أطلق الخبير الاقتصادي البريطاني اللورد نيكولاس ستيرن على تغير المناخ "أكبر فشل للسوق شهده العالم على الإطلاق". فعدم تحديد ثمن للانبعاثات الكربونية لا يترك للسوق سبيلا للتصدي للأضرار الناجمة عن هذه الانبعاثات. ومع عدم فرض ثمن للأنشطة الضارة، لا يجد المشاركون في السوق حافزا على السعي للحصول على بدائل أقل ضررا. ولكن لحسن الحظ، فإن هذا الوضع آخذ في التغيّر.
وقد طبقت نحو 40 حكومة وطنية وأكثر من عشرين حكومة دون الوطنية (ولائية ومحلية) على مستوى العالم أنظمة تسعير للكربون، أو وضعت جدولا لتنفيذها. وتقدر برامج تسعير الكربون في العالم بنحو 30 مليار دولار، مع إيواء الصين لثاني أكبر مجموعة لأسواق الكربون في العالم حيث تغطي ما يعادل 1115 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لتحل ثانية بعد برنامج الاتحاد الأوروبي للإتجار في الانبعاثات الكربونية والذي يغطي 2309 ملايين طن.
يحمل هذا التقدم أخبارا سارة، وتمثل زيادة نشر تسعير الكربون عنصرا أساسيا. فتحديد ثمن للكربون يحد من انبعاثاته ومن التكاليف المتصلة بهذه الانبعاثات، وهي التكاليف التي يتحملها الجميع في نهاية المطاف، بما في ذلك الشركات والمجتمعات، وذلك من خلال طائفة من الآثار الناجمة عن تغير المناخ.
لكن سعر الانبعاثات الكربونية ينبغي أن يبعث برسالة اقتصادية قوية تحفز أفضلية الاستثمار في البدائل منخفضة الكربون. فتحديد سعر بخس قصير الأجل وغير مستقر لا يشجع الاستثمار منخفض الكربون.
وهذا هو السبب في أن إرسال إشارة بسعر فعال للكربون يشكل عاملا مهما للمستثمرين. فعندما يُفرض على الوقود التقليدي ثمن يليق بانبعاثاته، فإن الطاقة منخفضة الكربون والمتجددة يمكن أن تنافس مع مرور الزمن على قدم المساواة.
وبالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في توليد الطاقة منخفضة الكربون، فإن سعر الكربون يقدم للمستثمرين أيضا ما يحفز على ممارسة أنشطة أخرى منخفضة الكربون، كسحب الحوافظ من الاستثمارات مرتفعة الكربون بعد أن تكون صورة التكلفة الاقتصادية للاستحواذ على أصول مرتفعة الكربون قد باتت أكثر جلاء. ومع هذا، فبدون إشارة فعالة لأسعار الكربون، تتلاشى نفس المحفزات وتتعطل الاستثمارات أو تلغى.
وقد أصبحت حالات التأخير والمشاريع الملغاة هي الواقع في الاتحاد الأوروبي حيث أدى انهيار أسعار الكربون بسبب فرط المعروض من اعتمادات الكربون إلى إحجام المستثمرين عن الاستثمار على أساس ضعف المؤشرات وغياب اليقين على المدى الطويل. ومع هذا، فإن تعثر برنامج الاتحاد الأوروبي للإتجار في الانبعاثات الكربونية قدم للبلدان ومناطق الاختصاص الأخرى دروسا تتعلمها وهي تضع برامجها الخاصة.
ويتضمن سوق الكربون في كاليفورنيا- والتي تعد ثالث أكبر سوق عالمية بعد الأسواق الصينية والأوروبية- حدا أقصى وآخر أدني للسعر، وظل السعر في حدود التوقعات، أي عند 12 دولارا للطن منذ إطلاقه أواخر عام 2012. كما أنه تزامن مع تنامي الاقتصاد وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة.
وقد استفادت الصين جزئيا من خلال تجريبها لسبعة برامج مختلفة للإتجار في الانبعاثات الكربونية من دراستها للمشاكل التي واجهها برنامج الاتحاد الأوروبي هذا العام. وستثري الدروس المستفادة من هذه البرامج برنامجا وطنيا للإتجار في الانبعاثات الكربونية من المقرر إطلاقه في عام 2020. وتتطلع العديد من برامج الاتجار في الانبعاثات الكربونية حاليا إلى جدوى الصلات الرسمية، وذلك على غرار المثل الذي ضربته كاليفورنيا ومقاطعة كيبك في أوائل هذا العام.
ومع هذا، فإن الاتجاه العالمي نحو تسعير الكربون ليس إيجابيا على الدوام. ففي أستراليا، تم إلغاء ضريبة الكربون التي نجحت في تخفيض الانبعاثات وتحفيز الاستثمارات منخفضة الكربون.
وتسعير الكربون هو أكثر السبل فعالية في تخفيض الانبعاثات وتوجيه الاستثمارات بعيدا عن مشاريع الطاقة مرتفعة الكربون إلى الأخرى منخفضة الكربون. ولكي يكون فعالا، يجب أن يكون السعر مجديا من الناحية الاقتصادية. ومع اقتراب الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ، فإننا ندخل مرحلة حاسمة للعمل المناخي.
يجب أن يغتنم واضعو السياسات فرصة التعلم التي يتيحها تنوع برامج الإتجار في الانبعاثات الكربونية لإنشاء أسواق جديدة للكربون وتحسين الأسواق القائمة. فالتحسين المستمر وتوسيع نطاق تسعير الكربون عنصر مهم لمستقبل الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية.
--
تدوين: ستيفن فايفر، مجموعة المؤسسات الاستثمارية المعنية بتغير المناخ (أوروبا)؛ وناثان فيبيان، مجموعة المستثمرين المعنية بتغير المناخ (أستراليا ونيوزيلندا)؛ وكريس ديفيز، شبكة المستثمرين المعنية بمخاطر المناخ (أمريكا الشمالية)؛ وألكساندرا تريسي، المجموعة الأسيوية للاستثمار المعنية بتغير المناخ.
الصورة: توليد الطاقة النظيفة في نيوزيلندا. Jondaar_1/Flickr Creative Commons
انضم إلى النقاش