نشر في أصوات

حان الوقت لإنهاء أزمة إعادة هيكلة الديون التي طال أمدها

الصفحة متوفرة باللغة:
????????????????? 日落下玩耍的孩子们。图片:世界银行

على مدى فترة طويلة من نصف القرن الماضي، كانت مجموعة من الأفكار العتيقة إلى حد ما تحكم جزءا رئيسيا من الآلية العالمية لمنع أزمات الديون السيادية في الاقتصادات النامية : كانت مؤسسات الإقراض الحكومية تتفوق على مؤسسات الإقراض التجارية في تحقيق معدلات السداد، وكانت مؤسسات الإقراض التجارية تتأثر بالنداءات الأخلاقية، وبالتالي لم تكن المبادئ غير الرسمية كافية لنجاح هذا النشاط. ولمدة طويلة تقريبا، كان من الواضح أن جزءًا ضئيلا للغاية من هذا صحيح. ففي الواقع العملي، يحصل المقرضون التجاريون عادة على مستحقاتهم أولا. أما المقرضون الحكوميون - المعروفون باسم الدائنين الثنائيين الرسميين - فيحصلون في الواقع على أقل من أموالهم: ففي المتوسط يقل ما يحصلون عليه بواقع 20 نقطة مئوية على الأقل عن المقرضين التجاريين. وحتى بعد إعادة هيكلة الديون، فمن الراجح أن الدائنين الثنائيين يشهدون تكرارا لحالات التأخر عن السداد من المقترضين مقارنة بما يشهده المقرضون التجاريون. 

وفي "الحلقة الثلاثية" التي تشكل إعادة الهيكلة المعتادة للديون السيادية، فإن الدائنين الثنائيين الرسميين هم الطرف الفاعل الأصلي؛ وعادة ما يأتي المقرضون التجاريون فقط في النهاية. ويتفاوض الدائنون الحكوميون أولا على شروط إعادة الهيكلة مع المقترضين السياديين. ثم يطلبون من المقترضين السعي للحصول على "معاملة مماثلة" من الدائنين التجاريين - ونادرا ما يتم الحصول على هذه المعاملة.

وغالبا ما تكون النتيجة مأساة بطيئة الحركة: تأخر تخفيف أعباء الديون، ومفاوضات إعادة الهيكلة التي يطول أمدها، ونحو 10 سنوات من البؤس لمواطني البلد المقترض. 

وربما كان هذا النهج مفهوما قبل 50 عاما عندما كانت البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مدينة للدائنين التجاريين بالقليل. لكن لا يمكن الدفاع عن هذا الوضع ببساطة اليوم: ففي المجموع، نجد أن هذه الاقتصادات مدينة الآن لدائنين تجاريين بما يقرب من خمسة أمثال حجم ديونهم المستحقة للدائنين الثنائيين (2.17 تريليون دولار مقابل 475 مليار دولار على التوالي). وعلاوة على ذلك، فإن جزءا كبيرا من الدين التجاري في شكل قروض مضمونة بموارد- وقد تم التعهد بتقديم الإيرادات المستقبلية من الموارد الطبيعية كضمانة للدين من جانب البلد المقترض. وخلاصة القول: يمتلك الدائنون التجاريون كل أسباب القوة لإنفاذ الدفع. أما الضغط الأخلاقي والمعنوي فلا جدوى كثيرة منه في ظل هذه الظروف. 

وهناك طريقة أفضل ويمكن تطبيقها على الفور من خلال عمل مجموعة العشرين بشأن الإطار المشترك لمعالجة الديون ويمثل ذلك أحدث وسيلة دولية لتخفيف أعباء الديون بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل التي لا يمكنها تحمل أعباء ديونها. وتمثل هذه المبادرة بالفعل تحسنا هيكليا رئيسيا: تضم قائمة الدول الموقعة على هذا الإطار المشترك العديد من الدائنين الثنائيين الرئيسيين بعدد أكبر بكثير مقارنة بعدد دول نادي باريس، بما في ذلك الصين والمملكة العربية السعودية. لكن التقدم في هذا المسار قد توقف. وحتى الآن، لم تتقدم سوى ثلاثة بلدان فقط هي تشاد وزامبيا وإثيوبيا بطلبات للتخفيف من الديون. ويتمثل أحد الأسباب في غياب مشاركة القطاع الخاص في مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين. وثمة أمر آخر هو أن البلدان المحتمل أن تقدم طلبات التخفيف تخشى أن يتم قطع سبل حصولها على التمويل التجاري إذا تقدمت بطلبات. وتمثل الوتيرة البطيئة لإعادة الهيكلة أيضا عنصر ردع: ترغب البلدان في تجنب حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تكتنف مفاوضات إعادة الهيكلة التي يطول أمدها. 

وقد حان الوقت لتغيير هذا الوضع. واقترح البنك الدولي خطوتين مباشرتين:

أولا، جمع الدائنين التجاريين للتفاوض من البداية. ومن شأن ذلك أن يقطع شوطا طويلا نحو مواءمة حوافز الدائنين التجاريين مع حوافز الدائنين الحكوميين والمقترضين السياديين، وتسهيل تحقيق مبدأ رئيسي لإعادة هيكلة الديون: وهو ضرورة مشاركة جميع الدائنين على قدم المساواة في عبء تخفيف أعباء الديون. وسيؤدي هذا إلى تسريع وتيرة العملية: وسيكون بمقدور الدائنين الثنائيين والتجاريين التوصل إلى اتفاق لإعادة الهيكلة بصورة مشتركة وليس بشكل منفصل ومتعاقب. وسيعمل ذلك على زيادة احتمالات قيامهم ببرنامج تخفيف يعيد القدرة على تحمل أعباء الديون مرة واحدة وبصورة مستمرة.

ثانيا، وضع معادلة رياضية موحدة لتقاسم الأعباء. ومن الأسهل تطبيق "معاملة مماثلة" من خلال معادلة موحدة لتحديد حجم تخفيف أعباء الديون الذي سيقدمه جميع الدائنين.  ويعتمد نادي باريس اليوم على أساليب مختلفة لتقييم ما إذا كان من الممكن تحقيق معاملة مماثلة. وفيما بين الدائنين الثنائيين، جرت العادة أن يتم البدء بتعليق مدفوعات خدمة الدين أو تمديد آجال استحقاق القروض قبل إجراء تخفيضات في رصيد الديون. ويتحرك الدائنون التجاريون بوتيرة أسرع: ويقومون في العادة بإعادة هيكلة كامل رصيد الديون القائمة وتخفيضه. ومن شأن وضع معادلة موحدة للقيمة الصافية الحالية لتحقيق معاملة متساوية أن يحسن الشفافية مع تحسين احتمالات تحقيق المساواة في المعاملة.

ويقف العالم الآن في مفترق طرق. وقد تركت جائحة كورونا الاقتصادات النامية محملة بمديونية إجمالية عند أعلى مستوى لها منذ 50 عاما: ما يعادل أكثر من 200% من إجمالي الناتج المحلي.   ومن بين أشد البلدان فقرا - ومعظمها في أفريقيا - يتعرض نحو 60% منها لمخاطر مرتفعة تتمثل في صعوبة تحمل أعباء الديون أو تجد هذه البلدان نفسها في خضم هذه المخاطر بالفعل. ولا توجد سابقة تذكر على بقاء هذه المستويات من الديون على نحو لا يسبب أضراراً في ظل الظروف التي نشهدها اليوم: فعندما يتباطأ النمو، ترتفع معدلات التضخم، ويتم تنفيذ دورة رئيسية من تشديد السياسات النقدية.

ولا توجد سوى آلية دولية واحدة لتخفيف أعباء الديون هي: الإطار المشترك. والحركة في سياق هذا الإطار ثقيلة مثل الآليات السابقة. وحتى الآن، لم ينتقل سوى بلد واحد من مقدمي الطلبات الثلاثة - تشاد - إلى مرحلة مفاوضات إعادة الهيكلة. ومع انتهاء أجل مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين في ديسمبر/كانون الأول، ستواجه البلدان المقدمة للطلبات أعباءً إضافيا في القريب العاجل تتمثل في استئناف مدفوعات خدمة الديون. وفي الوقت نفسه، فإن خطر أزمات الديون ينتقل أيضا إلى الاقتصادات متوسطة الدخل.

وستستفيد جميع البلدان إذا ضاعفنا جهودنا لتخفيف أعباء الديون على أشد البلدان فقرا - ويمثل الإطار المشترك الاختبار الحاسم في هذا الصدد.  وإذا استطعنا تعزيز هذا الإطار وتسريع وتيرته، وإعفاء البلدان التي تقدمت بطلبات في سياق هذا الإطار من الالتزام بسداد مدفوعات خدمة الديون في أثناء المفاوضات، فسيكون من الواضح أن عزم المجتمع الدولي على قدر التحديات الماثلة أمامنا.

والحلول متاحة أمام العالم لنزع فتيل خطر أزمات الديون. وكل ما هو مطلوب هو الالتزام بتنفيذها.

 

هذه المدونة هي مقالة سابقة صدرت عن معهد بروكينغز، ونشرت أول مرة في 25 فبراير/شباط 2022.


بقلم

اندرميت جيل

رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول للرئيس لاقتصاديات التنمية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000