لأول مرة في التاريخ ينخفض عدد من يعيشون في فقر مدقع إلى أقل من 10 في المائة. ولم يكن العالم مطلقا طموحا بشأن التنمية كما هو اليوم. وبعد اعتماد أهداف التنمية المستدامة وتوقيع اتفاق باريس للمناخ في نهاية عام 2015، فإن المجتمع الدولي يتطلع الآن إلى أفضل الطرق وأكثرها فعالية للوصول إلى هذه المعالم. وفي هذه السلسلة التي تتكون من خمسة أجزاء، سأناقش ما تقوم به مجموعة البنك الدولي وما نخطط نحن للقيام به في المجالات الرئيسية الحاسمة لإنهاء الفقر بحلول عام 2030: وهي الحكم الرشيد، والمساواة بين الجنسين، والصراع والهشاشة، وخلق فرص العمل، وأخيرا الحيلولة دون تغير المناخ والتكيف مع تغير المناخ.
يرتفع منسوب مياه البحر في المناطق الساحلية ببنغلاديش. وتحتوي التربة على كميات متزايدة من الأملاح نظراً لزحف البحر على اليابسة. ونتيجةً لذلك، يرى المزارعون تراجعا في غلة محاصيلهم. وتتآكل المجتمعات المحلية مع انتقال البالغين في سن العمل إلى المدن. كما تختفي أسماك المياه العذبة، مما يؤدي إلى انخفاض كمية البروتين في الوجبات الغذائية المحلية. وفي موسم الجفاف، تضطر الأمهات إلى الاقتصاد في استخدام مياه الشرب لأطفالهن- ففي بعض المناطق، يصل ذلك إلى حد شرب كوبين فقط من المياه يومياً.
تؤخذ قضية تغيُّر المناخ أخيراً على محمل الجد في العالم المتقدم، إلا أنه يُنظر إليها بشكل عام على أنها تهديد مستقبلي يجب التعامل معه خلال السنوات القادمة. وأما بالنسبة للفقراء في البلدان الفقيرة، لاسيما من يعيشون على طول السواحل وفي دلتا الأنهار وعلى الجزر، فإن تغيُّر المناخ يمثل خطرا واضحا وقائما- وحقيقة حياتية مهيمنة بشكل متزايد.
وبدون اتخاذ إجراءات سريعة، تبدو الآفاق المستقبلية قاتمة. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن آثار تغيُّر المناخ، مثل تزايد تكرار الكوارث الطبيعية ونوبات الجفاف والفيضانات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، قد تدفع مائة مليون شخص آخرين إلى السقوط في براثن الفقر بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن تكون منطقتا أفريقيا وجنوب آسيا هما الأشد تضررا. ففي أفريقيا، قد يؤدي انخفاض غلة المحاصيل إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12 في المائة في منطقة ينفق سكانها ما يصل إلى 60 في المائة من دخلهم على الغذاء. النتيجة؟ زيادة معدل الإصابة بالتقزم الحاد بواقع 23 في المائة بسبب سوء التغذية.
وإذا كنا جادين في إنهاء الفقر المدقع وتنفيذ اتفاقية باريس حول المناخ، فعندئذٍ يتعين علينا التحرك الآن لمساعدة البلدان الفقيرة في مواجهتها آثار تغيُّر المناخ التي تتزايد سريعا. ويُعد صندوق البنك الدولي المعني بتوفير الموارد التمويلية للبلدان الأشد فقرا جزءاً من هذه الجهود، حيث يقوم بإدماج الإجراءات المتعلقة بالتصدي لتغيُّر المناخ والتنمية معاً بطريقة غير مسبوقة.
والأمر السار هو أننا نعرف الحلول القابلة للنجاح، وكثير من هذه الحلول يجري بالفعل تطبيقها على أرض الواقع. اسمحوا لي أن أسلط الضوء على ثلاثة مجالات رئيسية:
أولاً، الزراعة هي المصدر الرئيسي للدخل لسبعين في المائة من فقراء العالم في المناطق الريفية. وسيكون ضرورياً التوسع في استخدام الممارسات الزراعية المراعية للظروف المناخية إذا ما أرادت البلدان تحقيق الأمن الغذائي على المدى الطويل إلى جانب الحد من الفقر.
وفي السنغال، ساعد البنك الدولي العلماء على تطوير سبعة أصناف جديدة مقاومة للجفاف من الذرة البيضاء والدخن والتي تم تكييفها لتلائم أوضاع الزراعة المحلية. وفي المتوسط، تزيد غلة البذور الجديدة عن الأصناف التقليدية بما يتراوح من 1 إلى 1.5 طن لكل فدان. وقد تم توزيع هذه البذور على التعاونيات الزراعية في مختلف أرجاء البلاد.
ثانياً، يشكل تغيُّر المناخ والكوارث عقبات رئيسية في محاربة الفقر. وهذا هو أحد الأسباب وراء فحص جميع مشاريع البنك الدولي في البلدان الأشد فقرا للتصدي لهذه الأخطار كما يتم تعديل البرامج كلما أمكن ذلك. وبرامج الحماية الاجتماعية التي تكون مرنة بما يكفي للتصدي لآثار تغيُّر المناخ هي من الأدوات الأكثر فاعلية لبناء قدرة الناس على مجابهة الأزمات. عندما تسببت نوبات الجفاف التي شهدتها إثيوبيا في نقص الغذاء وحدوث مجاعة في عام 2011، قامت البلاد بتوسيع نطاق تغطية برنامجها لشبكة الأمان الإنتاجية من 6.5 مليون إلى 9 ملايين نسمة خلال شهرين فقط وتمديد أجل الإعانات من ستة إلى تسعة أشهر. ولا تزال شبكات الأمان هذه ميسورة التكلفة وقد قلصت من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات تدخلية إنسانية مكلفة.
وهناك حاجة ملحة أيضاً إلى بنية تحتية قادرة على مجابهة تغيُّر المناخ - طرق وجسور ومبانٍ يمكنها الصمود أمام تقلبات المناخ بالغة الشدة. وفي موزامبيق، ففي أعقاب إحداث الفيضانات أضرارا واسعة النطاق في عام 2013، عمل البنك الدولي مع الحكومة لضمان إنشاء الطرق وفق معايير عالية لمجابهة تغيُّر المناخ وساعد في تجريب تصميمات محسَّنة وتقنيات جديدة للصيانة.
أخيراً، هناك أيضا فرص جديدة للتصدي لتغيُّر المناخ والفقر آخذة في الظهور مع انخفاض سعر الطاقة المتجددة. فالطاقة الشمسية وغيرها من المصادر المتجددة تبشر بإمكانية توفير طاقة منتظمة وميسورة التكلفة في المناطق التي تعاني من نقص الخدمات، مثل المجتمعات المحلية الريفية والنائية والمناطق العشوائية الحضرية. ويمكن للطاقة المتجددة أن تساعد البلدان في ألا تظل حبيسة الاعتماد على الوقود الأحفوري والانبعاثات المرتفعة وهي تمضي في مسيرتها التنموية. وإننا في البنك الدولي نلتزم بإضافة 5 جيجا وات إلى قدرة الطاقة المتجددة الجديدة – أي ما يكفي لإنارة 25 مليون منزل- لصالح البلدان الأشد فقرا خلال السنوات الثلاث القادمة.
ومن المرجح أن تأتي بعض الحلول الأكثر ابتكاراً من البلدان والمجتمعات المحلية الأشد تضرراً لأنها تكافح من أجل التكيُّف مع تغيُّر المناخ. وستكون لدور المرأة أهمية خاصة. إذ إن النساء أكثر عرضة من الرجال لآثار تغيُّر المناخ، لكنهن يقمن في الوقت ذاته بدور قيادي - على سبيل المثال، بإنشاء جمعيات تعاونية للمياه وتجريب تقنيات زراعية جديدة واستخدام مؤسسات صغيرة لتحويل الطاقة إلى كهرباء خارج نطاق الشبكة.
وتستحق هذه المجتمعات المحلية والبلدان، التي تقع في الخطوط الأمامية لتغيُّر المناخ، مساندتنا بشكل كامل. فعدم التحرك ليس خيارا متاحا. وفي عالم مترابط، يمكن أن يسهم تغيُّر المناخ في تقلب/ارتفاع أسعار المواد الغذائية والصراعات والهجرة- التي يمكن أن تنتقل بسهولة عبر الحدود. وبالتالي، لا يُعد التأخير خيارا. ولدينا الآن فرصة سانحة لمساعدة البلدان الفقيرة على زيادة قدرتها على مجابهة تغيُّر المناخ والاستعداد لذلك. وستكون السنوات القليلة القادمة بالغة الأهمية. فكلما طال انتظارنا، كلما ارتفعت التكلفة في الموارد والإرادة السياسية والأهم المعاناة الإنسانية.
انضم إلى النقاش