الصراع في اليمن يدخل عامه الخامس. التكلفة الإنسانية والاقتصادية مُدمرِة والبنية التحتية المتهالكة بالفعل تنهار. إمدادات الكهرباء الحكومة تكاد تكون منعدمة في العديد من المناطق، منها صنعاء أكثر المدن ازدحاما بالسكان حيث يقطنها أكثر من مليوني نسمة. المستشفيات تعجز عن تقديم الكثير من الخدمات المهمة، والأطفال لا يمكنهم المذاكرة ليلا.
الحصول على الكهرباء يمثل مشكلة مستمرة للكثير من الأسر في اليمن. فما يزيد قليلا عن ثلثي الفقراء كانوا يحصلون على الكهرباء وفقا للقياس الأخير الذي أجري عام 2014 ، وهي أقل نسبة في الشرق الأوسط.
إلا أن الأمور تدهورت سريعا عندما بدأ الصراع. في مارس آذار عام 2015، توقفت محطة مأرب للطاقة، التي تعد الأكبر في اليمن والمسؤولة عن تزويد أغلب مناطق البلاد بالكهرباء، عن العمل مما مثل نقطة تحول في قطاع الكهرباء بالبلاد. ارتفاع أسعار الطاقة المتوفرة من المولدات الخاصة والأزمات المتلاحقة في الوقود كان يعني أن أغلب اليمنيين سيغرقون في ظلام دامس.
الحاجة أم الاختراع
لكن تلى انهيار هذا المرفق العام قصة نجاح مفاجئة وغير متوقعة رغم كل الظروف الصعبة المحيطة.
فقد ساعدت البراعة وروح العمل الحر التي تحلى بها القطاع الخاص على الإقدام على سد الفراغ الناجم عن غياب المرافق العامة. وبدأت العديد من الشركات في استيراد أنظمة الطاقة الكهروضوئية الشمسية. وزاد عدد مستوردي الأنظمة الشمسية في البلاد أضعافا مضاعفة، فيما شرع العديد من تجار الإلكترونيات في بيع الأنظمة الشمسية للمنازل يشجعهم في ذلك ارتفاع الطلب. وبدأ المزيد من الألواح الشمسية يغطي الأسطح في صنعاء.
واليوم يستخدم أكثر من نصف اليمنيين الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي للإضاءة .
ولكن كيف علمنا بذلك؟
عندما أتيحت الفرصة لفريق البنك الدولي لتصميم مشروع في قطاع الطاقة باليمن، كان التحدي يكمن في فهم الظروف على أرض الواقع بشكل أفضل ومعرفة مدى توفر الطاقة الشمسية في اليمن.
طرق مبتكرة لقياس مدى توفر الطاقة أثناء الصراع
قياس درجة توفر الكهرباء كان يشكل تحديا دائما في اليمن، إلا أن الحصول على البيانات الدقيقة أصبح صعبا، خاصة بعد أن اندلع الصراع، وزادت صعوبة ذلك مع عجز موظفي البنك عن القيام بمهامهم هناك. ومع تعطل المؤسسات العامة عن العمل، تعين اللجوء إلى طرق مبتكرة لتقييم الوضع ميدانيا.
واضطلع فريق البنك بهذه المهمة بثلاث طرق- تتطلب جميعا نهجا نفعيا عمليا وجماعيا يرتفع فوق الحدود التقليدية لعمل الفريق.
كانت الطريقة الأولى هي استخدام صور الأقمار الصناعية لتقييم حالة منشآت توليد الطاقة، ووسائل التواصل الاجتماعي لتقييم مدى توفر الخدمة في شتى المدن. هذا التقييم لم يغط المناطق الريفية، لكنه أعطى لمحة مهمة عن وضع القطاع في التوقيت المناسب تقريبا.
كانت الطريقة الثانية هي إجراء مسح مع المستفيدين من برنامج التحويلات النقدية الذي يموله البنك الدولي. وتم إدخال سؤالين عن الكهرباء بالمنازل في المسح. ونظرا لطبيعة الفئة المستهدفة، لم يرصد المسح الأسر الفقيرة على نطاق واسع في المناطق الريفية فحسب، بل وفر مصدرا مهما للبيانات لصياغة شكل الإجراءات التدخلية لقطاع الطاقة. كانت الطريقة الثالثة هي إضافة أسئلة عن خدمات الكهرباء ضمن مسح عن الهاتف أجراه برنامج الأمم المتحدة للأغذية عام 2017. ركز هذا المسح على الأسر الحضرية الأكثر ثراء، مما قدم قطعة أخرى مهمة لحل اللغز لفهم الوضع على أرض الواقع.
بلد مزقته الحرب ويعمل بالطاقة الشمسية
أظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية أن ما يقرب من 55% من أصول قطاع الطاقة (بما في ذلك خطوط نقل الكهرباء، ومحطات الطاقة) تعاني حاليا من التلف بدرجة ما، بينما تعرض 8% منها للدمار الكامل- وكل هذه أدلة تدعم ما خلصنا إليه من أن الوصول إلى شبكة الكهرباء الرئيسية متدن للغاية في اليمن.
إلا أن نتائج المسوح كشفت عن جانب مشرق- فقد وجدنا أن معدلات توفر الكهرباء في المناطق الريفية قد تحسنت أثناء الصراع.
كيف؟
ببساطة- الطاقة الشمسية. ففي الوقت الذي تغطي فيه المصادر الثلاثة للبيانات شتى أوجه المشكلة، فإنها تشير جميعا إلى نشوء الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي، وكأكثر مصادر الكهرباء قدرة على المنافسة في البلاد.
كما تظهر النتائج أن الأسر الفقيرة لا تملك بدائل أخرى قادرة على الاستمرارية وعلى النقيض من الأسر الغنية التي يمكنها الاعتماد على المولدات الخاصة باهظة الثمن لتزويد منازلها الكبيرة وأجهزتها الكهربائية.
الخلاصة - تألق نجم الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة خلال أحلك الفترات التي مر بها اليمن وبات المثال الأبرز على نهج البنك الدولي "إعادة البناء بشكل أفضل" بينما سيتعين على قطاع الكهرباء دمج الطاقة الموزعة كجزء من أي عملية لإعادة الإعمار بعد الصراع . تجربة اليمن يمكن أن تكون ملهمة للبلدان التي مزقتها الصراعات مثل سورية، وأيضا لمن فروا من هذه الظروف ولجأوا إلى البلدان الأخرى.
انضم إلى النقاش