هذه المدونة هي الجزء الأول من سلسلة من جزأين عن أنظمة الجيل الخامس 5G لخدمات النطاق العريض.
تخيَّلْ عالَما لا أسلاك فيه ولا كابلات والواقع الافتراضي فيه حاضر والوصول إليه ميسور دائما. وبعد زوال جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، تشهد ساحة التعليم تسارع الخطى نحو التحوّل الرقمي. فمعظم الفصول الدراسية تُطبِّق شكلا ما من أشكال التعلم الافتراضي يتطلب استخدام مؤتمرات الفيديو ومبتكرات أخرى، لكن الوصول إلى هذا الوضع صاحبته صعوبات فنية. وأبرز تعذُّر إمكانية الوصول الفجوة التكنولوجية بين أجزاء العالم.
لكن دمج شبكات اتصال الجيل الخامس في أنظمة تقديم خدمات التعليم ينطوي على إمكانية إحداث تغيير ثوري في قضايا الربط الشبكي وتسهيل لوجستيات الفصول الدراسية وفي الوقت ذاته تحسين جودة تجربة التعلم بأسرها. وتساعد شبكة اتصالات الجيل الخامس المعلمين في كل مستويات التعليم على تسهيل الخبرة المعززة للمتعلمين. فما هي شبكة اتصالات الجيل الخامس 5G، وكيف يمكن لأوساط التعليم العالمية استخدام قدرات هذه الشبكة في إحداث تحوّل في عملية التدريس والتعلم الآن وفي المستقبل؟
ما هي شبكة اتصالات الجيل الخامس 5G؟
شبكة اتصالات الجيل الخامس أو تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصال اللاسلكي، هي النسخة الخامسة من عمليات شبكات الهواتف المحمولة. وهي تختلف عن شبكة الجيل الرابع، أكثر تقنيات الاتصال اللاسلكي شيوعا بالنظر إلى زمن الاستجابة أو الانتقال- الفاصل الزمني بين إرسال المعلومات واستقبالها. وتتميز شبكة اتصال الجيل الخامس بالانخفاض الشديد لمعدل انتقال الإشارات من خلالها، وهو ما يتيح زيادة سرعة تقديم خدمات التعليم ويجعلها أكثر انتظاما وسلاسة. على سبيل المثال، عند المقارنة مع برج اتصالات شبكة الجيل الرابع، فإن برج شبكة الجيل الخامس بمقدوره استيعاب ودعم ما يقرب من عشرة أمثال الأجهزة التي يدعمها الجيل الرابع. وهذا أمر بالغ الأهمية في إطار سيناريو تعليمي لأن انخفاض زمن انتقال الإشارات وزيادة النطاق الترددي المتاح للاتصالات سيدعمان مستويات فائقة من التواصل عبر مسافات أكبر.
خذ على سبيل المثال الحرم الجامعي. يُمكِن أن تؤدي توسعة نطاق تغطية الاتصالات في الحرم الجامعي إلى تحسين إمكانية الوصول إلى شبكات الاتصال اللاسلكي، وقد بدأت بعض الجامعات بالفعل دمج هذه التقنية. وكانت جامعة ميامي أول من استخدم هذه التقنية في حرمها الجامعي، الأمر الذي سهَّل على الطلاب الوصول إلى الفصول الدراسية والمشاركة في الأنشطة الأكاديمية. وتستطيع شبكة الجيل الخامس أيضا تحسين جودة مؤتمرات الفيديو، وقدرات الاستجابة الحسية، وتدعيم خبرات التعلم الغامر باستخدام وسائط الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وتيسير شخصنة التعليم. على سبيل المثال، يتيح تطبيق فروجيبيديا للواقع المًعزَّز للطلاب دراسة الأعضاء الداخلية للضفدعة دون إيذاء أي ضفادع حقيقية. وهو يُمكِّن الطلاب أيضا من تصوُّر تحوّل الضفادع من طور الشراغف إلى مرحلة البلوغ. مثال آخر في مجال التعليم المستمر هو أداة التحدث الافتراضي، التي تساعد الأفراد على مواصلة العمل لتجويد مهاراتهم في التحدث في الأماكن العامة على نحو أكثر فعالية وواقعية.
كيف يمكن لشبكة الجيل الخامس إحداث تغيير جوهري في التعليم؟
فلننظر الآن إلى المنافع الخمسة الرئيسية التي تجلبها شبكة 5G لعملية التعلم:
1. تحسين التفاعل بين المعلمين والمتعلمين والتعاون بين الأقران. فعند تسجيل الدخول إلى صفحة برنامج زوم، يزداد احتمال التباطؤ والانقطاع في الربط الشبكي، وهو ما يؤثر تأثيرا سلبيا على تقديم الخدمات التعليمية. وباستخدام شبكة الجيل الخامس، ستساعد منصات مؤتمرات الفيديو على تحسين جودة الخدمات وانتظامها في أنحاء المعمورة. ولذلك، بدلا من الانتظار حتى يتم تحميل البرامج، سيكون من الأفضل استخدام الوقت في ربط المعلمين بالمتعلمين حتى في البيئات النائية. وسيُمكِن للمعلمين توفير الوقت حيث لا يُضطرون إلى العمل للتغلب على التأخيرات في الربط الشبكي أو الانقطاعات في توصيلات الإنترنت السمعية والبصرية، وبدلا من ذلك، يُركِّزون على المتعلم. وسيكون بمقدور الطلاب تنزيل مقاطع الفيديو ومواد التعلم على نحو أسرع، بل قد تتاح لهم مشاهدة صور ثلاثية الأبعاد للضيوف المتحدثين في فصلهم الدراسي دونما نقصان أو تأخير. علاوة على ذلك، نظرا لأن خدمات الجيل الخامس تتيح نقل قدر أكبر من البيانات، فإن التواصل بين الأقران في المشروعات الجماعية سيُنجَز بسرعة أكبر وبقدر أقل من البطء - تقريبا كما لو أن أناسا من مناطق جغرافية شتى يجلسون في غرفة واحدة.
2. تسريع وتيرة تبنِّي أساليب التعلم الغامر وجودته
تتطلب بعض المهارات مثل الأعمال المختبرية، والخبرات العملية تحفيزا إضافيا باللمس لتوليد قدر من التعلم عبر الإنترنت مماثل لما هو في الحياة الواقعية وفي الوقت الحقيقي. ويستطيع أولئك المهتمون بتعلم مهارات جديدة، وبالعرض المرئي التفاعلي للمفاهيم المجردة الاستفادة من دمج تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي في فصول التعلم الغامر. وستتيح خدمات الجيل الخامس قدرات أكبر لشبكات الاتصال وتجربة سلسة خالية من المشاكل تُمكِّن المتعلمين من استكشاف المفاهيم المعقدة من خلال تطبيق محادثات الفيديو والوصول وحتى اللمس. علاوةً على ذلك، الاستجابات الحسية (التي تعيد إنتاج الشعور أو اللمس أو حركة التفاعل بشكل مباشر مع شيء مادي) يُمكِن أن تُدخل أشكالا حسية للتعلم إلى الفصل الدراسي من خلال منصات مؤتمرات الفيديو التقليدية، الأمر الذي يجعل التفاعلات أكثر ثراء.
3. تجارب شخصنة التعلم
تتبع العملية التعليمية بوجه عام نهجا واحدا لجميع الحالات يقول كثيرون إنه قد يعوق النمو. وبمقدور خدمات الجيل الخامس تغيير ذلك الوضع! وذلك بتحسين شخصنة التعلم من خلال استحداث أنظمة ذكية لفهم الاحتياجات الفريدة لكل طالب وخلق رحلات التعلم المُوجَّهة. على سبيل المثال، يمكن لمساعدي التدريس الافتراضي مساعدة فئات المتعلمين على الوصول إلى مجموعات مختلفة من الدروس والتقييمات تبعا لخصائص وتفضيلات المتعلمين. ولهذا آثار على اكتساب المهارات وترقيتها وكذلك على التعليم والتدريب الفني والمهني.
4. تعزيز التعلم في وقت الفراغ
مع اتساع نطاق خدمات الجيل الخامس ليصل إلى المزيد من مناحي الحياة اليومية، سيزداد التعلم في وقت الفراغ سهولةً، ليتيح قدرا أكبر من التجاوب والسرعة عبر جميع الأجهزة، ولاسيما الهاتف المحمول. لكَ أن تتخيَّل زيادة المرونة التي تتاح للطلاب والمهنيين الذين يريدون (ويحتاجون) أثناء انشغالهم التعلم خارج الفصل الدراسي.
5. تعزيز تكافؤ الفرص
ستُعجِّل خدمات الجيل الخامس بتحقيق وعد الديمقراطية في إمكانية الحصول على تعليم جيد على نحو شامل للجميع وميسور التكلفة، ومن ثم تعزيز تكافؤ الفرص، لاسيما للمجتمعات المحلية التي تعاني نقص الموارد. على سبيل المثال، ينقل نظام الفصل الدراسي للتعلم المبتكر لشركة فيرايزون المستند إلى خدمات الجيل الخامس عملية التعلم إلى مسارات الحياة من خلال عوالم غامرة. ولديه القدرة على تغيير الطريقة التي نتعلم بها جميعا.
من الواضح أن نظام خدمات الجيل الخامس 5G لديه الكثير ليقدمه في مجال التعليم. وفي الجزء التالي من هذه السلسلة، سنتناول بعض التحديات التي تعوق نشر التكنولوجيا من أجل التعلم، وكيف يمكن أن يسهم ذلك في بلوغ الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة - وهو ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع.
انضم إلى النقاش