نشر في أصوات عربية

تعلُّم المنافسة في الأسواق العالمية: جامعات المغرب العربي تتطلع إلى ماليزيا طلبا للقدوة والإلهام

الصفحة متوفرة باللغة:

مع تركيز عناوين الصحف على الاضطرابات السياسية والعنف الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يصبح من السهل نسيان حدث سنوي مهم في المنطقة وهو "موسم العودة إلى المدارس". فقد بدأ أطفال المنطقة من مشرقها إلى مغربها بالعودة إلى المدارس وانشغل الآباء والآمهات بشراء المستلزمات الدراسية لأبنائهم حيث يستعد ملايين الطلاب لشق الطريق أمام مستقبل وظائفهم التي يحلمون بتحقيقها. وبهذه المناسبة ستقوم مدونة أصوات وآراء عربية هذا الأسبوع بإطلاق سلسلة مدونات تحت عنوان "العودة إلى المدارس 2013" لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه المعلمين والطلاب بالإضافة إلى البرامج والسياسات التي يمكنها أن تلعب دوراً إزاء مستقبل الجيل الجديد.

----

الأرقام مذهلة: فقرابة ثلث سكان الجزائر والمغرب تقل أعمارهم عن 15 عاما، وتليهما مباشرة تونس. وهذه الطفرة الكبيرة في أعداد الشباب تضع ضغوطا هائلة على النُظُم التعليمية في بلدان المغرب العربي.

تعلُّم المنافسة في الأسواق العالمية: جامعات المغرب العربي تتطلع إلى ماليزيا طلبا للقدوة والإلهام فأعداد الشباب الذين يدخلون الجامعات في ازدياد، وكل الطلاب تقريبا تراودهم تطلُّعات معقولة بأن تساعدهم دراساتهم واجتهادهم في الحصول على وظيفة مرموقة. ومع ذلك، فخلال العشرة أعوام الماضية، يبدو أن فرص التعليم التي كانت في يوم من الأيام سبيلا إلى النجاح لم تعد إيذانا بحصول الخريجين على وظائف جيدة. وفي كل البلدان الثلاثة الواقعة في شمال أفريقيا، تزيد معدلات البطالة بين خريجي الجامعات عما هي عليه في صفوف أصحاب المستويات التعليمية الأدنى.

وساهمت عشرات العوامل في هذه الظاهرة، ومن ذلك قلة مرونة أسواق العمل، والتشوهات التي تحابي وظائف القطاع العام، وعدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل. والجامعات نفسها عامل رئيسي بين هذه العوامل. فنظم التعليم العالي في بلدان المغرب العربي تتسم بوجه عام بدرجة عالية من المركزية، وهو إرث تاريخ استعماري مشترك، ولها سجل متدن على صعيد الخضوع للمساءلة. ولذلك، فإنها تكون في العادة بمنأى عن عوامل السوق ومعدل النجاح الفعلي للخريجين.

وقد شهد التعليم العالي العديد من التحوُّلات في العشرين عاما الماضية. لعل أوضحها القدرة على الحصول على الخدمة التعليمية. فقد زادت معدلات دخول الجامعات زيادة كبيرة، وأصبح عدد المؤسسات الجامعية المتاحة أكبر من أي وقت مضى. غير أن الجودة لم تساير دائما هذا التقدم.

ومنذ عام 2007، بدأ مسؤولو التعليم في الجزائر والمغرب وتونس إعادة هيكلة نظم التعليم العالي في بلادهم لتتوافق مع المعايير الدولية، ولزيادة كفاءتها واستجابتها لاحتياجات القطاعين العام والخاص. وازداد وعي رجال التربية والتعليم بأهمية الإدارة الرشيدة في تحسين أداء الجامعات، وتحقيق المزيد من الاستقلال لتمكينها من التكيُّف مع الاحتياجات المتغيُّرة.

وأدركت بلدان المغرب العربي أن المنافسة في الأسواق العالمية تتطلَّب أكثر من مجرد توفير فرص للخريجين في الإدارة العامة، وأنها تتطلَّب صقل المهارات التي تكفل ظهور أرباب أعمال حرة وطنيين وفي الوقت نفسه اجتذاب استثمارات أجنبية ذات نوعية جيدة. وخريجو الجامعات في بلدان المغرب العربي شأنهم شأن الخريجين في كل أنحاء العالم ينافسون الآن على الوظائف لا على الصعيد المحلي فحسب ولكن أيضا على الصعيد العالمي.

وفي عالم تتنامى فيه مظاهر العولمة كيف يمكن للجامعات في بلدان المغرب العربي أن تتحوَّل إلى مُحرِّكات للنمو والفرص الاقتصادية؟

تُقدِّم ماليزيا ذلك البلد الواقع في شرق آسيا بعض الإجابات. وتتطلَّع ماليزيا التي شهدت إصلاحات جريئة في نظام التعليم العالي إلى أن تصبح مركزا دوليا للتفوُّق في ذلك المجال بحلول عام 2020. ومن خلال نظام راسخ لضمان الجودة والاستقلال التام لثمانية من جامعاتها العامة، تفوَّقت ماليزيا على أقرانها على المستوى الإقليمي من حيث دخول الخريجين في سوق العمل. فمعدل البطالة بين خريجي الجامعات ضئيل للغاية لا يتجاوز ثلاثة في المائة.

وكان مثال ماليزيا مبعث إلهام لجولة دراسية قام بها في الآونة الأخيرة مسؤولون حكوميون ورؤساء الجامعات من بلدان المغرب العربي تحت رعاية المجلس البريطاني وصندوق تبادل المعارف فيما بين بلدان الجنوب التابع للبنك الدولي.

وكانت الجولة الدراسية فرصة للمشاركين من شمال أفريقيا ليتعلَّموا من نظرائهم الماليزيين في وزارة التعليم العالي ومؤسسة التأهيل التربوي وجامعات مختارة، منها جامعات عامة وخاصة وفروع جامعات دولية.

وتناولت المناقشات بين المشاركين مجموعة متنوعة من الموضوعات مثل: الإطار الذي يحكم العلاقة بين الوزارة والجامعات، وتعريف جامعات ماليزيا والمغرب العربي لمفهوم الاستقلال، وأهمية إيجاد معادلة متوازنة بين استقلال الجامعات والمساءلة، وقيمة مختلف آليات ضمان الجودة. وتعكف كل البلدان الثلاثة في المغرب العربي حاليا على إنشاء مؤسسات وطنية لضمان الجودة.

وانصب اهتمام مديري الجامعات من بلدان المغرب العربي على كيفية مساعدة الجامعات الماليزية في ضمان تأهيل خريجيها للعمل والمسؤولية الاجتماعية للجامعة تجاه مجتمعها المحلية، وهي قضايا بدأت تكتسب أهمية متزايدة في المغرب العربي.

 


بقلم

أدريانا جاراميلو

أخصائية تعليم أولى في البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000