في العام الماضي، أكمل الأطفال في المملكة العربية السعودية عامهم الدراسي بنظام التعليم الافتراضي عبر الإنترنت، وبدأ الكثير منهم صفهم الدراسي التالي بالطريقة نفسها. وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، كانت السعودية ضمن البلدان التي اعتمدت فقط على التعلم عن بُعد لأطفال المدارس الابتدائية، التي لم تتجاوز 9% من بلدان العالم. وقد ساعدت القدرة على الوصول إلى هذا النظام والبراعة في مجال التعلم الإلكتروني الأطفال على مواصلة تعليمهم. إلا أنه كان من الصعب عليهم في بعض الأحيان التعاون مع زملائهم، أو لم يكن من السهل على الطلاب الأصغر سناً تلقي إجابات من المعلمين عن جميع أسئلتهم في الحصص الدراسية عبر الإنترنت.
وعلى بعد ألفي كيلومتر من السعودية، عاد الطلاب في مصر إلى المدارس، مع تطبيق بروتوكولات جديدة. وقد أصبح لزاماً عليهم ارتداء الكمامات على مدار اليوم الدراسي، مع السماح بعدد محدود للغاية من الأنشطة خوفاً من الإصابة بفيروس كورونا. ويقول الطلاب إن الحضور إلى المدرسة أكثر متعة بصفة عامة، ولكن كان من الصعب تدارك ما فاتهم من المنهج الدراسي، ولذلك يلجأ نحو ثلثهم إلى تعويض الأمر عن طريق الدروس الخصوصية (مجلة الإيكونومست).
في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توجد شواهد على أن عملية التعلم تبدو مختلفة تماماً عما كانت عليه في الماضي. في حين عاد الطلاب في نحو نصف البلدان (45%) إلى الدراسة داخل الفصول، لا تزال البلدان المتبقية تعتمد على الأساليب الهجينة، أو أنها أبقت المدارس مغلقة في بعض المراحل التعليمية أو لبعض الطلاب (انظر الشكل 2).
|
المصدر: برنامج تعقب تعافي التعليم العالمي والتحليل الذي أجراه فريق العمل.
لقد أثرت حالات تعطل الدراسة على مدار عامين على أكثر من 110 ملايين طالب في جميع أنحاء المنطقة. في المتوسط، تم إغلاق المدارس بالكامل لأكثر من 100 يوم، مع عودة بعض الطلاب في غضون أسابيع قليلة، في حين يواصل البعض الآخر تلقي تعليمهم عن بُعد لمدة أطول، حتى إلى يومنا هذا (الشكل 3).
الشكل 3. إغلاق المدارس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (عدد الأيام)
المصدر: تحليل البنك الدولي بناء على بيانات معهد الإحصاء التابع لمنظمة اليونسكو. |
وعلى الرغم من إمكانية الحصول على التعلم عن بُعد أثناء حالات الإغلاق، فإن الطلاب في المنطقة يتخلفون أكاديمياً هذا العام عن طلاب الصفوف الدراسية نفسها في السنوات السابقة. وتُظهر دراسة عالمية أجرتها مؤسسة ماكينزي عن التقدم الذي أحرزه الطلاب في نهاية العام الدراسي 2021 مقابل البيانات التاريخية حالة واضحة من "التعلم غير المكتمل" في المنطقة. وبالمثل، سجل معدل فقر التعلم (نسبة الأطفال في سن 10 سنوات غير القادرين على قراءة نص بسيط وفهمه) الذي تم حسابه عند 63% في عام 2019، ارتفاعاً على الأرجح إلى ما يقرب من 70% بسبب حالات الانقطاع عن التعلم من جراء تفشي جائحة كورونا.(البنك الدولي)
ومما يثير القلق بالقدر نفسه ارتفاع فقدان بعض الفئات الأولى بالرعاية مثل الفتيات فرص التعلم في بيئات معينة. فبينما يُترجم التعليم إلى فرص لجميع الطلاب، فإن لمواصلة الدراسة في المدرسة عائدا أعلى على الاستثمار للفتيات (11%) مما يحققه الأولاد (7.3%) في المنطقة. على الرغم من ذلك، تظهر تقديرات اليونسكو أن نحو 500 ألف فتاة في المنطقة قد لا يعدن إلى المدارس على الإطلاق بعد انحسار الجائحة. وتؤدي هذه النهاية المفاجئة لالتحاقهن بالدراسة إلى خسارة مالية أكبر تستمر مدى الحياة، ويتعرضن لأضرار اجتماعية أكبر.
وبغية المساعدة في التعافي، كثف البنك الدولي وشركاؤه جهودهم لدعم الحكومات، مما ساعد إلى حد كبير على ضمان عودة آمنة للتعليم والتعلم. ففي لبنان، يقدم مشروع مساندة برنامج التعليم لجميع الأطفال الدعم للحكومة لدفع إعانات للمعلمين. وفي تونس، يعمل مشروع تقوية أسس التعلُّم على إنشاء منصة افتراضية على الإنترنت لتوسيع نطاق حصول المعلمين على التدريب وفرص تنمية المهارات الأخرى، مع محتوى يتم الحصول من مصادر محلية وعالمية. وفي السعودية، دعمت المساعدة الفنية التي قدمها البنك الدولي وزارة التعليم في مراجعة خبراتها في مجال التعليم الرقمي والتعليم عن بُعد للتصدي للجائحة، وتحديد الفرص المتاحة لاستخدام أكثر الممارسات الجديدة فعالية.
تُعد هذه الجهود بالغة الأهمية في منطقة تشهد فيها نواتج التعلم ركوداً أو تراجعاً، لأن التعافي من فيروس كورونا أصبح أمراً أكثر إلحاحاً. وسيكون لتسلسل السياسات والتدخلات أهمية بالغة لتحقيق النجاح.
وكإجراء يأتي في المقام الأول، ستكون لإعادة فتح المدارس وعودة الطلاب إلى الفصول الدراسية أهمية قصوى. ومن أجل المساعدة في توجيه البلدان، دخل البنك الدولي واليونيسف واليونسكو في شراكة لوضع مبادئ توجيهية لإعادة فتح المدارس على نحو آمن. وقد أتاح توافر اللقاحات في بعض البلدان العودة الآمنة إلى التعليم داخل الفصول الدراسية.
ثانياً، سيكون من المهم فهم مدى الخسارة في التعلم من خلال إجراء تقييمات موجزة سريعة. وبالاستعانة بهذه البيانات، يمكن للحكومات بعد ذلك تخصيص دعم إضافي وإعادة النظر فيما تركز عليه المناهج الدراسية، وتعديل الجداول الزمنية للمدارس لزيادة تأثير التعافي إلى أقصى حد ممكن.
ثالثاً، الدعم التعويضي، مثل الدروس الإضافية، والأشكال الأخرى من الدعم التي توجه إلى الفئات الرئيسية (أولئك الذين يعانون من الحرمان الأكاديمي والاقتصادي، وذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، والفئات الأكثر عرضة للتسرب من التعليم، وأولئك الذين لم ينجحوا في التعلم عن بعد). وبينما يُعد هذا النهج هو الأكثر صعوبة، فإنه يأتي في الوقت المناسب وهو ضروري لسد الفجوة في التعلم غير المكتمل التي حدثت في السنوات الأخيرة. وسوف يستفيد الأطفال على نحو أكثر فاعلية من الدعم التعويضي إذا ما اُحسن توجيهه وكان مناسباً لمستواهم من حيث المهارات.
أخيراً، يجب ألا يقتصر الدعم على الطلاب، ولكنه يجب أن يمتد أيضاً إلى المعلمين. فالمعلمون يعملون اليوم في بيئة تعلم جديدة، حيث تتوافر لهم هوامش أكبر من مستويات التعلم، وتتنوع احتياجات الطلاب الاجتماعية والنفسية. ومن المحتمل ألا يتصدى التدريب التقليدي الذي يتلقاه المعلمون لهذه المشكلات. وبالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك حاجة إلى نقل أنشطة التوجيه والإرشاد وإنشاء شبكات الممارسين من أجل المعرفة لتكون في صدارة عملية التطوير المهني للمعلمين.
انضم إلى النقاش