نشر في أصوات

يمكن للبلدان النامية الاستفادة من السياسات المناخية التي تنتهجها أكبر اقتصادات العالم

الصفحة متوفرة باللغة:
مفهوم الطاقة المتجددة بواسطة jittawit.21 من Getty Images مفهوم الطاقة المتجددة، تصويرjittawit.21 من Getty Images

.تعمل أكبر اقتصادات العالم على تكثيف جهودها للتصدي للتهديد الوجودي الذي يمثله تغير المناخ عن طريق تقديم الدعم الأخضر وتسعير الكربون ووضع اللوائح التنظيمية. وتُعد هذه المبادرات ضرورية ومرحباً بها، ولكنها ستعيد تشكيل الطلب العالمي على السلع والخدمات بطرق تؤثر على الآفاق الاقتصادية للبلدان النامية، التي تعتمد على التجارة الدولية لدفع عجلة النمو وخلق فرص العمل.  

في المدونات السابقة، ناقشنا بعض التحديات التي تفرضها السياسات الجديدة التي تستهدف التخفيف من حدة التغيرات المناخية. وتشمل هذه التحديات تلبيةَ المتطلبات المعقدة لقياس المحتوى الكربوني في السلع المتداولة أو لإثبات أن زراعة السلع مثل البن والكاكاو لم ينتج عنها إزالة الغابات. وأشرنا إلى أن العديد من الشركات في البلدان النامية ستواجه صعوبة في تلبية هذه المتطلبات دون حصولها على مساعدات فنية ومالية كبيرة. وبشكل عام، قد تُضطر البلدان النامية إلى إعادة توجيه مواردها وتجارتها أكثر من البلدان المتقدمة لتظل قادرة على المنافسة في ظل سياسات التخفيف الجديدة المشار إليها.

وسوف ينصب تركيزنا في هذه المدونة على الفرص الكبيرة التي تقوم على الدراسات التحليلية للبنك الدولي بشأن سياسات المناخ بما في ذلك نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، وقانون المواد الخام الحيوية، والتوجيه الخاص بالطاقة المتجددة، وقانون خفض التضخم في الولايات المتحدة؛ وتطبيق "نظام تداول الانبعاثات" ومعايير وقود المركبات في الصين.

وسوف تعمل السياسات الرامية إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة - مثل أنظمة تداول الانبعاثات ولوائح الانبعاثات - إلى جانب الدعم الأخضر إلى تعزيز الطلب على الطاقة المتجددة والمعادن الحيوية اللازمة لصنع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات والأجهزة والمعدات عالية الكفاءة. وتقدر قيمة صادرات البلدان النامية من المعادن الحيوية حالياً بنحو 246.4 مليار دولار سنوياً، ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب العالمي على هذه الصادرات من حيث الحجم على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة إذا تم تحقيق الأهداف التي أعلنتها البلدان بشأن توفير الطاقة والتزاماتها بالوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر، وذلك وفقاً لمراجعة سوق المعادن الحيوية لعام 2023 الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة. ويتيح هذا الأمر فرصةً رئيسية لبعض البلدان مثل موزمبيق (التي تمتلك أكثر من نصف احتياطيات العالم من الجرافيت)، والأرجنتين (22% من الليثيوم)، وإندونيسيا (18% من النيكل). 

وسوف يؤدي التطبيق الصارم للمعايير الخاصة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وترشيد استهلاك الوقود أيضاً على ارتفاع مستوى الطلب على السلع الأخرى المعتمدة للتكنولوجيا الخضراء غير المضرة بالبيئة، مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح ومكوناتها، وكذلك البطاريات. ومع هذا الطلب المتزايد، من المتوقع أن يشهد سوق التكنولوجيا الخضراء والاستدامة على مستوى العالم زيادة بمقدار خمسة أضعاف من عام 2023 إلى عام 2032، وذلك وفقاً لتقرير مؤسسة "جلوبال ماركيتس إنسايتس" لعام 2023. وتصل صادرات البلدان النامية من سلع ومكونات التكنولوجيا الخضراء إلى الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالياً إلى نحو 185.6 مليار دولار. وتُعد البلدان التي تركز على الصادرات إلى أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، أكبر الرابحين على المدى القصير والمتوسط، ومن بينها مقدونيا الشمالية وتونس والمكسيك وصربيا (الشكل 1).  وفي حالة مقدونيا الشمالية وتونس، تشكل سلع التكنولوجيا الخضراء ومكوناتها المخصصة لتلك الأسواق نحو 12% و9% من إجمالي الناتج المحلي على التوالي، مما قد يكون له تأثير اقتصادي كبير.  

ومن غير المرجح أن يستفيد الجميع من زيادة الطلب على مكونات المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة. فبدءاً من عام 2029، ستكون البطاريات المُنتَجة أو المجمعة بالكامل في أمريكا الشمالية فقط مؤهلة للحصول على الإعفاءات الضريبية الممنوحة بموجب قانون خفض التضخم. وسوف يكون هذا الأمر مفيداً للمكسيك التي من المرجح أيضاً أن تقوم بشحن المزيد من المركبات الكهربائية المجمعة بالكامل إلى الولايات المتحدة للاستفادة من الإعفاءات الضريبية. أما البلدان الأخرى متوسطة الدخل التي لديها القدرة على تصنيع المركبات، مثل المغرب وتركيا وفييتام، فمن المرجح أن تشهد ارتفاعاً في مبيعاتها من المركبات الكهربائية إلى الاتحاد الأوروبي.

وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن للبلدان النامية اتخاذها للامتثال للعدد المتزايد من السياسات واللوائح المناخية للشركاء التجاريين الرئيسيين، وتعزيز القدرة التنافسية في مجال خفض الكربون، واغتنام الفرص التي يوفرها التحول الأخضر:  

  • دفع الجهود الرامية إلى إنجاز المساهمات المحددة وطنياً لمكافحة تغيُّر المناخ عن طريق تشجيع تطوير مصادر الطاقة المتجددة ومساعدة الشركات على الحد من الانبعاثات الكربونية. 
  • تسهيل اعتماد التكنولوجيا عن طريق خفض التعريفات الجمركية والإجراءات غير الجمركية على السلع والخدمات الحيوية المستخدمة في التكيف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره؛ وجذب الاستثمار الأجنبي في القطاعات الخضراء ذات الإمكانات التصديرية؛ وتعزيز الروابط مع سلاسل القيمة العالمية الخضراء عن طريق إزالة المعوقات القانونية والتنظيمية والإدارية التي تحول دون ممارسة أنشطة الأعمال. 
  • النهوض بالتحول الأخضر للاقتصاد بإنشاء آليات تسعير الكربون استناداً إلى المعايير الدولية.
  • تعزيز البنية التحتية للجودة - بما في ذلك قياس الانبعاثات الكربونية والإفصاح عنها والتحقق منها واعتماد قياساتها بالإضافة إلى إنشاء البنية التحتية الشاملة واللازمة لتتبع مستويات هذه الانبعاثات - وذلك لتسهيل الامتثال.  

ومن جانبها، يتعين على الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن تتجنب التدابير الحمائية، مثل فرض متطلبات المحتوى المحلي أو تقديم الدعم التمييزي، التي تضر بآفاق التنمية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وتؤخر مسيرة تحولها نحو الاقتصاد الأخضر.

ويمكن لهذه البلدان دعم التحول الأخضر عن طريق تبادل أفضل الممارسات، بما في ذلك المعايير البيئية والعمالية؛ والتنفيذ التدريجي لمتطلبات الاستدامة ذات الصلة بالتجارة لمنح البلدان النامية ذات القدرات المؤسسية الضعيفة الوقتَ الكافي للحاق بالركب؛ وتزويدها بالمساعدات المالية والفنية. 

وتستحق الجهود المناخية كل الترحيب، لكن انتشار السياسات والمعايير المناخية يزيد من تكاليف الامتثال بالنسبة للمصدرين من البلدان النامية. فعلى سبيل المثال، هناك ما لا يقل عن 20 معياراً للتخلص من الكربون في إنتاج الصلب، ولكل منها منهجيات مختلفة. كما أن المنظمات متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، لها دور مهم تؤديه في تعزيز مواءمة المعايير وفي الوقت ذاته الإقرار بالمعايير المطبقة في البلدان النامية.

ومن خلال تطبيق السياسات المناخية الصحيحة، يمكن للاقتصادات النامية والمتقدمة والمنظمات متعددة الأطراف العمل معاً للقضاء على الفقر على كوكب صالح للعيش فيه.


تم دعم هذا البحث من قبل الصندوق الاستئماني التابع للصندوق الشامل للتجارة، الذي يتلقى مساهمات من حكومات هولندا والنرويج والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة..




انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000