قبل تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، كانت هناك بلدان عديدة تحقق مكاسب ملموسة في رأسمالها البشري، مما أدى إلى تحسين النواتج الصحية والتعليمية للفتيات والفتيان، وتمكين المرأة من تحقيق كامل إمكاناتها. وبين عام 2010 ومارس/آذار 2020، وجد أحدث تقرير عن مؤشر رأس المال البشري لعام 2020 للبنك الدولي أن هناك تحسناً متوسطه 5% في مؤشر رأس المال البشري في مختلف البلدان.
إلا أن جائحة كورونا وما أحدثته من صدمات في الأسواق والنظم الصحية والتعليمية تعرض الآن هذا التقدم للخطر - حيث بدأت في غضون 25 أسبوعاً في تقويض 25 عاماً من المنجزات الإنمائية. وقد ألحقت الاضطرابات الاقتصادية بالفعل أضراراً كبيرة بتلك الفئات الأكثر احتياجاً على نحو لا يتناسب مع ظروفهم، مما يهدد بسقوط 47 مليون امرأة وفتاة أخرى إلى براثن الفقر المدقع. ويزيد احتمال أن تعمل النساء في الاقتصاد غير الرسمي، الأمر الذي يحول دون استفادة الكثيرات منهن من برامج الحماية الاجتماعية الحيوية، لاسيما في البلدان منخفضة الدخل. علماً بأن النساء يتحملن أيضاً نصيباً أكبر من أعباء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر في المنزل، وقد ازدادت هذه الفجوة اتساعاً خلال تفشي فيروس كورونا.
إن جائحة كورونا تشكل خطراً على المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في رأس المال البشري في مختلف أنحاء العالم، ولذلك بات لزاما أن تتكاتف جهود الحكومات ومنظمات التنمية الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص وتوحد صفوفها مجدداً لتقديم المساندة الطارئة على نحو يتسم بالسرعة والفاعلية. والأهم من ذلك هو أن تلقي نظرة بعيدة على كيفية مساندة البلدان في بناء نظم شاملة وقادرة على الصمود لإدارة إمدادات الأغذية وخدمات التغذية والصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والمياه والصرف الصحي والبنية التحتية وفرص العمل.
علاوة على ذلك، من الضروري أن نشرك الزعماء وأصحاب النفوذ المحليين، الذين يحدد دورهم القيادي واتصالاتهم مدى تأثير السياسات والإصلاحات والبرامج الوطنية في المجتمعات المحلية؛ وأن نتجاوز الأعراف الاجتماعية التي تؤثر في الفرص المتاحة للفتيات والنساء لتنمية رأس مالهن البشري وتوظيفه.
جعل نظم الحماية الاجتماعية شاملة وقادرة على الصمود في وجه التحديات
تلعب أنظمة الحماية الاجتماعية دوراً تحويلياً في بناء رأس المال البشري للفتيات والنساء وحمايته وتوظيفه، حيث تُمكّن النساء من أسباب القوة بتقديم المساعدات النقدية والدعم لتحسين صحة أطفالهن وتغذيتهن وتعلمهن؛ كما تتيح لهن الموارد والفرص الاقتصادية الضرورية.
وللوصول إلى النساء المهمشات، لابد أن تعيد الحكومات تصميم عملية تقديم الخدمات من أجل القرن الحادي والعشرين، مستفيدةً من التكنولوجيا الرقمية. لننظر إلى مثال "التحويلات النقدية من الحكومة إلى الأفراد". فمن خلال رقمنة مدفوعات التحويلات النقدية من الحكومة إلى الأفراد من منظور يراعي المرأة، فقد وسع العديد من الحكومات الوطنية قدرتها على الوصول إلى نساء لم تشملهن في السابق مظلة المساعدة العامة. ففي زامبيا، يهدف برنامج تعليم الفتيات وتمكين المرأة وسبل كسب العيش إلى زيادة فرص حصول المراهقات المحرومات على التعليم الثانوي وزيادة فرص استفادة النساء من دعم سبل كسب العيش، حيث يتيح منحاً رقمية تساعد النساء على بناء سبل مستدامة لكسب العيش. وبفضل هذا البرنامج، استخدمت تيريزا، وهي أم لخمسة أطفال، المنحة التي حصلت عليها لتوسيع حديقتها للخضروات مما مكّنها من الإسهام في توفير الأطعمة لمجتمعها المحلي وتأسيس متجر بقالة.
ويتيح نهج التدرّج مساراً آخر للوصول إلى أكثر النساء حرمانا. وهذا النهج، الذي بدأت منظمة براك في تطبيقه في عام 2002، هو عبارة عن سلسلة من الإجراءات التدخلية المتعاقبة التي تلبي احتياجات النساء اللائي يعشن في فقر مدقع على نحو شامل، وذلك بتزويد المشاركات بأصول منتجة، والتدريب على المهارات، ودعم الاستهلاك، والتوجيه، والتعامل مع الخدمات الحكومية. ومن خلال استهداف الفقيرات فقراً مدقعاً باستخدام إجراءات متعددة الخطوات تستند إلى البيانات المحلية ومصممة وفقاً للاحتياجات والقدرات المحلية، فإن نهج التدرّج يدخل الفئات السكانية التي لم يتم الوصول إليها في السابق تحت مظلة شبكات الأمان الحكومية. وتستخدم مبادرة التدرّج من الفقر المدقع التابعة لمنظمة براك خطوات استهداف مكيفة حسب الاحتياجات المحلية للحكومات ويمكن أن تشمل بيانات من السجلات الوطنية، واختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل (proxy means testing)، وأداة ترتيب الثروة المجتمعية التشاركية، وكلها بيانات تم التأكد من صحتها باستخدام استطلاعات التحقق لتقليل هامش الخطأ إلى أقل درجة.
وأثناء جائحة كورونا، قامت منظمة براك بتعديل نهج التدرّج بغرض تحسين عملية تقديم الخدمات على الرغم من مخاطر الصحة العامة وعمليات الإغلاق الصارمة. ففي بنغلاديش، توسع برنامج التدرّج من الفقر المدقع في تقديم التحويلات النقدية الرقمية المقدمة إلى الفقراء المدقعين المشاركين باستخدام شركة بكاش، وهي منصة للمعاملات المالية عبر الهاتف المحمول تابعة لبنك براك. ونتيجة لذلك، تلقى أكثر من 51 ألف مشارك مدفوعات نقدية من خلال الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول لأول مرة، مما أتاح لهم دعماً حيوياً في ذروة الجائحة. وفي الفلبين، سارع برنامج تجريبي تابع لوزارة العمل والعمالة بالتعاون مع البنك الآسيوي للتنمية ومبادرة التدرّج من الفقر المدقع بتعديل إجراءاته خلال عمليات الإغلاق باستخدام التكنولوجيا الرقمية لربط المدربين بالمشاركين لتبادل المعلومات عن الصحة والنظافة العامة، وإجراء تقييم تشخيصي سريع للاطمئنان على مستوى رفاهتهم.
إعادة البناء على نحو أفضل
لقد وجهت جائحة كورونا ضربة قوية لرأس المال البشري في جميع أنحاء العالم - وخاصة للنساء والفتيات. ويمكن للحكومات والجهات الفاعلة الدولية أن تخفف من وطأة أسوأ الأضرار الناتجة عن الجائحة، والبدء في عملية تعاف شامل من خلال إعادة تصميم البرامج التي تبني رأس المال البشري وتمويلها على نحو يتسم بالاستدامة والكفاءة. ولابد أن تعيد الحكومات ترتيب أولويات بنود الإنفاق على أساس قوة تأثيرها على تنمية رأس المال البشري وأن تستقطب الحلول من القطاع الخاص. ومن خلال الدعم الدولي، لابد أن تعمل الحكومات على تقوية أنظمة تقديم الخدمات باستخدام التكنولوجيات لجعل خدمات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية أكثر شمولاً وقدرة على الصمود في وجه التحديات، وأن تشرك الأجهزة المحلية لضمان أن تتمكن كل فتاة وامرأة من تطوير واستغلال إمكاناتهن الكاملة.
وعلى الرغم من أن الطريق إلى تحقيق التعافي سيكون طويلاً وشاقاً، فإن تمكين الفتيات والنساء والاستثمار فيهن سيبدأ هذه المسيرة على نحو مستدام وشامل للجميع.
انضم إلى النقاش