بينما يقيس رأس المال تراكم الثروات، يقيس راس المال البشري تراكم المعرفة والمهارات علاوة على الصحة . وقد صمم مؤشر رأس المال البشري الذي وضعه البنك الدولي لقياس متوسط رأس المال البشري الذي يتوقع حدوثه لطفل مولود اليوم في بلد ما عند بلوغه سن الثامنة عشرة. ويتألف هذا المؤشر من خمسة مؤشرات:
- احتمال البقاء على قيد الحياة حتى سن الخامسة،
- نسبة الأطفال غير المصابين بالتقزم،
- معدل بقاء البالغين على قيد الحياة،
- عدد سنوات التعليم المتوقعة،
- درجات الاختبار الموحدة كمقياس لجودة التعلُّم.
وهذا المؤشر مهم بشكل كبير الآن بعد أن أثرت جائحة كورونا سلبا على أنظمة الصحة والتعليم اوهي الأنظمة المغذية لرأس المال البشري لأن واضعي السياسات الذين يفكرون في كيفية حماية رأس المال البشري من الآثار الضارة للجائحة يحتاجون إلى بيانات جيدة عن تأثيرها.
ويوفر مؤشر رأس المال البشري 2020 – وهو تحديث لمؤشر عام 2018 – مقياساً مفيداً لتتبع التغيرات التي طرأت على رأس المال البشري بعد الجائحة. ومع ذلك، سيستغرق الأمر بعض الوقت لتنعكس الإصلاحات في المؤشر.
عقد من الخسائر والمكاسب
كانت مصر من أوائل الدول التي تبنت مشروع رأس المال البشري، وانضمت إليه في شهر أكتوبر 2018، وتشير التوقعات إلى أنها حققت مكاسب طفيفة في رأس المال البشري على مدى العقد الماضي. إذ سيحقق الطفل المولود عام 2010 في مصر 48% من إنتاجيته عندما يكبر مقارنة مع تحقيق إنتاجية كاملة لو كان حصل على قدر كامل من التعليم والصحة. وسيحقق الطفل المولود عام 2020 في مصر 49% من إنتاجيته.
ويُعزى التحسن العام في مصر إلى حد كبير إلى المكاسب التي تحققت في مجال الصحة. والأطفال الذين وُلدوا عام 2020 هم أكثر احتمالا للبقاء على قيد الحياة حتى سن الخامسة من الأطفال الذين ولدوا عام 2010، وأقل احتمالا للإصابة بالتقزم، وأكثر احتمالا للبقاء على قيد الحياة حتى سن الستين. وفي مجال التعليم، زاد عدد سنوات الدراسة المتوقع تحصيلها، مما يشير إلى تحسن فرص الحصول على التعليم. ومع ذلك، انخفضت نتائج الاختبارات، في إشارة إلى انخفاض جودة التعلم.
فيروس كورونا تهديد لمكاسب رأس المال البشري
تشكل جائحة كورونا خطرا كبيرا على رأس المال البشري في مصر. ومن المرجح أن يؤدي إغلاق المدارس بالنسبة للجيل الحالي من الطلاب إلى فقدان أكثر من نصف سنة دراسية. كما أن عدم انتظام خدمات صحة الأم والطفل، إلى جانب الأزمة المالية الناجمة عن الجائحة في دخل الأسرة، تؤثر بالفعل على تغذية الأطفال الصغار وتطورهم. وكل هذا يهدد المكاسب التي حققتها مصر.
وتم في شهر يونيو 2020 الموافقة على مشروع بقيمة 400 مليون دولار لمساندة نظام التأمين الصحي الشامل لمصر في إطار سعي الحكومة نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتحسين النواتج الصحية لمواطنيها. ويساند المشروع جهود الحكومة المصرية الرامية إلى إرساء أسس نظام التأمين الصحي الشامل وبدء تجربته، وتقديم حماية مالية مؤقتة للسكان الأشد حرمانا لحمايتهم من الإنفاق من مالهم الخاص على تكلفة العلاج الباهظة بسبب تفشِّي جائحة فيروس كورونا. ويؤسس هذا المشروع الصحي على مشروع نظام الرعاية الصحية في مصر الذي تبلغ تكلفته 530 مليون دولار ويسعى إلى تحسين الخدمات في 600 مرفق للرعاية الصحية الأولية و27 مستشفى في جميع أنحاء البلاد. ويساند المشروع أيضا الجهود التي تبذلها مصر حاليا في مجالات: تنظيم الأسرة، وتوسيع نطاق برنامج الرائدة المجتمعية لتحسين الحالة الصحية ومستوى التغذية، واختبار مليون وحدة من وحدات الدم سنويا للتأكد من خلوها من مختلف الأمراض المعدية. وأجرى هذا المشروع أيضا أكبر حملة لاختبار الإصابة بفيروس سي والأمراض غير المعدية وعوامل الخطر الأخرى.
إصلاحات إضافية لرأس المال البشري
في شهر سبتمبر 2019، أطلقت مصر إصلاحات رئيسية في التعليم. وفي إطار هذه الإصلاحات، يساعد مشروع يموله البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار على زيادة فرص الحصول على التعليم الجيد في مرحلة الطفولة المبكرة وتعزيز قدرات المعلمين والقيادات المدرسية والمشرفين. كما أنه يحفز استخدام الموارد الرقمية في التدريس والتعلم، وقد تم وضع نظام جديد باستخدام أجهزة الحاسب لتخرج من المدارس الثانوية والقبول في الجامعات.
وكان التوسع في التكنولوجيا والتعلم الرقمي أساسيا في هذه الإصلاحات التعليمية، وأتاح لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني التحول سريعا نحو التعلم عن بعد. وتشمل هذه البنية التحتية الأساس لإعادة فتح المدارس في 2020/2021 وأسس الوضع الطبيعي الجديد بعد انتشار الجائحة.
وهناك مبادرات أخرى قائمة بالفعل تدعم نمو رأس المال البشري أيضاً. وقد وصل البرنامج الوطني للتحويلات النقدية في مصر، تكافل وكرامة- وهو أكبر مشروع من نوعه للبنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - إلى 3.1 مليون أسرة (حوالي 11 مليون شخص) حتى الآن. ويُوجَّه أكثر من 67% من هذه الأموال إلى الأسر والأفراد الفقراء والمحرومين في صعيد مصر؛ و74% من حاملي بطاقات المشروع من النساء. ويدعم البرنامج تراكم رأس المال البشري من خلال مطالبة الأسر المقيدة في البرنامج بأن تجري لأطفالها فحوصا صحية منتظمة إلى جانب إرسالهم إلى المدرسة.
وتوسع الحكومة المصرية هذا النوع من الدعم في ثماني محافظات من خلال تجريب برنامج فرصة الجديد الذي يهدف إلى تعزيز سبل العيش والاحتواء الاقتصادي.
إن النمو الاقتصادي والتنمية يعتمدان على الاستثمار في رأس المال المادي والبشري، مع تقدم رأس المال البشري إلى الصدارة في خطط الحكومة المصرية. وقد زادت الأزمة الناجمة عن الجائحة من أهمية استثمار مصر في رأس المال البشري أكثر من أي وقت مضى - سواء لحماية مكاسبها أو لتحفيز أجيالها المستقبلية على زيادة الإنتاجية.
انضم إلى النقاش