تعتمد أساليب التدخل الأكثر فاعلية لتحسين تعلُّم الطلاب على المعلمين، غير أن ما يقوم به المعلمون يتجاوز كثيرا تدريس المحتوى التعليمي.
فالمعلمون بمقدورهم أن يغيروا طريقة تفكيرنا عن العالم وعن أنفسنا، فهم يمثلون القدوة، ومصادر الإلهام، ويقوموا بإعدادنا للمشاركة في المجتمع كي نكون قادرين على الصمود في مواجهة أي تغيير. وإذ نحتفل باليوم العالمي للمعلمين في 5 أكتوبر/تشرين الأول، فإننا ندرك ما يبذله كل مُعلِّم من جهد رائع وما يتركه من أثرٍ هائل على طلابه ومجتمعاته.
وفي هذا اليوم، نتذكَّر أيضاً أن مهنة التدريس ليست عملاً سهلاً. فتمكين التعلُّم - في المواد الأكاديمية وغيرها من المجالات الأخرى - وتعزيز النمو الاجتماعي والوجداني للطلاب مهام ديناميكية حافلة بالتحديات. ولكي يُؤدي المعلمون هذه الأدوار، يجب دعمهم وتثمين ما يقومون به بوصفهم خبراء ذوي مهارات عالية. ونحن نعرف حق المعرفة أن كثيراً من المعلمين لا يجري إعدادهم وتقديرهم ودعمهم على النحو الواجب، وهو ما يُسهِم في ارتفاع معدلات الإنهاك المهني والقلق النفسي لهم والتراجع والعجز الكبير في أعدادهم في شتَّى أنحاء العالم.
دعم المعلمين في جميع مراحل مسيرتهم المهنية
يتعين على الأنظمة التعليمية دعم المعلمين وتقديرهم في كل مرحلة من مراحل مسيرتهم المهنية، بدءاً من مرحلة جذب الطلاب لتدريبهم وتأهيلهم كي يصبحوا مُعلِّمين واختيارهم في برامج الإعداد الأولي للمعلمين، وحتى توزيعهم وتعيينهم وتطوير وتنمية مسارهم طوال حياتهم المهنية بوصفهم قادةً للتعلُّم.
ومن هذا المنطلق، وضع البنك الدولي إطاراً لدعم برنامج للنهوض بالمعلمين من أجل تحسين تعلُّم الطلاب، على النحو المُبيَّن في الشكل أدناه. ويساعد هذا الإطار على ضمان تعامل مشروعات البنك الدولي، والجهود المماثلة على مستوى السياسات المعنية بالمعلمين في مختلف البلدان، مع مهنة التدريس من منظور شامل لجميع الجوانب، وبناء أنظمة يجري فيها إعداد المعلمين ودعمهم وتحفيزهم وتقديرهم على النحو الذي يستحقونه.
الإصلاحات الداعمة لمهنة التدريس
نستقي أحد الأمثلة على هذا النهج الشامل من الجمهورية الدومينيكية، فبدعمٍ من البنك الدولي وشركاء آخرين، شرعت الجمهورية الدومينيكية في تنفيذ إصلاح واسع النطاق لدعم مهنة التدريس، بدءاً بوضع معايير مهنية ومعايير أداء للمعلمين. وهذه المعايير تساعد في إثراء عملية اختيار المعلمين، وتدريبهم وتطويرهم المهني، وتعيينهم، وتقييمهم. وقد وُضِعت أيضاً ضوابط لتدريب المعلمين بهدف تحديد أوجه الكفاءة الأساسية التي ينبغي تمتعهم بها للمساعدة في توجيه عمل مؤسسات تدريب المعلمين. وقد أدت هذه الجهود إلى إدخال إصلاحات واسعة على نظام التدريب الأولي للمعلمين، وزادت متطلبات القبول في برامج الإعداد الأولي لهم، مما جعل الانضمام لهذه المهنة أكثر انتقائية. وجاء هذا الإصلاح للإعداد الأولي ضمن إصلاح أوسع نطاقاً للنظام تضمَّن تحديث ممارسات التعيين في المدارس الحكومية وزيادة رواتب المعلمين.
وفي تنزانيا، يدعم البنك الدولي جهود الحكومة الرامية إلى تحسين التطوير المهني المستمر للمعلمين، بما في ذلك تصميم وتعميم الإطار الوطني للتطوير المهني المستمر للمعلمين (ميواكا). ويتضمن هذا الإطار التطوير المهني للمعلمين في المدارس وفي مجموعات، وذلك إلى حد كبير من خلال المُيسِّرين من الزملاء وشبكات تعلُّم المعلمين. ومنذ إطلاقه في عام 2021، يجري الآن تنفيذ إطار ميواكا في أكثر من نصف مقاطعات تنزانيا البالغ عددها 184 مقاطعة. وقد تضاعفت نسبة المعلمين في تلك المقاطعات الذين يتعاونون بانتظام في وضع خطط الدروس، وإجراء ملاحظات في الفصول الدراسية، والتعلم من النظراء والتوجيه، وأفادوا بزيادة مستوى الرضا والكفاءة على مستوى المهنة من حوالي 40% عند خط الأساس إلى 80%.
واستكمالاً للجهود الرامية إلى تعميم إطار ميواكا، أقامت تنزانيا شراكة تمتد لعدة سنوات مع مركز اليونسكو لتدريب المعلمين في شنغهاي لإتاحة الفرصة لواضعي السياسات ومعلمي الرياضيات التنزانيين للتفاعل مع المعلمين والخبراء في شنغهاي، التي تتمتع بتاريخ حافل في مجال التطوير المهني المستمر في المدارس وعلى مستوى المجموعات. وأتاحت هذه الشراكة موارد وفرصاً للتعلم لواضعي السياسات والمعلمين التنزانيين، وساعدت على تدعيم نهج تنزانيا نحو التطوير المهني المستمر للمعلم.
وفي غانا التي تعاني من تزايد معدلات التراجع في أعداد المعلمين وتغيُّبهم عن العمل، يدعم البنك الدولي جهود الحكومة في تعزيز الدعم والموارد للمعلمين وبناء قدرات إدارة التعليم في المقاطعات. تجدر الإشارة إلى أن واحدا من كل خمسة معلمين غانيين لا يجيدون التعامل في المدارس التي يعملون فيها باللغة المحلية إجادة تامة (وهي اللغة التي يتم تشجيع التعامل بها بوصفها أداة التدريس في مرحلة التأسيس). ويدعم مشروع غانا للمساءلة عن نواتج التعلم مجالات الإصلاح على مستوى السياسات المتعلقة بتعيين المعلمين وتوزيعهم وحوافزهم ونقلهم، مع إيلاء الاهتمام لبناء قدراتهم ودعمهم في المدارس من خلال مِنَح التعلُّم. وتسلط هذه الجهود الضوء على ضرورة الاهتمام بجميع جوانب المسار المهني للمعلمين والنهوض بهم.
وإذ نحتفل باليوم العالمي للمعلمين في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، فإننا نتذكر أن تكريم المعلمين وتقديرهم ودعمهم في أنحاء العالم يتطلب أنظمة وسياسات تعليمية تتعامل مع مهنة التدريس من منظور شامل؛ بما يضمن حصول المعلمين على الفرص والموارد التي يحتاجون إليها في كل مرحلة من مراحل مسيرتهم المهنية.
انضم إلى النقاش