تشكل جائحة فيروس كورونا "صدمة-مزدوجة" لمجلس التعاون الخليجي، إذ أن انخفاض أسعار النفط يفرض ضغوطا شديدة على الإيرادات المالية، وأدى تعطل الإمدادات بسبب الجائحة إلى شبه توقف للنشاط الاقتصادي العام، على الأخص خلال تدابير الإغلاق الأولية. كيف إذن تتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع التعافي من الجائحة؟
قبل تفشي الجائحة، واجهت دول مجلس التعاون الخليجي تحديات هيكلية طويلة المدى أمام اقتصاداتها. واضطرت جميعها إلى خفض الاعتماد على النفط، وتحسين تنافسية القطاع الخاص وكفاءة القطاع العام، وإعادة النظر في شبكات الأمان الاجتماعي. ببساطة فإن فيروس كورونا تسبب في تسريع خطى هذه العملية. وحتى قبل الجائحة، اعترى الضعف النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون، إذ انخفض إلى 0.8% فحسب عام 2019.وفي أعقاب الأزمة من المتوقع أن يتراجع هذا الرقم إلى -5.7% عام 2020.
سيتطلب التعافي من الجائحة التزاما مستداما بمزيج سياسات يواصل الإصلاحات الهادفة إلى تيسير أنشطة القطاع الخاص على نحو أكبر مما يساعد في تنويع اقتصاداتها. وتهيمن الهيئات الحكومية على أجزاء كبيرة من اقتصادات مجلس التعاون الخليجي، وتوفر فرص عمل مباشرة لمواطنيها. لكنها تزاحم أيضا الأنشطة الخاصة في الأسواق المالية وأسواق المنتجات. وسيكون من الأهمية إنشاء أطر عمل للشراكات بين القطاعين العام والخاص في أنحاء مجلس التعاون الخليجي، لا لإدارة الاستثمار العام على نحو أفضل فحسب، بل لاستقطاب المزيد من الاستثمار الخاص (والخارجي) أيضا. كما أن تحسين التنافسية في أسواق عوامل الإنتاج سيكون حيويا لإصلاح أسواق العمل التي يشوبها الجمود، وعادة ما تستهدف توجيه العمالة الأجنبية الرخيصة إلى الشركات في القطاعات غير التجارية التي يعتمد نموذج أعمالها على الإنفاق الحكومي (على سبيل المثال الرواتب التي تمول استهلاك ومشتريات الأسر) [انظر نظام الكفالة]. بالإضافة إلى ذلك فإن إصلاحات سوق العمل التي تحدّ من التشوهات وتسمح للمرأة بالمشاركة الكاملة ستحظى بأهمية بالغة. يتطلب هذا إعادة التفكير الأساسي في العقد الاجتماعي في مجلس التعاون الخليجي والتحرك بعيدا عن الحكومة كلية الوجود إلى الاعتماد المتزايد على المنافسة القوية وخلق فرص العمل بقيادة القطاع الخاص.
واصلت دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ إصلاحات هيكلية هامة خلال الجائحة، على الرغم من التركيز الكبير على مكافحة الأزمة الصحية والاقتصادية. وضخت كافة دول المجلس حزما تحفيزية ضخمة لدعم اقتصاداتها المتعثرة عام 2020 (للاطلاع على السعودية والإمارات كمثال هنا). واستحوذت مكافحة الجائحة على معظم انتباه صانعي السياسات، لكن تم تنفيذ عدد من الإصلاحات الهيكلية الأساسية أيضا. ويرصد فريق عمل البنك الدولي المعني بمجلس التعاون الخليجي حاليا تلك الإصلاحات. وقد وجدنا أن عددا من الموضوعات الرئيسية التي عالجتها إصلاحات هيكلية قد تم تنفيذه خلال الجائحة، مما يمنح سببا للتفاؤل مستقبلا. وتشمل الموضوعات الآتي:
- إصلاحات سوق العمل: في إطار إستراتيجيتها الجديدة للعمل، استبدلت المملكة العربية السعودية نظام الكفالة الحالي، الذي يحكم انتقال العاملين الأجانب ووضعت حدا أدنى للأجور لخفض معدل البطالة بين العاملين من المواطنين.
- كما أسست البحرين صندوق الأمل لدعم رواد الأعمال الشبان والشركات بغرض تقديم استثمار أولي لأفكار أنشطة الأعمال للشباب البحريني.
- سياسات التنافسية: سنت الكويت قانون حماية المنافسة لمنح جهاز حماية المنافسة الكويتي المزيد من الاستقلالية، مما يحوله إلى هيئة فنية واحترافية بحتة لتقليل الضغوط السياسية في أدائه لمهمته. وفي قطر، أكد قرار جديد لمجلس الوزراء المناطق التي بمقدور غير القطريين تملك العقارات فيها والاستفادة منها، والبنود والشروط والمنافع وإجراءات تملك تلك العقارات واستخدامها. وفي الإمارات العربية المتحدة يسمح مرسوم جديد بالملكية الأجنبية للكاملة للشركات داخل الدولة.
- إصلاحات الخدمات الاجتماعية: في سلطنة عمان، تم توجيه دعم المياه والكهرباء حاليا على نحو أفضل إلى الفئات الأشد فقرا من السكان لزيادة الأثر وخفض العبء المالي. وفي السعودية، تم تدشين شركة نقل وتقنيات المياه، وهي هيئة مملوكة للدولة ستدير نقل وتوزيع وتخزين المياه المحلاة في أنحاء البلاد على نحو أكثر شمولا، كما استحدثت قواعد تنظيمية جديدة لنظام المساعدة الاجتماعية (يشمل حدا أدنى للمدفوعات المحولة إلى الأسر المستحقة) لزيادة كفاءة الإنفاق والتشغيل.
- تمكين المرأة والإصلاح القانوني خففت الإمارات قوانين ضد التعايش (التي قيدت إقامة الوافدين لفترات طويلة) وعززت وضع المرأة في تسوية النزاعات داخل الأسرة. وفي السعودية، تعززت إصلاحات رفيعة المستوى تسمح للمرأة بقيادة السيارات عبر قوانين تسمح للمرأة بالحصول على جواز سفر خاص وتغيير الأسماء بدون موافقة ولي الأمر. وقد أشاد تقرير البنك الدولي المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2020 بالسعودية التي تصدّرت البلدان القائمة بالإصلاح على مستوى العالم في العام الماضي.
ويعتمد خروج المنطقة سريعا من براثن الأزمة إلى حد كبير على استجابة السلطات على صعيد السياسات ومدى رغبتها في تنفيذ إجراءات جريئة في مواجهة حالة غير مسبوقة من عدم اليقين والتقلبات والمخاطر. ومن المثير للتفاؤل أن نرى زخم الإصلاحات يتواصل في الوقت الحالي. وبمقدور دول مجلس التعاون الخليجي تلقي الدعم من هذا الأداء القوي ومواصلة التعلم بعضها من بعض مستقبلا.
انضم إلى النقاش