نشر في أصوات

الهجرة: المستقبل يعتمد على أعمالنا اليوم

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English  |   Español |   Français
Image
مئات اللاجئين والمهاجرين على متن قارب صيد يجري تصويرها قبل لحظات من إنقاذهم من قبل البحرية الإيطالية ضمن عملية مار نوستروم في يونيو حزيران 2014. من بين الآثار الحديث شديدة الوضوح للصراعات في جميع أنحاء العالم وما قد تتسبب فيه من معاناة، النمو الهائل في عدد اللاجئين الذين يبحثون عن الأمان من خلال القيام برحلات بحرية خطيرة، بما في ذلك في البحر المتوسط. © خفر السواحل الإيطالي / ماسيمو سيستيني


يعيش حاليا نحو 250 مليون مهاجر خارج بلدانهم الأصلية، ويشكلون حوالي 3.5% من سكان العالم . وعلى الرغم من التصور الواسع النطاق لأزمة الهجرة العالمية، فقد ظلت هذه النسبة مستقرة بشكل ملحوظ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتتخلف كثيرا عن المقاييس الرئيسية الأخرى للعولمة - التجارة الدولية، وتدفقات رؤوس الأموال، والسياحة وغيرها. وهناك إحصائية أكثر وضوحا هي أن اللاجئين ، حوالي 15 مليون شخص، يشكلون 6% من السكان المهاجرين و 0.2% فقط من سكان العالم . وبعبارة أخرى، يمكن أن تتسع لجميع اللاجئين في العالم مدينة تبلغ مساحتها 5000 كيلومتر مربع - أي ما يقرب من مساحة إسطنبول الكبرى أو لندن أو باريس – ويتبقى بعد ذلك مساحة أخرى.

وهناك سببان وراء هذا التصور للأزمة. أولا، يتركز المهاجرون ولا سيما اللاجئون تركيزا كبيرا، إذ تضم حوالي 10 بلدان من بلدان المقصد ثلثي جميع المهاجرين. ويزداد تركّز اللاجئين في بلدان المقصد، حيث يعيش أكثر من 80% منهم في البلدان المجاورة. وفي حين أن المستفيدين من الهجرة يبقون هادئين في العادة، فإن من يعملون ويعيشون في المناطق المتضررة أعلى صوتا.

ثانيا، الناس الذين يبدو شكلهم مختلفا ولا يمكنهم التصويت هم أهداف ملائمة للانتقاد عندما تتصاعد الأمور وتنشب الأزمات الاقتصادية. وعلى الرغم من عدم وجود دليل على ذلك، فإن الكساد الكبير أتاح للأسف فرصة لإلقاء اللوم على المهاجرين بسبب فقدان الوظائف وارتفاع البطالة والعجز المالي. ولم يكن الأمر كذلك بهذه البساطة.

????? ??????

إننا ننسى عادة أيضا ما يجلبه المهاجرون معهم. فأكثر من ثلث الفائزين بجائزة نوبل هم من المهاجرين. وكذلك منتخبات برشلونة، أو مانشستر يونايتد، أو ألمانيا، بطل كأس العالم، لن تكون موجودة في شكلها الحالي دون مهاجرين.  وإلى جانب شركات التكنولوجيا العالية البارزة مثل جوجل ومايكروسوفت، فإن العديد من الشركات العالمية ذات الاقتصاد القديم مثل ماكدونالدز وبيبسي وفايزر لديها مسؤولون تنفيذيون من المهاجرين. ويبدأ رواد أعمال مهاجرون مثل حمدي أولوكايا من شوباني شركات جديدة بأرقام قياسية، ويخلقون الملايين من فرص العمل، كما أن لديهم موهبة المخاطرة. بعد كل شيء، الهجرة نفسها هي مسعى عالي المخاطرة.

وبصرف النظر عن هذه النجوم التي تتلألأ في عالم العلوم والرياضة وأنشطة الأعمال، فإن المهاجرين يغيرون النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلدان التي يعيشون فيها، ويملأون الفجوات في القوى العاملة عبر مختلف مستويات المهارة والمهن. وهم يقومون بالوظائف الصعبة والقذرة التي لا يرغب فيها السكان الأصليون أو يقدرون على القيام بها. هذا هو الحال مع العمال الصناعيين الأتراك في ألمانيا بعد الحرب أو المزارع المكسيكية في كاليفورنيا أو الخادمات الفلبينيات في دول الخليج. فبدونهم، ستختفي قطاعات اقتصادية كثيرة، ويتعين على المستهلكين وأرباب العمل أن يتدافعوا في أوضاع مشوشة. الجميع سيكون أسوأ حالا.

نحن ننسى أن الهجرة ليست لعبة صفرية. ويبدو أننا نركز في الغالب على التكلفة، وخاصة عندما يتدفق الملايين من المهاجرين عبر حدودنا، وتتعرض الموازنات لضغوط؛ وترتفع الإيجارات، وتكتظ المدارس؛ ويفقد الناس وظائفهم للاجئين الذين سيقبلون ساعات أطول وأجور أقل؛ والأهم من ذلك، أن كراهية الأجانب تظهر وجهها القبيح. ومع ذلك، فإن الأدلة الأکادیمیة توضح مرارا کیف یساعد المھاجرون بلدان المقصد، والتأثیر العام یمکن أن یکون إیجابیا ضمن بیئة السیاسات الصحیحة.  ونظرا للحوافز والفرص المناسبة، لا يوجد شيء يمنع ظهور المزيد من الفائزين بجائزة نوبل ونجوم كرة القدم ورجال الأعمال العالميين بين المهاجرين الأكثر فقرا. ويمكننا أن نتتبع أمثلة العديد من الأشخاص البارزين الذين استفادوا كثيرا من بلدانهم الأصلية وبلدان المقصد. ويعتمد ما إذا كان المهاجرون مكسبا أو عبئا، باختصار، على الفرص التعليمية وفرص العمل والاجتماعية المتاحة لهم.


وأخيرا، هناك البعد الإنساني والأخلاقي. فعبارة "ضيف الله" هي واحدة من عباراتي المفضلة في لغتي الأم، التركية، حيث تخرج أفضل ما في شعب الأناضول. وعندما تهدأ الأوضاع في نهاية المطاف في سوريا أو أفغانستان أو هايتي أو الصومال، سيبقى بعض اللاجئين هنا، وسيعود البعض إلى ديارهم. وسوف تحدد سياساتنا وسلوكنا اليوم أي نوع من المواطنين أو الجيران سيكون لدينا في المستقبل. وكيف نريد أن يتذكرنا أطفالنا ويحكمون علينا؟ كمضيفين فاضلين أو جيران لامبالين؟ إن أعمالنا اليوم ستشكل هويتنا لعدة قرون. 

أنا مهاجر، أربي أطفالي في ثقافة مختلفة عن تلك التي نشأت فيها. وفي بعض الأيام أتوق للمنزل، وأيام أخرى أشعر أنني فزت في اليانصيب. أرى نفسي كمواطن عالمي، حيث شكلتني تجارب فريدة من مواقع مختلفة. وأرى مباشرة كيف تغير الهجرة الناس والمجتمعات. لا يمكننا الهروب من التغيير، ولكن في أيدينا جعل هذا التغيير إيجابيا.

نشرت نسخة أطول من هذه المقالة في العدد المائة الخاص من مجلة فوربس في تركيا. وسيصدر كتاب كاجلار أوزدن أحدث كتبه "الانتقال من أجل الرخاء: الهجرة العالمية وأسواق العمل"، الذي شارك في تأليفه ماثيس واجنر، في غضون بضعة أشهر.

موضوعات ذات صلة:

إلى أين تهاجر مواهب العالم؟

أنا مهاجر

تدفق مهارات العالم: الأسباب والتبعات لهجرة المهارات العالية

الهجرة والتنمية: دور من أجل مجموعة البنك الدولي


بقلم

تشاغلار أوزدن

مدير مشارك، تقرير عن التنمية في العالم 2023

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000