لقد عجزت سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى الآن عن معالجة ما تشهده من نقصٍ هائلٍ في المهارات الرقمية من شأنه تقويض إمكانات المنطقة لتحقيق النمو الرقمي. وأصبحت المهارات الرقمية التي تُنفَّذ من خلال أُطُر الكفاءات الرقمية مُكوِّنا بالغ الأهمية من مكونات بناء رأس المال البشري الذي تحتاج إليه بلدان المنطقة لاستغلال التحوُّل الاقتصادي، وإيجاد عمالة ورواد أعمال قادرين على الازدهار على الرغم من صدمات مثل الجائحة الحالية لفيروس كورونا (كوفيد-19).
إن مهارات التشفير والبرمجة وعلوم الحاسوب تزعزع بالفعل عملية التعلم في العالم العربي، لكن لا تزال هناك تفاوتات كبيرة في تنمية المهارات الرقمية في مختلف بلدان المنطقة. فمعظم المبادرات الرامية إلى تدريس المهارات الرقمية أو تحسينها تأخذ شكل تدخلات جزئية صغيرة لا كبرامج على المستوى الوطني.
لقد أذكت جائحة فيروس كورونا الحاجة إلى المهارات الرقمية، ولذلك يجب تيسير تكلفة خدمات التعليم والتدريب وأن تصبح أكثر ارتباطا بالواقع مع مراعاة الظروف السائدة وأن تشمل الجميع ولا تقصي أحدا. ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار خمسة عناصر عند تصميم تدخلات التعلُّم الرقمي.
1: يجب أن يكون هدف الإصلاحات الرامية إلى تنمية المهارات هو إعداد الشباب لتلبية متطلبات العمل في المستقبل، وأن يتم دمجها في كل مستويات التعليم. ومن الضروري أن يتضمَّن التثقيف الرقمي المهارات الأساسية، وإجادة اللغات، والمهارات غير المعرفية لمساعدة الخريجين على النجاح في أسواق العمل الرقمية، ولكن جمعية الإنترنت تقول إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تنجح بعد في بناء مستودعات إقليمية للمحتوى، وهو ما يزيد من صعوبة إتاحة المواد أو المناهج الدراسية وإعادة استخدامها.
بيد أن الزخم يزداد مع إطلاق منصات مثل إدراك وأكاديمية المهارات ورواق. ويُمكِن للجامعات تبنِّي نظام الدورات الدراسية الموسعة عبر الإنترنت وتعميم استخدامه. وتستثمر الحكومات في التثقيف الرقمي النموذجي والتدريب على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فعلى سبيل المثال، تُزوِد منصة مليون مبرمج عربي الناس بالطلاقة والتمكن من "لغة المستقبل"- وهي التشفير والبرمجة- من خلال تدريس المهارات التي ستسهم في النهوض بالاقتصاد الرقمي. وستكون للبرامج المجانية مثل هذه البرامج أهمية بالغة مع سعي المتعلمين والعمالة إلى التكيُّف مع متطلبات السوق بعد زوال الجائحة.
2: يجب أن تتركَّز الإصلاحات الشاملة على البرامج والإطار التنظيمي للسياسات. ويمكن أن تشتمل التدخلات المعنية بالسياسات على الإستراتيجيات الوطنية، أو إنشاء مجالس الصناعات، وإصلاح وتحديث المناهج الدراسية، أو وضْع معايير جديدة للاعتماد والتحقق للكفاءات والمهن الرقمية. ويتضمَّن نطاق هذه التدخلات دمج المهارات الرقمية في أنشطة خارج المناهج الدراسية، والتدريب في قاعة الدرس من رياض الأطفال إلى الصف الدراسي الثاني عشر. ويُمكِن أن يشمل أيضا مخيمات التدريب على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتدريب المعلمين، وإقامة صناديق تدريب تنافسية مثل تلك التي يجري إنشاؤها في إطار مشروع التكنولوجيا من أجل الشباب وفرص العمل في الأردن.
3: يجب أن تتوفَّر رؤية مُصمَّمة من أعلى إلى أسفل لدعم الهياكل الأساسية ومستودعات المحتوى. لقد وضع الكثير من الحكومات، إن لم يكن معظمها، سياسات أو إستراتيجيات تفرض استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم في المدارس، وأنشأت معظم البلدان العربية مؤسسات تُشرِف على دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناهج. وكثيرا ما يُستشهد بمبادرات في الأردن وعُمان وقطر كأمثلة على الممارسات الجيدة- وهي تدعو جميعا إلى تبنِّي مفاهيم الحوسبة الأساسية، ومناهج رقمية مُعيَّنة، وأهداف مُحدَّدة تتعلق بالتثقيف الرقمي في مستويات التعليم الأساسي والمرحلتين الثانوية والإعدادية. وفي مصر وفلسطين، يبدأ تعلُّم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس الإعدادية.
4: يُمكِن أن تساعد القدرات التي يُنظر إليها في العادة على أنها جاهزية المعلمين في تحديد فشل النظام التعليمي أو نجاحه في القدرة على إتاحة الفرص الرقمية. وترى جمعية الإنترنت أن هذا عامل محوري. وتُظهِر مسوح استقصائية في مصر ولبنان والكويت والمملكة العربية السعودية أن قدرة المُعلِّم على استخدام المهارات الرقمية ذات أهمية بالغة. ومع ذلك، لا يجد المُعلِّمون في أنحاء المنطقة حوافز تذكر أو وقتا كافيا لدمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في قاعات الدراسة. ويُيسِّر الأردن على المُعلِّمين التحوُّل إلى التعلُّم عن بُعد حتى أثناء جائحة فيروس كورونا من خلال منصة جديدة.
5: البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامل حيوي في تزويد الطلاب بالمهارات الرقمية. وفي دراسة عن مُحرِكات أداء الطلاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجدت مؤسسة ماكنزي أن مستويات إتاحة أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في قاعات الدراسة في اثنتين من دول مجلس التعاون الخليج (الإمارات العربية المتحدة وقطر) تجريان الاختبارات الدولية لبرنامج التقييم الدولي للطلاب مماثلة لنظائرها في بلدان الاتحاد الأوروبي. وأمَّا في الأردن ولبنان، فإن مستويات إتاحة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تماثل تقريبا نظائرها في بعض أجزاء أمريكا اللاتينية. ولكن معدل انتشار هذه التكنولوجيا في قاعات الدراسة في الجزائر وتونس كان متدنيا.
تؤدِّي الرقمنة إلى تحوُّلات سريعة في الاقتصادات والمجتمعات في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإعادة تشكيل جذرية لماهية وكيفية التعليم والتدريب على كافة المستويات في كل المجالات. وسيساعد التركيز على العناصر الخمسة المذكورة آنفا بلدان المنطقة على المضي قدما في تنفيذ خططها لتحسين المهارات الرقمية لطلابها، وأن تصبح مؤهلة لتحقيق نمو رقمي سريع.
انضم إلى النقاش