كتبت أمي مانيل كريستينغ في مذكراتها تصف ما يعنيه فقدان أحد الأحباء في كارثة موجات تسونامي "ما تحتفظ به في أعماق قلبك لا تفقده بالموت. يوم 26 ديسمبر/كانون الأول، 2004، رحل عنا برازانا وترك لي فراغا دائما وحزنا مؤلما ساكنا."
برازانا هو شقيقي وحين نحيي ذكراه السنوية بطقوس دينية لن تكون أمي معنا. فقد رحلت عنا هي الأخرى في وقت سابق من العام الحالي. كان برازانا هو حصننا وكانت صدمة موته عميقة إلى درجة أننا قضينا سبع سنوات قبل أن نستطيع إعادة بناء منزلنا الحبيب والعودة إليه. وكانت أمي سعيدة بعودتها إلى المنزل التي دخلته عروسا عام 1994 لكنها رفضت بشدة الذهاب إلى الشرفة أو السير على الشاطئ وهو ما كانت تفعله مرتين يوميا قبل كارثة تسونامي.
وكما فعلت أمي، كان لدى كل منا آلياته الخاصة للتعامل مع الألم. إن الحزن مازال دفينا داخلي لكن في هذا الوقت من السنة تجحظ العيون وتستيقظ مشاعر الرعب. إذ أستعيد تدريجيا الصور التي تصبح حية دقيقة ومرعبة. ومثل الأفلام القديمة البطيئة ، فإنها تظهر ببطء... وتعود الكوابيس.
لن ينسى كثير من الناجين التيار الجارف من المياه العطنة التي تزكم رائحته الأنوف والرعب الذي تملّكنا وأصابنا بالشلل وكل منا يفكر "هل سأنجو من هذا؟" شقيقي برازانا وكريسينتا فرناندو زميلي بمكتب البنك الدولي في كولومبو مجرد اثنين من الآلاف الذين ابتلعهم البحر في كارثة موجات تسونامي عام 2004. وبالنسبة للكثيرين ممن فقدوا أحباءهم فإن الجروح مازالت عميقة. فحالما أرى شخصا يشبه برازانا من الخلف أو فتاة تلعب التنس تذكرني بتعليقات كريسينتا المضحكة تبدأ الجراح في النزيف.
كان دوري هو الاحتفاظ بهدوئي ومساعدة أسرتي وكذلك الآخرين من المصابين. وكانت من الأمور المذهلة - كما تبدو الآن - أنه بعد ساعة ونصف الساعة فقط من وقوع كارثة تسونامي شاهد جميع من أعرفهم في دائرتي طبيبا خاصا يعالج الإصابات ويقطب الجروح ويحقن بالتيتانوس ويقدم الأدوية. وقام حانوتي القرية، الذي جهّز جثمان أخي، بحرق جميع ملابسه خوفا من العدوى وعثر على مفاتيح سيارتي وسط الرماد. بسبب ممارسات كهذه، لم تسجل البلاد أي وفيات أخرى بسبب أمراض متعلقة بتسونامي أو تأخّر العلاج الطبي.
وتلقى مكتب البنك الدولي في كولومبو ضربة شديدة بخسارته كريسينتا. فلم يكن مجرد خبير اقتصادي ماهر بل كان أكثر من كسب حب زملائه وإعجابهم. نجت زوجته أرييل لكن جثمان كريسينتا لم يُعثر عليه أبدا. وأقيم قداس مؤثر لذكراه في مكتبه وأتذكر والده وهو يمد يديه ويقول لي "أرتدي ملابسه، قمصانه وسراويله وحتى أحذيته، كي أشعر أنه قريب مني." وتذكرني هذه الفترة أيضا بما لقيته من مساندة من المدير القطري حينئذ بيتر هارولد ومستشارة العلاقات الخارجية ديل لوتنباخ. عدت إلى العمل بعد سبعة أيام من وقوع الكارثة وكانت الاتصالات متقطعة في هذه الفترة. وكنت أجد بيتر كثيرا ما يقف عند باب مكتبي حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر يحثني على العودة إلى المنزل مبكرا.
بينما أكتب الآن تعود بي الذاكرة إلى تلك الفترة وأنا أستلقي على حاشية على الأرض في المنزل الذي لجأنا إليه وكل عظمة من عظامي تؤلمني. كنت أخشى من أن أذرف ولو دمعة واحدة، خوفا من أني قد لا أستطيع التوقف. الوطاويط تبكي وبومة تصيح ورائحة فأر نافق على الأرض في مكان ما تأتي كلما تغير اتجاه الريح. وكي أحافظ على صحتي العقلية كنت أردد تكرارا جملة أتذكرها عن والدي "حتى هذا اليوم سيصبح ذكرى". كان ضوء النهار يأتي بعد زمن طويل.
وحتى حين تجمّعنا لإحياء ذكرى برازانا العاشرة، سيبقى كريسينتا حيا في ذاكرتنا. لا شك أني سأغرق في الذكريات لكني على ثقة بأنه حين يأتي ذلك سيكون الوضع كما قالت أمي "ما تحتفظ به في أعماق قلبك لا تفقده بالموت."
انضم إلى النقاش