نشر في أصوات

كيف تساعد منصة رقمية للموانئ على تسريع توصيل السلع إلى تجمعات متاجر التسوق المركزي (المولات) المحلية

الصفحة متوفرة باللغة:
Image
Large harbor cranes loading container ships in the port of Rotterdam.
ميناء روتردام تصوير: VanderWolf Images / شترستوك

هل سبق لك أنْ تساءلت كيف وصلت الملابس أو الإلكترونيات التي تشتريها إلى المول الذي تتردد عليه؟ إنها على الأرجح عبرت حدوداً، وأبحرت عبر محيطات، وإحدى محطات التوقف المهمة في رحلتها هي ميناء. فالموانئ ليست مجرد محطات لرسو السفن، إنها مراكز معقَّدة تعج بالنشاط وذات أهمية بالغة لسرعة نقل شحنات البضائع الدولية. وإدارة ميناء عمليةٌ معقَّدة تشترك فيها شركات خاصة مختلفة وهيئات حكومية. وهنا تتدخل التكنولوجيا لتجعل كل شيء يسير بسلاسة.

وتتيح المنصات الرقمية الحديثة لأصحاب المصلحة والأطراف المعنية في الموانئ تبادل البيانات والمعلومات فيما بينهم. وتساعد هذه القدرات على تحسين الأداء اللوجستي للموانئ وتيسير حركة التجارة. وتُعرَف أحدث نسخة من المنصات الرقمية للموانئ باسم نظام إدارة مجتمع الموانئ (PCS).  

كيف يختلف نظام إدارة مجتمع الموانئ عن الحلول الرقمية الأخرى التي تستخدمها الموانئ؟ لك أن تتخيَّل قاعة اجتماعات رقمية يمكن فيها لكل المهتمين بعمليات الموانئ، على سبيل المثال، شركات تشغيل الموانئ، وشركات الشحن، وسلطات الموانئ والجمارك وغيرهم، أن يتحادثوا بعضهم إلى بعض. ولكن بدلاً من أن يتحادثوا فإنهم يتبادلون المعلومات الأساسية رقمياً. ويؤدي هذا النظام إلى تقليص شديد للأعمال الورقية والإجراءات البيروقراطية التي تصاحب في الغالب الخدمات اللوجستية في الموانئ، وبالتالي تسريع اتخاذ القرارات وتيسير العمليات.

وعندما ننظر إلى الصورة العامة للنطاق الأوسع للتجارة الدولية، فإن نظام إدارة مجتمع الموانئ هو الركيزة الأساسية التي يمكن أن تجعل سلاسل الإمداد العالمية أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات. فكلما زادت المعلومات التي تتبادلها شركات الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد الدولية، تحسَّنت قدرتها على التكيف مع العقبات غير المتوقعة. وبالنسبة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن نظام إدارة مجتمع الموانئ يُعَد بمثابة آلية متقدمة لتسهيل التجارة وتعزيز ربط الخدمات اللوجستية لحركة التجارة الدولية. ويُمكِن أن يكون نظام إدارة مجتمع الموانئ خطوة كبيرة على الطريق نحو زيادة الرخاء من خلال التجارة: فمع تحسُّن الكفاءة، تتحسَّن قدرات الميناء، وتزيد حركة النقل بالمرور عبره كل يوم .

وبالنظر إلى الأرقام، نجد أن لنظام إدارة مجتمع الموانئ منافع يمكن قياسها للمستهلكين والشركات والبيئة. فعلى سبيل المثال، في هولندا، ساعد نظام إدارة مجتمع الموانئ المعروف باسم (قاعدة الموانئ) على خفض التكاليف السنوية للشركات التي لها علاقة بالخدمات اللوجستية بمقدار 245 مليون يورو. وهذه ليست مجرد دفعة لتعزيز الاقتصاد الهولندي، فهي تساعد أيضاً على تحسين ظروف التشغيل لمجتمع الموانئ على مستوى الاقتصاد الجزئي. ومن خلال مساعدة سائقي الشاحنات على أن يعرفوا بدقة متى تكون شحنتهم جاهزة لتسلُّمها، يمكن توفير 30 كيلومتراً من حركة الشاحنات إلى الميناء ومنه، وتنخفض بدرجة كبيرة الآثار البيئية لقطاع شحن البضائع.

واستطاعت الموانئ التي تستخدم نظام إدارة مجتمع الموانئ زيادة سرعة عملياتها. فالوقت كما يقولون هو المال، وما من مجالٍ يصدق عليه هذا أكثر من التجارة الدولية. فتخيَّل الانتظار لأيام لمجرد أن تنجز إجراءات التخليص الجمركي للشحنة بينما تتعرَّض شحنتك القابلة للتلف للضياع ويشكو عملاؤك. وقد تكون تأخيرات الإجراءات الورقية كابوساً، لكن نظام إدارة مجتمع الموانئ يمحو فعلياً هذه المشكلة. انظر إلى ميناء كوتونو في أفريقيا. وهناك، أدى تنفيذ نظام إدارة مجتمع الموانئ إلى انخفاض مذهل في وقت الانتظار للشاحنات الكبيرة من 269 ساعة إلى 3 ساعات لا غير في 2012.

وثمة سمةٌ بارزة في نظام إدارة مجتمع الموانئ هي تتبع الشحنات والإجراءات أولا بأول. فتخيَّل أنك تستطيع أن ترى بدقة موقف شحنتك الدولية تماما مثلما يمكنك أن ترى موعد تسليم طلب البيتزا في الحال. نظام إدارة مجتمع الموانئ يجعل هذا الأمر ممكناً. فعلى سبيل المثال، في جيبوتي يُقدِّم هذا النظام صورةً بزاوية 360 درجة لتحركات الشحنة، فيتيح لك نظرة مفصَّلة لا في جيبوتي فحسب، وإنما على حركة الشحنة في إثيوبيا المجاورة.

ومع إدراكنا المتزايد لبصمتنا البيئية، سيصبح نظام إدارة مجتمع الموانئ أكثر أهمية من أي وقت مضى. وساعد نظام إدارة مجتمع الموانئ في دبي على تجنُّب 12.74 مليون زيارة فعلية لوكلاء الشحن وغيرهم من مُقدِّمي الخدمات اللوجستية في الميناء، وتم تحويل رقم مذهل هو 42.47 مليون معاملة ورقية إلى معاملات رقمية، أي ما يعادل تجنّب إطلاق قرابة 1700 طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويشبه ذلك سحب 347 سيارة من الطرق لمدة عام بأكمله!

ويجب أن يكون نظام إدارة مجتمع الموانئ متكاملا بشكل جيد مع الأنظمة الأخرى في الميناء حتى يؤدي عمله على نحو فعَّال. فعلى سبيل المثال، أنشأ الكثير من الموانئ بالفعل نظام النافذة الواحدة للتجارة الذي يتيح تبادل البيانات بين وكلاء الجمارك وغيرهم من موظفي عمليات التفتيش الحدودية. وباتت جمهورية الكونغو الديمقراطية مضرب المثل في هذا المجال. وهنا، تم تصميم النظام الوطني متعدد الوسائط لإدارة مجتمع الموانئ ليعمل بسلاسة بالتعاون مع نظام النافذة الواحدة الوطنية للتجارة، وهو ما يضمن الترابط بين النظامين والتكامل بينهما.

وكثير من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تواجه معوقات فنية ومالية لتطبيق نظام إدارة مجتمع الموانئ. ولهذا السبب نجد أنه بين موانئ العالم التي تستخدم هذه المنصة، يوجد 16% فقط في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، أمَّا 84% فتوجد في بلدان مرتفعة الدخل. ومن المحتمل أن تتسع الفجوة الرقمية مع استمرار التقدم في مجال التكنولوجيات الآخذة في التطور مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

ويمكن للمنظمات الدولية أن تساعد على تضييق هذه الفجوة من خلال الدعم الفني والتمويل. وبالنسبة للموانئ التي تدرس تطبيق نظام إدارة مجتمع الموانئ، فإن تقريرا سيصدره قريبا البنك الدولي والرابطة الدولية للموانئ والمرافئ تحت عنوان "أنظمة إدارة مجتمع الموانئ: دورس مستفادة من الخبرات العالمية" يُقدِّم دليلا إرشاديا مُفصَّلاً خطوة بخطوة. وستؤدي الحكومات أيضا دوراً أساسياً في وضع خطة شاملة لتنفيذ نظام لإدارة مجتمع الموانئ يُغطِّي مختلف الجوانب مثل الحوكمة، ونماذج التمويل، واللوائح القانونية.

وتمثل أنظمة إدارة مجتمع الموانئ المستقبل لرقمنة هذا القطاع، وهي ليست مجرد تطور تكنولوجي؛ إنما أداة قوية يُمكِن أن تُحدِث ثورة في التجارة الدولية، ومن ثمَّ في الهياكل الاقتصادية العالمية . وليس من قبيل الصدفة أن الموانئ التي تُسجِّل أعلى درجات الترتيب على مؤشر أداء الخدمات اللوجستية للبنك الدولي -وهو مؤشر مهم للتنافسية- تعتمد جميعاً هذا النظام، أمَّا معظم الموانئ المتخلِّفة فلم تعتمده.

ولذلك، على البلدان الأقل نموا أن تتحرك بسرعة. وإذا لم تبدأ استخدام هذه الأنظمة قريباً، فإنها تخاطر بضياع فرص كبيرة. ولكن ما يبعث على التفاؤل هو أن التمويل والدعم الفني متاحان لمساعدتهم على جني المنافع الاقتصادية للنشاط التجاري الذي تقوده التكنولوجيا الرقمية في القرن الحادي والعشرين.
 

وهذا العمل سانده البنك الدولي مع تمويل من برنامج مساندة تسهيل التجارة. وبرنامج مساندة تسهيل التجارة يُموِّله 9 شركاء مانحين: أستراليا وكندا والمفوضية الأوروبية وهولندا والنرويج والسويد وسويسرا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وتقدم هذه المبادرة المساعدة للبلدان التي تسعى إلى مواءمة ممارساتها التجارية مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن تيسير التجارة.

محتوى ذو صلة:

فيجي تقوم برقمنة العمليات التجارية لمساعدة الشركات على التوسع في أسواق جديدة وتوظيف مزيد من العمال

تعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية من خلال تحسين الخدمات اللوجستية

الشهادات الرقمية تجعل تجار الكاكاو في كوت ديفوار أكثر قدرة على المنافسة

 


بقلم

سيباستيان ديسوس

مدير وحدة التجارة العالمية والتكامل الإقليمي في البنك الدولي

بريكليس سرجيوتس

أخصائي أول في القطاع الخاص يعمل في وحدة التجارة العالمية والتكامل الإقليمي التابعة لمجموعة البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000