: ما المقصود بهما؟ وما أغراض استخدامهما؟ وربط التقرير بناء القدرات وزيادة الوعي بين العاملين في مجال تطوير البنية التحتية والبلدان النامية بالاستفادة من التمويل الإسلامي كمورِّد إضافي لسد الفجوة في خدمات البنية التحتية.
ويتناول الدليل المرجعي الجديد بشكل أعمق أساليب التمويل الإسلامي والشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية، وهي أساليب نرى أنها كانت تمثل عقبة رئيسية أمام انتشار هذا التمويل كما أوضحنا في مدونتنا الأخيرة. ويتخذ هذا الدليل خطوات نحو تفعيل التمويل الإسلامي لهذه الشراكات من خلال:
- دراسات الحالات التي تعرض أمثلة جرى فيها استخدام التمويل الإسلامي – إلى جانب التمويل التقليدي في الغالب- كمصدر إضافي لتمويل مشروع للشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتُظهر هذه الدراسات استخدام هياكل التمويل الإسلامي المختلفة، مع استعراض الترتيبات القانونية المصاحبة لذلك وتوضيح كيفية تفاعلها مع التمويل التقليدي توضيحاً وافياً.
- النماذج القانونية - المُعدَّة بالاستعانة بخبراء قانونيين من ذوي الخبرة- للترتيبات الرئيسية للهياكل المستخدمة في التمويل الإسلامي للشراكات بين القطاعين العام والخاص كما هو مبيَّن في الدليل المرجعي (بما فيها تلك الواردة في دراسات الحالات).
نأمل أن يتمكَّن المستثمرون ووحدات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مختلف بلدان العالم، مع إتاحتنا لهذه الأدوات العملية، من تعزيز قدراتهم على الدخول في شراكات بين هذين القطاعين في مجال البنية التحتية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية والمشاركة في الإمكانات الهائلة لهذا النوع من التمويل. وسيقوم الدليل المرجعي بقدر من الترويج في الفعاليات الإقليمية المهمة التي تُقام خلال العام لضمان إيصال هذه الرسالة.
ونتطلع إلى تلقي الملاحظات التقييمية والاقتراحات. هل يلبي الدليل المرجعي احتياجاتك؟ ما هي تجربتك مع التمويل الإسلامي؟ هل ترغب في نشر هذا الدليل المرجعي (وملحقه السابق) على الإنترنت أو تسليمه بشكل شخصي في مكان ما على وجه الخصوص؟ لا تتردد في ترك تعليق لنا أدناه.
انضم إلى النقاش