في احتفال اليوم العالمي للمياه تحت شعار "المياه من أجل السلام" ينتاب الجميع مشاعر مختلطة بين الأمل والرجاء من ناحية والقلق من ناحية أخرى. ومصدر القلق هو الضغوط الحالية على موارد المياه العذبة في العالم بسبب تغير المناخ وأوضاع الهشاشة وتدهور النظم الإيكولوجية. أما الأمل فيتراءى لنا بسبب تكاتف المجتمع الدولي دعماً للبلدان والهيئات العاملة في بلدان أحواض المياه من أجل الإدارة التعاونية للمياه من خلال شراكات مثل المرفق العالمي للتعاون في مجال المياه العابرة للحدود وتحالف التعاون في مجال المياه العابرة للحدود.
ومن خلال ذلك، واتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية (اتفاقية المياه)، وفي تجمعات، مثل المنتدى العالمي المعني بالتعاون في مجال المياه العابرة للحدود من أجل المناخ والتنمية في يوليو/تموز 2023، سنرى قوة الشراكات عندما يتعلق الأمر بتعزيز التعاون بشأن الموارد المائية.
وغني عن القول أن المياه مورد أساسي للحياة على الأرض، وإدارتها غاية في الأهمية لرفاهة المجتمعات البشرية. لكنها قد تكون مصدراً للتوتر والصراع، لا سيما في المناطق التي تعاني من شح المياه أو الصراع على توزيعها. ومع زيادة معدلات النمو السكاني وتأثير تغير المناخ على توافرها، من المرجح أن تزداد إمكانية نشوب نزاعات حول المياه. وبالتالي من الضروري للغاية وجود المؤسسات والآليات القادرة من خلال الحوار والتعاون، على معالجة الصراعات، والحد من المفاضلات، وتعظيم المنافع المشتركة لتحقيق السلام والتنمية.
وحتى الآن، هناك 24 بلداً فقط لديها ترتيبات نافذة بشأن التعاون في مجال المياه على مستوى جميع أحواضها المشتركة مع البلدان المجاورة، وذلك على النحو الواضح من خلال الدورة الثانية من التقارير الخاصة بمؤشر قياس الهدف 6.5.2 من أهداف التنمية المستدامة بشأن التعاون في مجال المياه العابرة للحدود، التي قدمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا واليونسكو. غير أن مسيرة التعاون بشأن مكامن المياه الجوفية العابرة للحدود أقل تقدماً: وحدد العمل المتعلق بالهدف 6.5.2 من أهداف التنمية المستدامة 8 ترتيبات خاصة بمكامن المياه الجوفية وهذه المياه في جميع أنحاء العالم.
ونظراً لعدم الاتفاق على الآليات التي تنظم المياه العابرة للحدود وحجم التحديات التي تواجه المجتمعات المحلية في أحواض الأنهار وغيرها، هناك حاجة إلى مزيد من الدعم من المجتمع الدولي لإدارة المياه العابرة للحدود. وأكثر من ذلك من الممكن أن تكون عنصر تحفيز فريد من نوعه للتعاون وتضافر الجهود والحوار.
نحو مزيد من التعاون
عندما يجتمع أصحاب المصلحة والأطراف المعنية لإدارة البحيرات ومكامن المياه الجوفية والأنهار المشتركة، فإنهم يعربون عن الثقة ويضعون الأطر التعاونية ويحددون المنافع المشتركة على نحو يتجاوز العناصر التي تستهدف تحقيق السلام والاستقرار. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الإدارة المشتركة للموارد تتضمن جمع البيانات وتبادلها، واتخاذ القرارات المشتركة، والتوزيع العادل للمياه. ويمكن لهذه الإجراءات التعاونية أن تساعد الأطراف على معالجة الأسباب الجذرية للصرعات المتعلقة بالمياه، وطرح حلول مقبولة للجميع. كما أنها تحقق منافع اجتماعية واقتصادية من المياه أكثر مما قد يُتاح لو أدارت البلدان هذا المورد الثمين بشكل منفرد. وتوضح الخبرات والتجارب العالمية أن التعاون في مجال المياه العابرة للحدود يزيد من نوعية وحجم المنافع التي يمكن للبلدان الحصول عليها من الإدارة المستدامة للمياه.
وتدعم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا وبرنامج التعاون في المياه الدولية في أفريقيا التابع للبنك الدولي وضع اتفاقيات تنظم استخدام المياه الجوفية من الحوض المشترك بين السنغال وموريتانيا في منطقة الساحل الغربي. والدروس التي نستخلصها من ذلك مفيدة في التعامل مع مكامن المياه الجوفية الأخرى العابرة للحدود في جميع أنحاء العالم.
ويمتد التعاون بشأن المياه ليشمل التنمية الأوسع نطاقاً، مع وجود أطر ومؤسسات مشتركة تُهيئ بيئة داعمة وقوية. وتعد منظمات أحواض الأنهار أفضل مثال للمؤسسات المشتركة المعنية بإدارة الموارد المائية المشتركة، وهذا يساعد البلدان على تحديد الرؤى المشتركة وتنفيذ الاستثمارات المشتركة. وبناء على اتفاقية المياه، نجد أن 100 اتفاقية أو أكثر بشأن المياه أدت إلى زيادة إمكانية التنبؤ بتوافر المياه، أو تقليل الخسائر الناجمة عن الفيضانات وموجات الجفاف، أو مساندة قطاعي الزراعة والطاقة.
وهذا يعزز سبل كسب العيش ويؤدي إلى خفض معدلات الفقر في المجتمعات المحلية الواقعة على ضفاف أحواض الأنهار وحولها. ويمكن لهذه النتائج الإيجابية أن تخفف بعض الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في أوضاع الهشاشة والصراع.
أحواض المياه في أفريقيا
سيحقق مشروع شلالات روسومو الإقليمي للطاقة الكهرومائية الذي تم إنجازه مؤخراً منافع كبيرة لشعوب بوروندي ورواندا وتنزانيا. وقد تحقق هذا المشروع بعد أكثر من 10 سنوات من الحوار تحت مظلة مبادرة حوض النيل ومكتبها الفني، وبرنامج العمل الفرعي للبحيرات الاستوائية لنهر النيل التابع لها.
وفي حوض نهر السنغال، نجد أن برامج وأنشطة ومشروعات البنك الدولي لمدة 20 سنة مع منظمة حوض نهر السنغال أدت إلى النجاح في ضم غينيا - التي بها منابع النهر - إلى المنظمة، وتحسين تبادل المعلومات بشكل كبير، ووضع الخطة الرئيسية لحوض نهر السنغال وإعداد معادلة تقاسم التكاليف.
ولكن ينبغي فعل المزيد. وفي هذا الصدد، يمثل الطابع العالمي لاتفاقية المياه إشارة تبشر بخير. ومنذ الإطلاق العالمي للاتفاقية في عام 2016، انضم إليها 11 بلداً من أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط - 5 في عام 2023 - وأكثر من 20 بلداً بصدد الانضمام.
وقد وضعت اتفاقية المياه، برعاية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، برامج تعاون بين الدول المشاطئة على المستويين السياسي والفني: في عام 2017، ساندت هذه الاتفاقية إطاراً لمنع نشوب الصراعات المرتبطة بتقاسم الموارد المائية في بلدان الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا.
وبانضمامها إلى اتفاقية المياه، تلتزم البلدان بالتعاون وتحصل على المساعدة لتحديد أولوياتها ووضع خارطة طريق للقيام بذلك. ويستهدف تحالف التعاون في مجال المياه العابرة للحدود-وهو شراكة متنوعة تضم العديد من أصحاب المصلحة من حكومات ومنظمات حكومية دولية ومنظمات تكامل إقليمي ومؤسسات مالية دولية وأوساط أكاديمية ومنظمات غير حكومية - زيادة نطاق التعاون في مجال المياه العابرة للحدود على جميع المستويات بحلول عام 2030. ومن خلال الاستفادة من المزايا النسبية لكل جهة وهيئة في هذا التحالف، فإنه يمهد الطريق لتنسيق العمل المعني بمعالجة العديد من الأزمات المتعلقة بالمياه.
الاحتفال باليوم العالمي للمياه 2024
يمثل اليوم العالمي للمياه لحظة مهمة بالنسبة لنا، وفرصة لإعادة التفكير في الطرق التي ندعم بها التعاون في مجال المياه العابرة للحدود. وتظهر خبراتنا وتجاربنا الجماعية أنه عندما نتحد لتقديم الدعم الإستراتيجي للبلدان ومنظمات أحواض الأنهار، تزيد المنافع بأكثر مما نتوقع. وفي وقت يشهد أزمات عالمية معقدة، يحتاج العالم إلى مزيد من العمل المنسق وزيادة تمويل المنافع العامة. وتُعد جهود التعاون السلمي والفعال لتنمية موارد المياه المشتركة من سلع النفع العام المهمة، وبالتالي ينبغي تمويل هذه الجهود.
وسيواصل البنك الدولي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا العمل معاً للاستفادة من إمكانات المياه كمورد لتعزيز السلام والاستقرار، لا سيما في المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات. وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم زيادة مستويات شح المياه والتحديات المتعلقة بالمناخ، سيصبح التعاون في مجال المياه لبناء السلام أكثر أهمية.
وإقراراً بأن المياه أداة للسلام وقاطرة للنمو والرخاء، سنتمكن من توفير الاستقرار الذي نحتاج إليه بشدة في عالم يموج بالاضطرابات.
انضم إلى النقاش