أعلن العلماء أن العام الماضي كان أشد الأعوام حرارة على الإطلاق على وجه الأرض منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في عام 1880، ووجدت سلسلة من التقارير العلمية أن ذوبان الأنهار الجليدية والظواهر المناخية المتطرفة آخذة في التفاقم. ومما لا شك فيه أن على زعماء العالم أن يلزموا أنفسهم هذا العام بإحداث تحولات جوهرية في اقتصادات بلدانهم لمكافحة التغيرات المناخية.
لابد أن نضع حدا لعقود من استخدام دعم الوقود الأحفوري الضار، وإعادة توجيه هذه الموارد لصالح الفئات التي تحتاج إليها. ولابد كذلك أن نضع سعرا للانبعاثات الكربونية، وأن نبدأ في الحد من التلوث الذي يفاقم التغيرات المناخية. وعلى قادة العالم أن يتوصلوا إلى اتفاق دولي واقعي بشأن المناخ في باريس يلزم بلدان العالم كافة بخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
وفي دافوس هذا الأسبوع، يناقش القادة الذين جاءوا من مختلف أنحاء المعمورة ويمثلون القطاعين العام والخاص هذه القضايا الصعبة والمهمة. وبالفعل، لدينا الكثير من الزعماء المعنيين بقضايا المناخ والقادة المبتكرين الذين يحدثون تحولات جوهرية في عملياتهم واقتصاداتهم لتصبح محركات نمو مستدامة وقادرة على المنافسة وتصلح لمستقبل تقل فيه انبعاثات الكربون، لكن ينبغي أن ينضم إليهم الكثيرون.
والآن أمامنا سلسلة من الفرص السانحة التي تتيح لنا إمكانية تحقيق منجزات كبيرة:
• خلق انخفاض أسعار النفط (e)حوافز من أجل اتخاذ تدابير حاسمة، منها فرض أسعار على الكربون، وزيادة معايير كفاءة استخدام الطاقة، وإلغاء دعم الوقود الأحفوري. وفي ضوء الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط في الأشهر الستة الماضية، توفرت لدى حكومات البلدان المستوردة للنفط احتياطيات لمواجهة أية زيادة في أسعار النفط، والقيام في الوقت نفسه بزيادة الدعم المقدم للفقراء.
• تعكف الحكومات في مختلف أنحاء العالم حاليا على مراجعة تأثير تغير المناخ على بلدانها واقتصاداتها، وتنظر في الوقت نفسه في التزاماتها الوطنية إزاء المناخ التي ستحدد شكل الاتفاقية الدولية بشأن تغير المناخ في باريس في ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي.
• تقوم البلدان الآن بتحليل ارتفاع التكاليف الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية، فيما يعمل 130 بلدا على إعداد إطار لما بعد عام 2015 للحد من الكوارث الطبيعية من أجل المؤتمر المقرر عقده في سنداي في مارس/آذار (e). وقد ازدادت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الكوارث الطبيعية أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية، وذلك من متوسط قدره حوالي 40 مليار دولار سنويا في ثمانينيات القرن العشرين إلى حوالي 140 مليار دولار سنويا في العقد الأخير حتى عام 2012، ويرجع ثلثاها إلى أسباب تتعلق بالمناخ.
فرض سعر على الكربون
ستتصدر مسألة فرض سعر على الكربون (e) قضايا المناخ التي ستتناولها قمة دافوس. وقد لمست في حواراتي مع وزراء المالية وقادة الأعمال خلال العامين الماضيين تحول التركيز من الشك فيما إذا كان ذلك ممكنا، إلى البحث عن سبل لفرض سعر على الكربون على نحو أكثر فاعلية. ويطبق الآن حوالي 40 بلداً وأكثر من 20 مدينة وولاية ومقاطعة آليات أو خططا لفرض أسعار على الكربون؛ وبدأت كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي على سبيل المثال تطبيق نظام للإتجار في الكربون. وفي مؤتمر القمة المعني بالمناخ الذي استضافه الأمين العام للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، أعربت 74 بلدا وأكثر من ألف شركة دعمها لوضع سعر على الانبعاثات الكربونية.
ويتزايد حاليا دور القطاع الخاص في قيادة الجهود الرامية لمكافحة التغيرات المناخية. وفي دافوس، سيطرح قادة الأعمال حلولا ممكنة من أجل الحد من الانبعاثات، وفرض أسعار على الكربون. ونظرا لأن المالية العامة لن توفر بمفردها حلا للتحديات المناخية، فإننا بحاجة إلى المشاركة النشطة للقطاع الخاص في إيجاد حلول تعود بالنفع عليه وعلى كوكب الأرض كذلك.
إلغاء الدعم
يمثل إلغاء دعم أسعار الوقود الأحفوري خطوة مهمة وضرورية، إذ تبتلع بنود الدعم المباشر للوقود الأحفوري أكثر من 500 مليار دولار سنويا على مستوى العالم، وتشكل في العديد من البلدان أكثر من 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وهذا المال ينبغي استثماره في تعزيز قدرة الاقتصادات على الصمود في مواجهة الأزمات، وتحسين خدمات الرعاية الصحية، وتوجيه المساندة لصالح الفقراء، وفي تطوير تكنولوجيات نظيفة يمكنها دفع العالم باتجاه مستقبل أكثر أمنا. وما البرازيل وإندونيسيا والمكسيك إلا أمثلة للبلدان التي طورت شبكات أمان أكثر قوة وأمنا لتقديم مساعدات مباشرة للفقراء، وذلك بالتزامن مع إصلاح نظم الدعم.
وتتيح حزم السياسات التي تتضمن هذه المكونات الثقة والقدرة على التنبؤ التي يحتاج إليها كل المستثمرين والمستهلكين لتغيير خياراتهم وسلوكياتهم. وسنعمل مع الشركاء على مساعدة البلدان في تحريك اقتصاداتها باتجاه خلق مستقبل أكثر نظافة ورخاء لنا جميعا.
وأمام زعماء العالم فرصة سانحة هذا العام لتنفيذ استثمارات ذكية والقيام بخيارات سديدة في مجال السياسات من شأنها الحد بدرجة كبيرة من الانبعاثات المضرة وحماية مواطنيهم من زيادة حدة الظواهر المناخية المتطرفة.
إن خياراتنا الآن يمكن أن تقودنا إلى عالم أكثر نظافة يتمتع بصحة أفضل. ومع تضافر جهود القادة من القطاعين العام والخاص، يمكننا الآن إبطاء وتيرة التغيرات المناخية من خلال فرض سعر على انبعاثات الكربون، وإلغاء دعم الوقود، والقيام معا بوضع خطط قطرية جريئة ومبتكرة. إن هذا العام يجب أن يكون العام الذي يشهد ابتعاد العالم عن المسار المدمر الذي ما فتأ يسير فيه منذ وقت طويل.
انضم إلى النقاش