كانت طوابير الشاحنات، التي غالباً ما يبلغ طولها مئات المركبات، مشهداً متكرراً عند العديد من المعابر الحدودية في بداية جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وأصبح أيضاً الحجر الصحي للحاويات في الموانئ البحرية وتزايد حالات تأخير البضائع التي تفرض عليها بعض القيود، بما في ذلك الأدوية ومعدات الوقاية الشخصية، من الأمور الشائعة. وقد ساعدت الإصلاحات الرامية إلى التغلب على هذه المعوقات اللوجستية العديد من البلدان على دعم تدفقات التجارة. بالإضافة إلى ذلك، من شأن اتخاذ مزيد من تدابير تيسير التجارة - مثل تبسيط عمليات التصدير والاستيراد وتحديثها وتنسيقها - أن تلعب دوراً رئيسياً في مساعدة البلدان على إعادة البناء على نحو أفضل وأن تصبح أكثر قدرة على الصمود في مواجهة حالات الطوارئ في المستقبل.
التوافق مع المعايير الدولية
عندما انتشر فيروس كورونا، سارعت وكالات التجارة إلى زيادة الاشتراطات والضوابط لاكتشاف السلع التي تحمل الفيروس. وفي كثير من الأحيان، لم تكن التغييرات متسقة، بل تعارضت أحياناً مع بعضها بعضاً. وفي معظم البلدان، أصبحت الإجراءات التي تتخذها البلدان على الحدود أكثر تعقيداً واستهلاكاً للوقت، مع تأخر العديد من السلع من أجل إعطاء الأولوية للسلع الضرورية المتعلقة بفيروس كورونا. بالإضافة إلى ذلك، تعين على الهيئات الحكومية حماية صحة الموظفين وأولئك الذين يتعاملون عادة وجهاً لوجه على الحدود وسلامتهم، وفوق كل هذا التعامل مع نقص الموظفين بسبب المرض.
تهدف اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن تيسير التجارة إلى التصدي لهذه الأنواع من التحديات. وتتضمن الاتفاقية أحكاماً لزيادة وتيرة حركة السلع، والإفراج عنها، وتخليصها في الجمارك، بما في ذلك السلع المنقولة. وهي تحدد أيضاً تدابير للتعاون الفعال بين الجمارك وهيئات المنافذ الحدودية الأخرى والسلطات المختصة بشأن تيسير التجارة ومسائل الامتثال للنظم الجمركية. ودفعت الضرورة الملحة للأزمة العديد من البلدان إلى تسريع تنفيذ هذه التوصيات ودعم أنشطة تجارة أكثر كفاءة عبر الحدود.
الشفافية
في أثناء كورونا، وضعت اتفاقية تيسير التجارة مقياساً للشفافية. وأنشأت بعض الحكومات مواقع جديدة على شبكة الإنترنت أو نقاط استفسار لتوفير معلومات عملية عن إجراءات الاستيراد والتصدير والتجارة العابرة وإتاحة النماذج والمستندات المطلوبة. وشرعت حكومات أخرى في إجراء مشاورات منتظمة مع أصحاب المصلحة.
وذهبت بعض الحكومات إلى أبعد من ذلك وعينت محققاً في الشكاوى للعمل مباشرة مع مستوردي السلع العاجلة. وبغية تلبية الحاجة إلى التباعد الاجتماعي، أنشأت بعض البلدان قنوات لتبادل المعلومات بين التجار ومسؤولي الجمارك الذين يعملون من المنزل - عن طريق البريد الإلكتروني والاجتماعات الافتراضية.
الإجراءات على الحدود
سرعان ما اتخذت العديد من الحكومات تدابير مبتكرة ومرنة للحفاظ على استمرار تدفق التجارة عبر الحدود - لا سيما لضمان عدم تأخير السلع الضرورية مثل اللقاحات، والأجهزة الطبية، والأدوية، والمنتجات الغذائية. وتضمنت بعض هذه الإجراءات تبسيط النماذج والإجراءات المطلوبة، والتنازل عن الرسوم والمصروفات أو تأجيل سدادها، وقبول النسخ المصورة بالماسح الضوئي من الشهادات وغيرها من الوثائق الداعمة، وزيادة وتيرة التحول الرقمي في الإجراءات على الحدود.
وقد تم الجزء الأكبر من عملية التحسين عندما تولت لجنة تيسير التجارة الوطنية قيادة عملية الابتكار - وهو حوار مطلوب بين القطاعين العام والخاص وآلية قيادة تابعة لاتفاقية تيسير التجارة بغية تسهيل التنسيق على المستوى المحلي وتنفيذ أحكام هذه الاتفاقية - وتعميمه على مستوى جميع هيئات المنافذ الحدودية. علاوة على ذلك، أظهرت جائحة كورونا ضرورة إشراك وزارات الصحة بشكل كامل في تصميم الأنظمة الخاصة باللقاحات والمنتجات الطبية وتبسيطها.
تعاون هيئات المنافذ الحدودية
أشار استقصاء أجرته مؤخراً منظمة التجارة العالمية بشأن تيسير التجارة وفيروس كورونا إلى أن التعاون بين هيئات المنافذ الحدودية يُعد أحد أهم العوامل لتيسير التجارة في أثناء جائحة كورونا. على سبيل المثال، من شأن التنسيق بين هذه الهيئات من أجل إجراء عملية تفتيش مشتركة واحدة أن يؤدي إلى توفير الوقت والتكاليف.
التنسيق بين القطاعين العام والخاص
في العديد من البلدان، تم تشكيل فرق عمل خاصة بفيروس كورونا لإدارة جميع المهام المتعلقة بالجائحة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في البلدان التي لا توجد فيها آلية للتنسيق مع هيئات المنافذ الحدودية لضمان سرعة تخليص البضائع، كان على القطاع الخاص في كثير من الأحيان الحصول على موافقات متعددة وتقديم مستندات مكررة. ويتطلب خفض تكاليف التجارة على الحدود نهج شراكة بين القطاع الخاص والحكومة لضمان تحديد التحديات التي تواجه التجارة والتحقق من صحة إصلاحات تيسير التجارة.
التحول الرقمي
أوضح الاستقصاء الذي أجرته منظمة التجارة العالمية أيضاً أن التدابير الرقمية، مثل "النوافذ الإلكترونية الموحدة"، ساعدت البلدان في أثناء الأزمة وما سيأتي بعدها. وهذه النوافذ الموحدة هي منصات على شبكة الإنترنت تعمل على تحويل الإجراءات التجارية إلى العمل إلكترونياً واستبدال الحاجة إلى العمليات المادية واليدوية والتي تحدث فيها ازدواجية. وتلعب المنصات الرقمية دوراً مهماً في تسريع الإجراءات على الحدود، مما يتيح العمل بسلاسة وتقليل الحاجة إلى الاتصال المادي بين هيئات المنافذ الحدودية والتجار.
وتعمل النوافذ الموحدة أيضاً على تعزيز الشفافية من أجل أنشطة التجارة. وفي كثير من الأحيان، تتيح منصات النوافذ الإلكترونية الموحدة الحصول على المعلومات المتعلقة بالتجارة، مما يضمن إمكانية وصول جميع التجار، بما في ذلك الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والتجار من النساء، الذين تضرروا بشدة من الأزمة إلى جميع الإجراءات الرسمية. إن الإصلاحات التي تهدف إلى تيسير التجارة في مرحلة ما بعد الجائحة لتحقيق التحول الآلي في الإجراءات على الحدود وتعميمها، وتبسيط الرسوم، وتعزيز إدراج المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والتجار من النساء سيكون لها أكبر الأثر في تحفيز عملية التعافي.
تساعد مجموعة البنك الدولي، من خلال برنامج دعم تيسير التجارة البلدان في تحقيق عملية ناجحة للتحول الآلي من خلال المساعدة في وضع خريطة طريق للنافذة الوطنية الموحدة (للأمور القانونية، والحوكمة، ومراجعات عمليات الأعمال، والبنية التقنية، وما إلى ذلك)، وتحفيز تحقيق توافق في الآراء بين أصحاب المصلحة، بين كل من القطاعين العام والخاص، من أجل الإصلاح.
تحسين القدرة على الصمود وضمان الاستدامة
مع خروجنا من أزمة كورونا، يمكن أن تساعد تدابير تيسير التجارة الإضافية في جعل التدفقات التجارية أكثر قدرة على الصمود. إن اتباع نهج شامل على مستوى "الحكومة بأكملها" لتيسير التجارة ووضع إستراتيجية وطنية لتيسير التجارة سيساعد البلدان على التعافي بسرعة أكبر. ومن شأن الإصلاحات المستدامة، مثل لجنة تيسير التجارة الوطنية، أن تساعد البلدان في تنفيذ الإجراءات المطلوبة في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن التحول الرقمي في الإجراءات التجارية وتبسيطها - مما يوفر الوقت وتكاليف مزاولة الأعمال - سيعزز في نهاية المطاف القدرة التنافسية ويساعد البلدان على المشاركة على نحو كامل في الاقتصاد العالمي.
في الواقع، تتمتع مجموعة البنك الدولي بوضع فريد يمكّنها من دعم البلدان من خلال برنامجها الرائد: برنامج دعم تيسير التجارة
انضم إلى النقاش