في العالم المعاصر، تتطلب العديد من المعاملات اليومية - مثل فتح حساب مصرفي، والتسجيل بالمدارس، وتفعيل شرائح الاتصال الهاتفي أو الهاتف المحمول، والحصول على وظيفة رسمية، أو تلقي تحويلات اجتماعية - أن يقدم الأفراد المعنيون ما يثبت هويتهم. وبالنسبة لحوالي 1.5 مليار شخص في بلدان العالم النامية ممن لا يمتلكون وثائق إثبات للهوية (بيانات البنك الدولي، 2016)، فإن ذلك يخلق عقبة كؤودا تحول دون مشاركتهم الكاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرسمية. وكما هو الحال بالنسبة للأفراد، فإن الحكومات تحتاج أيضا أنظمة قوية وآمنة لتحديد الهوية بغرض أداء الوظائف الأساسية للدولة، وإدارة العديد من البرامج والخدمات الحيوية من أجل التنمية، بما في ذلك التحويلات الاجتماعية، والتعليم، والرعاية الصحية، والاستجابة لحالات الطوارئ و الكوارث.
وقد أدى تزايد الوعي بالحاجة إلى أنظمة قوية أكثر شمولا لتحديد الهوية إلى إطلاق دعوة عالمية للعمل، كما ينص الهدف الفرعي 16.9 من أهداف التنمية المستدامة: "توفير هوية قانونية للجميع، بما في ذلك تسجيل المواليد، بحلول عام 2030". ومع تزايد الاهتمام العام، فقد سلط عدد من المبادرات الناجحة من مختلف أنحاء العالم الضوء على المنافع التنموية لتوفر أنظمة موثوقة لتحديد الهوية :
• في تايلند، ساعد رقم الهوية الوطنية الحكومة على تحقيق التغطية الصحية الشاملة، بحيث أدى إلى زيادة كفاءة تكلفة خدمات توفير الرعاية الصحية وجعلها في المتناول.
• اُستخدم نظام بطاقات الهوية في باكستان بفاعلية في تقديم خدمات الاغاثة من الفيضانات ومساندة النازحين والمشردين.
• أتاح النظام الشامل للتسجيل وتحديد الهوية في بيرو فرصا جديدة لأطفال الشعوب الأصلية والمهمشين.
• وفي الهند، أدى نظام تحديد الهوية والتوثيق في ولاية أداهار إلى تمكين ملايين الأفراد من فتح حسابات مصرفية، وساعد الحكومة على إصلاح برامجها للتحويلات الاجتماعية.
بيد أن المسار إلى إيجاد أنظمة قوية لتحديد الهوية وبلوغ الهدف الفرعي 16.9 من أهداف التنمية المستدامة ليس واضحا دائما. ففي الماضي، ركز العديد من البلدان ووكالات التنمية والمنظمات غير الحكومية على أنظمة تحديد الهوية من منظور وظيفي ضيق، مما أدى في إلى إنشاء أنظمة مجزأة عديمة الكفاءة لتحديد الهوية وذات تغطية محدودة. وفي ضوء حجم الفجوة العالمية وتعقد القضايا المرتبطة بأنظمة تحديد الهوية، من غير الممكن لأي بلد أو منظمة دولية أو منظمة غير حكومية، أو الشركاء من القطاع الخاص أن يتغلب على هذا التحدي من خلال العمل بمفرده - ويقتضي ذلك رفع مستوى التنسيق على الأصعدة العالمية والإقليمية والوطنية.
علاوة على ذلك، لا يوجد "نموذج واحد" قابل للتطبيق عالميا لتوفير أنظمة لتحديد الهوية وإدارتها. وأمام واضعي السياسات مجموعة متنوعة من الترتيبات القانونية والمؤسسية والتكنولوجية للاختيار من بينها، لكل منها مجموعة من المزايا والعيوب. وفي الوقت نفسه، فإن التكنولوجيا تتقدم بسرعة، مما يسفر بدوره عن نشوء فرص وتحديات جديدة. وقد أصبح استخدام التكنولوجيا الرقمية والسمات البيولوجية مثل بصمات اليد، ومسح قزحية العين أكثر انتشارا ، كما أدى تحسن الربط الشبكي في العديد من البلدان النامية إلى حفز الطلب على التحقق عن بُعد من المستخدمين.
ويتطلب هذا التنوع والتحول المستمر فهما مشتركا لخصائص أنظمة تحديد الهوية تجعلها مفيدة لعملية التنمية، والتزاما من جانب شتى أصحاب المصلحة ببناء أنظمة تفي بهذه المعايير.
ومع أخذ هذا الهدف بعين الاعتبار، قام أكثر من 15 منظمة عالمية بتطوير مجموعة من المبادئ المشتركة الأساسية لتعظيم منافع أنظمة تحديد الهوية من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك التخفيف من وطأة العديد من المخاطر.
وبصياغة هذه المبادئ وإقرارها من خلال سلسلة من المشاورات، فإن هذه المنظمات تكون قد خطت خطوة مهمة نحو تحقيق توافق واسع في الآراء بشأن التصميم المناسب لأنظمة تحديد الهوية وكيفية استخدامها في دعم تطوير وبلوغ أهداف متعددة للتنمية المستدامة.
وبتطبيق هذه المبادئ، سيكون أصحاب المصلحة المباشرة، بما في ذلك مجموعة البنك الدولي، من خلال مبادرتها تحديد الهوية من أجل التنمية (ID4D)، في وضع أفضل لمواءمة دعمهم للأنظمة الوطنية لتحديد الهوية وفقا لمجموعة من القيم والمعايير المشتركة.
وهذه المبادئ ليست سوى بداية لما نتصور أنه عملية لمواصلة التعاون والتشاور فيما بين مجموعة موسعة من أصحاب المصلحة. وكما هو الحال مع الأنظمة الناجحة لتحديد الهوية، فإننا نرى أن هذه المبادئ يجب أن تتطور بمرور الوقت مع توفر تكنولوجيات جديدة وظهور دروس مستفادة من عملية التنفيذ. ولذلك، فقد اتفقنا على الاجتماع معا بصورة دورية لدمج أساليب التعلم الجديدة في هذه المبادئ، وتدعيم التعاون الدولي بغرض توفير هوية قانونية للجميع.
انضم إلى النقاش