نشر في أصوات

الاقتصادات الخمسة والسبعين الأكثر تعرضاً للمخاطر تتخلف عن الركب على الرغم من النمو العالمي القادر على الصمود

الصفحة متوفرة باللغة:
هاتف محمول يعرض الخريطة. | © بريان ماكجوان / Unsplash تُلقي مواطن الضعف التي كانت سائدة قبل الجائحة، والأزمات المتداخلة الأخيرة، والمشكلات الأوسع نطاقاً بظلالها الثقيلة على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. | حقوق الطبع والنشر © بريان ماكغوان/أنسبلاش

في ظل سلسلة غير مسبوقة من الصدمات، أظهر الاقتصاد العالمي قدرة استثنائية على الصمود حتى الآن. ويبدو أن التضخم العالمي آخذ في التراجع، حيث جاء أداء معظم الاقتصادات أفضل مما كان متوقعاً قبل بضعة أشهر فقط. ونادراً ما حدث في التاريخ أن تم إيقاف دوامة التضخم العالمي مقابل هذا القدر المحدود من الصعوبات.

وهذه هي الأخبار السارة أو هكذا يبدو الأمر. غير أن ما لم يلاحظه أحد إلى حد كبير هو محنة الاقتصادات الخمسة والسبعين الأكثر فقراً وتعرضاً للمخاطر - وهي تلك المؤهلة للحصول على المنح والقروض منخفضة الفائدة من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي. وتُعد هذه الاقتصادات موطناً لربع سكان العالم - وهي في خضم انتكاسة اقتصادية غير مسبوقة حتى مع وجود توقعات إيجابية على المدى القريب لغيرها من الاقتصادات. وبالإضافة إلى أن هذا الأمر يمثل مصدر قلق إنساني، فإنه يعد بمثابة أخبار سيئة للاقتصاد العالمي - لأن النمو العالمي على المدى الطويل سيعتمد كثيراً على ما يحدث في هذه الاقتصادات، وأيضاً لأن ارتفاع مستوى ما تعانيه من صعوبات يمكن أن يمتد إلى خارج حدودها الوطنية.

 

الشكل 1. النمو والدخل

 
 
المصدر: البنك الدولي‬‬‬‬
ملحوظة: EMDEs = اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية؛ FCS = البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية؛ IDA = البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية؛ LICs = البلدان منخفضة الدخل المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية؛ SS = الدول الصغيرة المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. تُحتسب إجماليات الناتج المحلي باستخدام الأوزان الترجيحية لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمتوسط أسعار الدولار الأمريكي وأسعار صرف السوق في السنوات 2010-2019. ب. تشمل العينة 71 بلداً مؤهلاً للاقتراض من المؤسسة..

ويُلقي المزيج المؤلف من مواطن الضعف التي كانت سائدة قبل الجائحة، والأزمات المتداخلة الأخيرة، والمشكلات الأوسع نطاقاً، ومنها آثار تغير المناخ وارتفاع مستوى العنف والصراع، عبئاً ثقيلاً على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة، ومن المتوقع أن تشهد هذه البلدان بنهاية عام 2024تحقيقَ أضعف معدل نموٍ لها على مدى خمس سنوات منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي (الشكل 1). وحالياً يعاني بلد واحد من كل ثلاثة من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة من زيادة معدلات الفقر مقارنة بالوضع عشية تفشي جائحة كورونا. ففي الفترة بين عامي 2020 و2024، توقف التقارب في مستويات الدخل بالنسبة للاقتصادات المتقدمة بشكل أساسي، ومن المتوقع أن تحقق نصف البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة نمواً في نصيب الفرد بوتيرة أبطأ من الاقتصادات المتقدمة خلال هذه الفترة (الشكل 2).

 

الشكل 2. تقارب مستويات الدخل

 
 
المصدر: البنك الدولي
ملحوظة: IDA = البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. تُحتسب إجماليات الناتج المحلي باستخدام الأوزان الترجيحية لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمتوسط أسعار الدولار الأمريكي وأسعار صرف السوق في السنوات 2010-2019. تشمل العينة 71 بلداً مؤهلاً للاقتراض من المؤسسة..

وتبلغ معدلات الفقر المدقع في هذه البلدان ثمانية أضعاف معدلها في بقية أنحاء العالم، كما تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع أو سوء التغذية منذ عام 2019 ليصل إلى 651 مليوناً (الشكل 3). وهذا العدد يمثل 92% من إجمالي الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من نصف هذه البلدان يواجه خطر كبيراً يهدد ببلوغها مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل. وفي الوقت الذي يشهد فيه عدد من الاقتصادات الرئيسية نمواً إيجابياً ومفاجئاً، يتم في المتوسط تعديل التوقعات قصيرة الأجل بالنقصان للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة.

 

الشكل 3. انعدام الأمن الغذائي والفقر

 
 
المصادر: (قاعدة بيانات) التقرير العالمي بشأن الأزمات الغذائية؛ وماهلر ولاكنر (2022)؛ ومنصة البنك الدولي المعنية بالفقر وعدم المساواة.
ملحوظة: CHN = الصين؛ EMDEs = اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية؛ IDA = البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية؛ IND = الهند. تُحتسب إجماليات الناتج المحلي باستخدام الأوزان الترجيحية لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمتوسط أسعار الدولار الأمريكي وأسعار صرف السوق في السنوات 2010-2019. أ. تشمل العينة بيانات عن نحو 50 بلداً مؤهلاً للاقتراض من المؤسسة. ب. تشمل العينة نحو 75 بلداً مؤهلاً للاقتراض من المؤسسة، و83 من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية باستثناء المؤهلة للاقتراض من المؤسسة. العالم يشمل 158 بلداً. 

تؤدي البيئة الخارجية الصعبة إلى تفاقم التحديات التي تواجه البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، حيث تتزايد وتيرة الصراعات وحلقات العنف، مما يقوض الاستقرار في هذه البلدان. كما أن احتياجاتها الاستثمارية آخذة في الارتفاع، وخاصة ما يتعلق منها بالتصدي لتغير المناخ الذي يتعرض له العديد من هذه الاقتصادات بصورة أكبر من غيرها. وفي هذه البيئة، يعد ترسخ الركود هو الخطر الرئيسي الذي يهدد تلك البلدان.

لكن هناك أسباباً تدعو للتفاؤل؛ فمنذ عام 1960 خرج 36 بلداً بنجاح من فئة البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، منها بعض أكبر اقتصادات العالم مثل الصين والهند وكوريا. وتتمتع البلدان المؤهلة حالياً للاقتراض من المؤسسة أيضاً بإمكانات هائلة، وأولها القدرات البشرية، حيث يتوقع أن ينمو عدد السكان في سن العمل في هذه البلدان بشكل ملحوظ خلال العقود الخمسة القادمة، في حين أنه يتراجع في الاقتصادات المتقدمة وغيرها من الاقتصادات النامية (الشكل 4). ويتمتع العديد من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية أيضاً بثروات طبيعية ضخمة، منها بعض الموارد التي ستكون ضرورية للتحول في مجال الطاقة. ومن توافر مكانات الطاقة الشمسية إلى المعادن الحيوية، تتمتع اقتصادات البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة ببعض المزايا النسبية الكبيرة.

وبطبيعة الحال، فإن النجاح في تحقيق الميزات الديمغرافية والاستفادة من مزايا الموارد الطبيعية ليس بالمهمة السهلة. وهناك مخاطر واضحة، كما أن هناك الكثير من الشواهد التحذيرية. فإدارة الموارد الطبيعية تتطلب أطراً مؤسسية وتنظيمية قوية، كما يعد توفير رعاية صحية وتعليمية عالية الجودة أمراً حيوياً للاستفادة من التركيبة السكانية المواتية.

وفي نهاية المطاف، ستكون زيادة الاستثمارات هي العنصر الرئيسي لهذه البلدان لإطلاق العنان لإمكاناتها، والتصدي للتحديات المتزايدة مثل تغير المناخ، والتحرك نحو مستقبل أكثر إشراقاً على نحو مستدام. وكان نمو الاستثمار في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية ضعيفاً بوجه عام في السنوات الأخيرة، فالاستثمار العام والخاص ضروريان، وجودة الاستثمار أيضاً مهمة. وقد تبين أن تنفيذ برامج شاملة لإصلاح السياسات العامة يزيد من احتمال حدوث نمو قوي في الاستثمار لفترة طويلة.

 

الشكل 4: الميزات الديمغرافية واحتياجات الاستثمار

 
 
المصادر: (قاعدة بيانات) التوقعات السكانية العالمية للأمم المتحدة؛ والبنك الدولي..
ملحوظة: IDA = البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. أ. المتوسطات المرجحة بعدد السكان. يُعرَّف السكان في سن العمل بأنهم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً. توضح الأعمدة تقديرات احتياجات الاستثمار السنوية لبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ ووضع البلدان على المسار الصحيح لخفض الانبعاثات بنسبة 70% بحلول عام 2050. 

ولا يوجد حل واحد يناسب جميع البلدان من أجل تسريع وتيرة الاستثمار. وغالبا ما تشتمل حزم السياسات الفاعلة على تدابير لتحسين اختلالات المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية على نحو دائم، وتأمين استقرار جوانب الاقتصاد الكلي، والنهوض بمجموعة من الإصلاحات الهيكلية - منها تدعيم المؤسسات، وتحسين مستوى إدارة الموارد الطبيعية، وتنمية رأس المال البشري، وتعزيز المساواة بين الجنسين واحتواء الشباب، والتصدي لتغير المناخ. كما يُعد تعزيز الاستقرار أيضاً من العوامل المساهمة المهمة بالنسبة للعديد من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. ويشكل تسلسل الإجراءات التدخلية المتعلقة بالسياسات أحد الاعتبارات المحورية، ويتوقف على الظروف الخاصة بكل بلد. ولكن على الرغم من الظروف الصعبة، فإن هذه البلدان تتمتع باستقلال إرادتها ويمكنها المضي قدماً في تحقيق العديد من هذه الأهداف.

وللمجتمع العالمي أيضاً دور مهم يؤديه، ففي ظل ظروف دولية ومحلية حافلة بتحديات غير مسبوقة، ينبغي استكمال الجهود التي تبذلها البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية على صعيد السياسات بتوفير تمويل دولي كبير ومستمر. وإذا تمكنت البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية من الاستغلال الأمثل لميزاتها الديمغرافية القوية وثروتها من الموارد، فإن ذلك لن يكون داعماً لتنميتها فحسب، بل سيكون داعماً لتحقيق الأهداف العالمية.

وهناك أيضاً ضرورة لتعزيز التعاون الدولي بشأن القضايا العالمية، وذلك من أجل تهيئة البيئة التي يمكن فيها للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الازدهار في ظلها. ومن الأهمية بمكان إحراز تقدم دولي في التصدي لتغير المناخ، وتعزيز التجارة الدولية القائمة على القواعد، وضمان عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية بدقة وعلى نحو أكثر فاعلية، ومواجهة تزايد انعدام الأمن الغذائي والصراع.

ويعد إحراز تقدم في جميع هذه المجالات ضرورياً لإعطاء الاقتصادات المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية أفضل فرصة لمستقبل أكثر إشراقاً، فإحراز التقدم في هذه البلدان أمر حتمي إذا أريد للعالم أن تتاح له فرصة معقولة لتأمين السلام والرخاء على المدى الطويل.


تومي كرايمز

خبير اقتصادي أول في مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية

برام غوتجيس

خبير اقتصادي في مجموعة الآفاق الاقتصادية التابعة لمجموعة البنك الدولي

أيهان كوسى

نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي ومدير مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية

كوليت ويلر

خبيرة اقتصادية أولى بالبنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000