تحت وطأة التوقعات والآمال الكبيرة والأضواء الساطعة لكاميرات التلفزيون، تجمعت الوفود الأسبوع الماضي في المؤتمر الدولي الثالث للتمويل من أجل التنمية في أديس أبابا.
وتبادل قادة العالم، وممثلو منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص الأفكار بشأن سبل تمويل أهداف التنمية المستدامة الطموحة (e). وكانت المناقشات إيذاناً بتحوُّل في منهج تفكيرنا إزاء التنمية. وتحدَّث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن عالم "تزداد فيه أعداد السكان وتتفاقم فيه القيود على الموارد" وهو ما يجعله عالمًا "تشتد فيه الحاجة إلى تجديد موارد تمويل التنمية." ويتمثل أحد العناصر الحيوية لهذا التجديد في مساعدة البلدان النامية على إيجاد الموارد المحلية اللازمة لتمويل البرامج والبنية التحتية، والأهم من ذلك، الحفاظ على هذه الموارد. ولا يمكن تحقيق الحفاظ على الموارد بدون جهود مُنسَّقة لتقليص التدفقات المالية غير المشروعة . وتُمثِّل ممارسات الفساد، والتهرب من دفع الضرائب، وغسل الأموال الوقود الذي يُذكِي التدفقات غير المشروعة. فهي تبعد الموارد عن أغراضها وقنواتها المشروعة لتقتنصها أيدي قلة فاسدة.
وقد وضع برنامج عمل أديس أبابا (e) هدفًا واضحًا تمثل في "مضاعفة الجهود لتحقيق تخفيض كبير في التدفقات المالية غير المشروعة بحلول عام 2030 بُغيةَ القضاء عليها في نهاية المطاف." ولكن كيف يُمكِننا تحقيق ذلك؟ ثمة دور لمجموعة البنك الدولي يجب أن تضطلع به في هذه الجهود، لكن ما زال أمامنا الكثير، ولن نصل إلى ما نُريد إلا بمزيد من التعاون على المستوى الدولي.
• أولاً، من الضروري التصدي لمصادر التدفقات المالية غير المشروعة عن طريق مكافحة النشاط الإجرامي والفساد والتهرب الضريبي.
• ثانيا، يجب وقف التدفقات المالية غير المشروعة لمنع هروب الأموال غير المشروعة من البلاد.
• أخيراً، يجب على الغير – لاسيما الوسطاء الماليين وغيرهم من مقدمي الخدمات- الكف عن قبول مثل هذه الأموال.
ولتحقيق هذه الأهداف، يجب على البلدان النامية والمراكز المالية التعاون من أجل تبنِّي وتنفيذ سياسات تكفل النهوض بالإدارة الرشيدة والحوكمة الجيدة، ومكافحة الفساد، وتتبُّع الأموال القذرة، وتنفيذ نظم ضريبية شفافة. ويجب أن تسن كل البلدان القوانين الصحيحة، وعلى نفس القدر من الأهمية، يجب أن يكون لديها القدرة على تنفيذها. ومن الضروري أيضا تنفيذ القوانين القائمة التي تهدف إلى تحديد هوية الملاك الفعليين لهذه الأصول والأموال ومنع عمليات الشركات الوهمية وغيرها من الهياكل والآليات التي يشوبها الغموض. ويأتي على نفس القدر من الأهمية إيجاد نظام لتبادل المعلومات الضريبية مثل منع من يقومون بالتهرب الضريبي وغسل الأموال من إخفاء أرباحهم غير المشروعة. ومن الضروري أيضًا أن تستخدم التدفقات المالية العابرة للحدود النظم المالية الرسمية لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، وهو جوهر عمل مجموعة البنك الدولي مع مجلس الاستقرار المالي (e)، ومجموعة العشرين للحد من المخاطر ومنع المعاملات الدولية من السير في الطرق غير المشروعة.
وتتمتع مجموعة البنك الدولي بالقدرة على جمع مختلف الأطراف معًا، والخبرة الفنية اللازمة لمساعدة البلدان على تحقيق هذه الأهداف. وبمقدورنا جمع البلدان النامية والمتقدمة معا، وتنسيق الأنشطة العالمية، والمساعدة في وضع معايير عالمية. ويتيح الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أديس أبابا منبرًا قويًا لحث خطى هذه الأجندة، لاسيما من خلال نقل العمل إلى المستوى القطري. ونستطيع بخبرتنا ومعارفنا في مجالات إدارة الموارد، والشفافية المالية وفي مجال المالية العامة، والحوكمة، والضرائب، وجمع المعلومات المالية، واللوائح التنظيمية، ومكافحة غسل الأموال، واسترداد الأموال المنهوبة مساعدة البلدان على وضع حلول تناسب ظروفها لوقف التدفقات المالية غير المشروعة.
ونحن على أهبة الاستعداد للتعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، ويجب على شركات القطاع الخاص أن تضطلع بدورها في ضمان التزام ممارساتها الضريبية والتجارية بالقوانين المحلية.
وفي أديس أبابا، شاركتُ في مناقشة مفعمة بالحيوية في فعالية استضفناها بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي حول التدفقات المالية غير المشروعة، شاركت فيها منظمة أوكسفام وممثلون عن حكومات كينيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد. وسعينا إلى تحديد الإجراءات الملموسة اللازمة لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة وزيادة الإيرادات في البلدان النامية.
ولم تكن هذه المناقشة سوى نقطة البداية على الطريق نحو 2030. وستظل التعهدات والارتباطات والنوايا مجرد كلمات أو أماني ما لم تتبعُها إجراءات ملموسة لوقف التدفقات المالية غير المشروعة.
وليس هذا تحدياً نظرياً، لكنه تحد يُؤثِّر على حياة ملايين من البشر في شتَّى أرجاء العالم. وكل دولار يتم تحويله بغير وجه حق يؤدي إلى نقص الأموال التي يمكن إنفاقها على المياه النظيفة، والعيادات الصحية، والمعلمين، وغير ذلك من الأغراض المنشودة والمشروعة. ومثل هذه الممارسات تحرم البلدان النامية من مواردها التي يجب أن تُنفق على أولوياتها الإنمائية.
ويحدونا الأمل أن يكون الزخم الذي تمخَّض عنه مؤتمر أديس منصة انطلاق لجميع البلدان والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني للتكاتف من أجل التصدي لهذا التحدي الإنمائي الجسيم. وإنِّي أتطلَّع إلى مواصلة الحوار ونحن نناقش تمويل أجندة التنمية. فالنجاح يعود بالنفع على الجميع، لكن الفشل في التصدي للتدفقات المالية غير المشروعة سيتضرر منه أشد البشر فقرًا وحرمانًا، ولا ينبغي لنا أن نسمح بحدوث ذلك.
انضم إلى النقاش