برزت منطقة جنوب شرق آسيا بوصفها نقطة ساخنة للتلوث بالمواد البلاستيكية
إن استخدام البلاستيك هو جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهو موجود في كل شيء بدءاً من أكياس البقالة وأدوات المائدة وصولاً إلى زجاجات المياه ومواد تغليف السندويتشات. لكن البحث عن الراحة قد تجاوز الحد، وفشلنا في استخدام المواد البلاستيكية بكفاءة، مما أدى إلى إهدار موارد قيمة وإلحاق الضرر بالبيئة.
ويُمثل الإفراط في استهلاك البلاستيك، وسوء إدارة النفايات البلاستيكية تهديداً متنامياً، مما يتسبب في امتلاء مكبَّات النفايات عن آخرها، وخنق الأنهار، وتهديد الأنظمة الإيكولوجية البحرية. ولكل هذا تأثير سلبي على القطاعات البالغة الأهمية بالعديد من الاقتصادات، ومن بينها السياحة والشحن ومصائد الأسماك.
برزت منطقة جنوب شرق آسيا بوصفها نقطة ساخنة للتلوث بالمواد البلاستيكية بسبب التوسع العمراني السريع وصعود الطبقة الوسطى ، التي يتزايد استهلاكها من المنتجات البلاستيكية ومواد التغليف لسهولة التعامل معها وتعدد استخداماتها. إلا أن البنية التحتية المحلية لإدارة النفايات لم تواكب وتيرة هذه التطورات، مما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من النفايات التي تُدار بشكل سيء. بالإضافة إلى ذلك، أدى تفشي فيروس كورونا إلى تفاقم الوضع بسبب زيادة استهلاك الكمامات وزجاجات المطهرات ومواد التعبئة والتغليف لتوصيل المشتريات التي تتم عبر الإنترنت.
في تايلاند والفلبين وماليزيا، يضيع أكثر من 57% من القيمة المادية للمواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير - وهو ما يعادل 6 مليارات دولار سنوياً - عند التخلص من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بدلاً من استعادتها وإعادة تدويرها. وهذا ما خلصت إليه سلسلة من الدراسات البارزة التي أعدتها مجموعة البنك الدولي.
ومع عدم تجاوز نسبة استعادة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير وإعادة تدويرها في تلك البلدان ما بين 18% و28%، فإن معظم نفايات مواد التغليف والتعبئة البلاستيكية لا تُترك فحسب لتلوث البيئة والانتشار على الشواطئ وجوانب الطرق، بل تفقد قيمتها أيضاً في تلك الاقتصادات. ويجب أن يتغير هذا الوضع. إن تحويل طريقة استخدامنا المواد البلاستيكية وإدارتها أمر ضروري، ويجب أن نساعد البلدان المعنية على التحول إلى اقتصاد إعادة التدوير الذي يسعى إلى تصميم منتجات لا تخلف أي نفايات، أو يُعاد استخدامها وتدويرها.
من الجدير بالذكر أن الزخم للتصدي لهذه المشكلة آخذ في التنامي. وتعمل البلدان والشركات والمجتمعات المحلية على وضع استراتيجيات واتخاذ إجراءات للحد من استخدام المواد البلاستيكية وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها. وأعدت الحكومات في كل من تايلاند والفلبين وماليزيا خطط عمل لاقتصاد إعادة التدوير بغرض إعطاء الأولوية للسياسات والاستثمارات المتعلقة بالمواد البلاستيكية في القطاعات والمواقع المستهدفة. وقطعت بعض الشركات ذات العلامات التجارية وشركات تجارة التجزئة العالمية الرائدة على أنفسها تعهدات طوعية لجعل عبوات التغليف البلاستيكية التي تستخدمها قابلة لإعادة الاستخدام، أو إعادة التدوير، أو التحويل إلى سماد، وذلك بحلول عام 2025.
بالإضافة إلى ذلك، تتضافر جهود القطاعين العام والخاص لإعادة تنظيم الأولويات، وإعادة التفكير في النُهج الواجب اتباعها، وتغيير أسلوب التفكير نحو النظر إلى البلاستيك بوصفه مورداً ثميناً وفرصة لأنشطة الأعمال بدلاً كونه مجرد نفايات. وتشمل هذه الجهود المنصات المشتركة بين القطاعين العام والخاص مثل: الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإدارة البلاستيك والنفايات البلاستيكية في تايلاند، والتحالف من أجل البلاستيك المستدام في ماليزيا، والتحالف من أجل إعادة التدوير واستدامة المواد في الفلبين.
لكن يجب فعل المزيد. تُظهر الدراسات التي أعدتها مجموعة البنك الدولي أن نماذج، مثل إعادة الاستخدام وإعادة التعبئة، لا تزال في طور النشوء في هذه البلدان الثلاثة، وهي حالياً غير قابلة للتطوير بما يكفي لتناسب حجم مشكلة النفايات البلاستيكية المتزايدة. ولا تزال المواد البديلة المعتمدة على مصادر الطاقة المتجددة بدلاً من المواد الخام الأولية المعتمدة على الوقود الأحفوري سوقاً متخصصة ليس لها ما يدعمها حتى اليوم من معايير أو بنية تحتية محلية.
وعلى الرغم من توفر الفرص لتحقيق أرباح من عملية إعادة تدوير البلاستيك، فإن الإخفاقات العديدة التي مُنيت بها الأسواق تحول دون ضخ القطاع الخاص استثمارات في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال اقتصاديات إعادة التدوير تواجه تحديات بسبب البلاستيك الخام الأرخص ثمناً. وليس بوسع الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة التي تضررت بشدة بسبب فيروس كورونا الاستفادة من الطلب المتنامي على المحتوى المعاد تدويره من العلامات التجارية العالمية.
ثمة حاجة ملحة للاستثمار في البنية التحتية المحلية للتجميع وإعادة التدوير لتحويل النفايات البلاستيكية بعيداً عن مكبَّات القمامة، والحرق في الهواء الطلق، والبيئة البحرية. في كثير من الأحيان، تستورد البلدان خردة النفايات البلاستيكية لأنها أفضل من حيث الجودة، في حين تصدر البلاستيك المعاد تدويره لتلبية الطلب الخارجي. وتُعد الأسواق الناشئة، مثل الفلبين، مصدِّرة صافية لخردة النفايات البلاستيكية لأنها تفتقر إلى القدرة على إعادة تدويرها محلياً والاقتصاديات الأفضل للتصدير. وهذا هو المجال الذي يمكن للقطاعين العام والخاص الدخول فيه.
يمكن للحكومات أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في وضع المعايير والسياسات لتعزيز الطلب على البلاستيك المعاد تدويره، وتحقيق تكافؤ الفرص أمام الشركات العالمية والمحلية، والمساعدة في تعزيز اقتصاد إعادة تدوير البلاستيك. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، تعمل مجموعة البنك الدولي على تشجيع "الاستثمارات الذكية في البلاستيك" عن طريق إعداد أدوات اقتصادية مبتكرة، واستحداث آليات تحفيزية، وتحديد الاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي يمكن أن تحدّ من النفايات البلاستيكية.
وتشمل خيارات السياسات تحميل منتجي السلع البلاستيكية ومستورديها المسؤولية عن التخلص من النفايات البلاستيكية؛ والأدوات الاقتصادية، بما في ذلك الضرائب، للمساعدة في التخلص التدريجي من المواد البلاستيكية غير الأساسية. ويجب مواءمة السياسات والمعايير والمبادئ التوجيهية من خلال إجراءات إقليمية محددة تتماشى مع الأجندات الوطنية.
لإيجاد بيئة مواتية، من الأهمية بمكان وضع معايير لمحتوى البلاستيك المعاد تدويره للمنتجات الاستهلاكية الرئيسية وتطبيقها. ويمكن أن يساعد ذلك الأمر في فصل أسعار البلاستيك المعاد تدويره عن أسعار البلاستيك الخام، وإيجاد طلب في السوق المحلي على المنتجات البلاستيكية المعاد تدويرها، والمُحسّن تدويرها إلى منتجات أعلى قيمة.
في هذا السياق، يجب أن يكون القطاع الخاص شريكاً مهماً في قيادة الحلول للتحدي المتعلق بالمواد البلاستيكية - قيادة الابتكارات في المواد والتكنولوجيا والتمويل، والمساهمة في التعليم، والمشاركة، وتكثيف جهود التنظيف. وتعمل مؤسسة التمويل الدولية على وضع إطار عمل للمساعدة في إنشاء "فئة أصول" جديدة من القروض والسندات الزرقاء لتدبير رأس المال اللازم للسوق الناشئة من أجل التصدي لقضية التلوث البحري بسبب النفايات البلاستيكية.
وبغية تحفيز عملية الانتقال إلى اقتصاد إعادة التدوير، يجب على القطاع الخاص إيجاد بدائل للبلاستيك تكون صديقة للبيئة، ونماذج أعمال مبتكرة لدعم إعادة استخدام البلاستيك وإعادة تدويره. وسيساعد هذا الأمر المستثمرين على تحقيق التوافق مع مع مصالح الحكومات، وإيجاد قيمة من البلاستيك المستعمل، والأهم من ذلك، تمهيد الطريق لمستقبل أكثر استدامة.
هذه التدوينة نُشِرَت في بادئ الأمر كمقال رأي على موقع صحيفة Nikkei Asia في 29 مارس/آذار 2021.
انضم إلى النقاش