يتوقع تقرير يناير/كانون الثاني 2017 من نشرة الآفاق الاقتصادية العالمية أن يسجل الاقتصاد العالمي انتعاشا هزيلا في عام 2017 بعد أن سجَّل العام السابق أضعف أداء منذ الأزمة المالية.
ومن المُتوقَّع أن يأتي انتعاش النمو من انحسار العقبات التي عرقلت في الآونة الأخيرة النمو في البلدان المُصدِّرة للسلع الأولية، ومن طلب محلي قوي في البلدان المستوردة للسلع الأولية. وتشير التوقعات إلى أن بلدان الاقتصادات الصاعدة الرئيسية، ومنها روسيا والبرازيل، ستتعافى من الكساد مع بدء انتعاش أسعار السلع الأولية.
ولكن مبعث قلق كبير يشوب آفاق المستقبل وهو أن ضعف الاستثمار –سواء من حيث إقامة البنية التحتية للنقل، أو تحسين النظم التعليمية، أو تقوية منشآت الرعاية الصحية- سيكون عبئا ثقيلا على آفاق النمو في الأمد المتوسط في الكثير من بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
وتميل كفة ميزان المخاطر نحو احتمالات قد تُؤدِّي إلى معدل نمو أبطأ مما كان متوقعا، فيما يُعزَى أساسا إلى اشتداد الشكوك وحالة عدم اليقين بشأن اتجاه السياسات الاقتصادية لبلدان الاقتصادات الرئيسية. غير أنه من المحتمل أيضا أن يفوق معدل النمو التوقعات إذا تم تنفيذ برامج للتحفيز المالي في بلدان الاقتصادات الرئيسية.
ومن المتوقع أن ينتعش معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7% في 2017 من معدل ضعيف بلغ 2.3% في السنة التي انقضت لتوها. ومن المرتقب أن تُحقِّق منطقتا شرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب آسيا –وهما موطن كثير من البلدان المستوردة للسلع الأولية- معدل نمو قويا. فالهند قد تحافظ على معدل نموها الاقتصادي فوق مستوى 7%، أمَّا الصين فمن المتوقع أن يبلغ معدل نموها 6.5%.
وتبدو الصورة مختلطة في المناطق التي هي موطن البلدان المُصدِّرة للسلع الأولية. فمن المتوقع أن تتعافى بلدان أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وأوروبا وآسيا الوسطى في عام 2017، ولكن هذا يرجع بصورة أساسية إلى تحسُّن الأوضاع في البرازيل وروسيا اللتين أصابهما الكساد. وسيؤدِّي انتعاش أسعار النفط إلى تسريع وتيرة النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتشير التوقعات إلى أن معدل النمو سيتعافى أيضا في أفريقيا جنوب الصحراء. بيد أن بعض البلدان المصدرة للسلع الأولية في المنطقة لا تزال تعاني من آثار هبوط أسعار السلع الأولية منذ عام 2011، وكان التحسُّن هناك أضعف بدرجة ملحوظة مما كان متوقعا في السابق.
ويُلقِي عدد يناير/كانون الثاني من نشرة الآفاق الاقتصادية نظرة متعمقة على الآثار المحتملة للتطورات في اقتصاد الولايات المتحدة –وهو أكبر اقتصاد في العالم- في شتَّى أنحاء المعمورة. فإذا حدثت قفزة لمعدل النمو بالولايات المتحدة –سواء كانت نتيجةً لسياسات مالية توسعية أو أسباب أخرى- فإنها قد تؤدِّي إلى تعزيز كبير للاقتصاد العالمي.
ومن ناحية أخرى، فإن تشديد شروط الائتمان في الولايات المتحدة –سواء كان بسبب إجراء أسرع مما كان متوقعا من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) لتشديد السياسة النقدية أو لأسباب أخرى- ستكون له تداعيات في مختلف أسواق المال العالمية، وقد يُخلِّف آثارا سلبية على بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تعتمد اعتمادا كبيرا على التمويل الخارجي.
وإذا استمرت حالة عدم اليقين بشأن مسار السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة، فإنها قد تُضعف آفاق نمو الاقتصاد العالمي. وللسبب ذاته، تكون للتطورات في بقية أنحاء العالم انعكاسات وآثار على الولايات المتحدة التي تتسم باندماج عميق مع شركائها التجاريين والماليين في أنحاء العالم.
ويتناول التقرير أيضا تباطؤ معدل نمو الاستثمار في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى منذ عام 2010. وبرز هذا التباطؤ بوضوح في أكبر بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان المصدرة للسلع الأولية. ويقل معدل نمو الاستثمار الآن عن متوسطه في الأمد الطويل في أكبر عدد من بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى في الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، مع عدم حساب الوضع أثناء نوبات الكساد العالمية الحادة.
وتُساهم هذه البلدان بأكثر من ثلث إجمالي الناتج المحلي العالمي، ويعيش فيها نحو ثلاثة أرباع فقراء العالم. ويشكل ضعْف الاستثمار تحديا جسيما أمام هذه البلدان نظرا لاحتياجاتها الكبيرة مع سعيها لتوسيع نشاطها الاقتصادي، واستيعاب التوسُّع العمراني السريع، وتحقيق طائفة من الأهداف الإنمائية الأخرى. وفضلا عن ذلك، يعوق ركود الاستثمارات آفاق النمو في المستقبل، بإبطائه تراكم الثروة ونمو الإنتاجية.
وتتوقَّف أولويات السياسات على ظروف كل اقتصاد على حدة، وتعتمد على القدرة على خفض أسعار الفائدة أو تقديم حوافز من خلال السياسات الخاصة بالضرائب أو الإنفاق. غير أنه يجب على واضعي السياسات أن يكونوا مستعدين لاستخدام كافة أنواع السياسات التي تحت تصرفهم لتسريع خطى نمو الاستثمار.
وبالنسبة لبلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى، سيساعد الاستثمار في رأس المال البشري والمادي على تقليل الاحتياجات التي لم يتم الوفاء بها في المهارات والبنية التحتية، ودعْم النمو في الأمد الطويل. ومن العوامل التي ستُساعِد أيضا على تعزيز القدرة على الصمود ومجابهة الصدمات وتحسين آفاق النمو، إعادة بناء حيز في السياسات، ومعالجة مواطن الضعف والقصور، وتعزيز التكامل الدولي من خلال النهوض بالتجارة والاستثمار الأجنبي المباشر.
انضم إلى النقاش