نشر في أصوات

حان الوقت لجعل إقرارات الذمة المالية للموظفين العموميين أكثر كفاءة وفاعلية

Image

في سلسلة من المقالات نشرتها عام 2015 بعنوان "أبراج السرية"، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن الأسلوب الغامض الذي تلجأ إليه شخصيات شهيرة وأخرى تتمتع بعلاقات مع ذوي النفوذ السياسي من مختلف أنحاء العالم لامتلاك عقارات عالية القيمة في الولايات المتحدة. وقد أجرت منظمة الشفافية الدولية دراسة مماثلة في المملكة المتحدة تكشف امتلاك شركات وهمية لشقق سكنية في ضواحي كنسغتون وتشيلسي الراقية في لندن. وفي عام 2016، تسربت معلومات من شركة موساك فونسيكا للاستشارات القانونية تكشف امتلاك العديد من مشاهير العالم وذوي النفوذ السياسي لأصول بطرق ملتوية وبعيدا عن أعين العالم الخارجي.

كيف إذن تسنى لهذه الشخصيات العامة أن تتمكن من تكديس مثل هذه الثروات في الوقت الذي سن فيه 161 بلدا في مختلف أنحاء العالم قوانين تقتضي إشهار الذمم المالية؟ طرحت هذه القوانين في أعقاب فضيحة ووتر غيت بالولايات المتحدة بهدف رصد أي ملامح للإثراء تطرأ على المسؤول أثناء شغله لوظيفة عمومية، إلى جانب تضارب المصالح الخاصة مع المصالح العامة. بيد أنه على الرغم من وجود هذه القوانين من الناحية النظرية، فإن كثيرا من الممارسين يعانون من تعقيدات هذه القوانين وسبل تطبيقها في السياقات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والقانونية لبلدانهم.

بل إن شيئا بسيطا كالشكل الذي ينبغي أن يصمم عليه إقرار الذمة المالية يمكن أن يثير الكثير من الاختلافات. ففي أحد البلدان، تقول نسخة أولية من إقرار الذمة المالية "يرجى الإفصاح عن كافة ممتلكاتك ومصالحك"، وألحق بالفقرة فراغات لملئها من قبل المسؤول الحكومي. وعند تحليل الإقرارات التي قدمها المسؤولون، لاحظ الموظفون المعنيون بإقرارات الذمة المالية تباين التفسيرات التي فهمها كل من مقدمي الإقرارات للفقرة نفسها. ففي الوقت الذي أفصح أحد أعضاء مجلس الشيوخ عن كل الشركات التي يرتبط فيها بمصالح، وعدد الأسهم التي يمتلكها وقيمتها، فيما كتب مسؤول آخر ببساطة يقول "لدي ممتلكات ومصالح زراعية."

وهذه التحديات التي تواجه تطبيق أنظمة الإفصاح المالي بكفاءة وفاعلية لم تمر مرور الكرام ونحن نمارس مهامنا في تزويد البلدان المتعاملة مع البنك بالمشورة والأدوات اللازمة لزيادة الشفافية وتدعيم النزاهة التامة لقطاعها المالي.

وقد أصدرت مبادرة استرداد الأصول المسروقة، وهي شراكة بين مجموعة البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) - لتوها دليلا يستند إلى تحليل قوي للبيانات يهدف إلى مساعدة الحكومات التي تعاني في تطبيق أنظمة إشهار الذمم المالية. يقدم الدليل نصائح عملية تتناول كافة التفاصيل بدءا ممن ينبغي أن يتقدم بالإفصاح، وكم مرة، وفي أي شكل. كما يتصدى للصلة بين عملية إشهار الذمة المالية وتطبيقها. وقد شهدنا حالات تحجم فيها الدول عن، أو تتردد في، تطبيق العقوبات لأن العديد من أنظمة الإفصاح لم تضع بعد النقاط على الحروف بطريقة تجعل من توقيع العقوبات أمرا لائقا ومتسقا وعادلا.

ومع تزايد استياء المواطنين من المسؤولين الحكوميين الذين تضخمت ثرواتهم أثناء شغلهم لمناصب عمومية، أو أخفوا ممتلكاتهم من خلال تدابير معقدة، فقد جاء هذا الدليل العملي في الوقت المناسب. فمن شأن نظام الإفصاح المالي أن يساعد على توفير مناخ من النزاهة في المؤسسات الحكومية ويحول دون إساءة استخدام السلطة، وفي النهاية يمكن أن تكون أداة فعالة في مكافحة غسل الأموال وفي الجهود المبذولة لاسترداد الأصول المسروقة. نعلم أن إساءة استغلال الوظيفة العمومية لتحقيق مكاسب خاصة يترك أسوأ الأثر على الفقراء، وأن حلقة الصلة بين سوء نظم الإدارة العامة والحوكمة والفقر الدائم صعبة الكسر.

نأمل في أن يجد الممارسون في هذا الدليل أداة مفيدة لهم في اتخاذ القرار، وفي النهاية معينا لبلادهم على بناء أنظمة أكثر فاعلية وترتقي بمستوى المساءلة والشفافية.  


بقلم

Gloria M. Grandolini

Former Senior Director for Finance and Markets Global Practice, Finance & Markets, and Chair of the Global Remittances Working Group

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000