نعلم أنه عند استخدام الديون بحكمة وشفافية، فإنها تكون ذات أهمية بالغة لتمويل أنشطة التنمية. ويمكن للإدارة الحصيفة للديون أن تكون داعمة للاقتصادات وأن تمهد الطريق لمستقبل قادر على الصمود - مما يسمح للبلدان بالتركيز على الاستثمارات المهمة في البشر وتحقيق النمو الاقتصادي .
ومع ذلك، تنفق البلدان الأشد فقراً اليوم أكثر من 46.2 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل أكثر من 10% من عائدات صادراتها، لخدمة الديون العامة طويلة الأجل والمضمونة من جانب الحكومة، وهذا يمثل أعلى نسبة يتم تسجليها منذ عام 2000. وفي خضم هذه الأزمة المتفاقمة للديون التي تواجهها البلدان النامية، من الواضح أن هناك حاجة إلى نهج شامل.
وتخدم المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي هذه البلدان الخمسة والسبعين كمصدر للتمويل الميسر (أي المنح أو القروض ذات الفائدة المنخفضة أو عديمة الفائدة). ومع أن هذا التمويل في حد ذاته يُعد مصدرَ راحةٍ وتأثيرِ كبيرين، فإننا ندرك أن التمويل الميسر لا يكفي لمواجهة تحديات التنمية، لا سيما مع تداخل الأزمات التي تدفع عدداً متزايداً من البلدان للوصول إلى حالة المديونية الحرجة.
وتتمثل إحدى الطرق الأخرى التي تساند بها المؤسسة الدولية للتنمية على وجه التحديد جهودَ البلدان الرامية إلى تحقيق استدامة قدرتها على تحمل أعباء الديون من خلال "برنامج التواصل مع الدائنين"، الذي يعمل على نحو استباقي على كسر الحواجز في مجال إتاحة المعلومات وتشجيع التواصل بين البلدان ومجموعة متنوعة من الدائنين. ويأتي هذا البرنامج في إطار سياسة المؤسسة الدولية للتنمية لتمويل التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحفيز استمرارية القدرة على تحمُّل أعباء الديون وشفافيتها في أشد البلدان فقراً وضعفاً.
ومنذ أن تقلدت مهام منصبي كمدير جديد لإدارة تعبئة الموارد بالمؤسسة الدولية للتنمية قبل بضعة أشهر، فقد سافرت إلى غرب أفريقيا وشرق البحر الكاريبي لرؤية البرنامج الفعلي على الأرض ، وأعني بذلك الاستماع إلى الحكومات المُقترضة، والمُقرضين، ووكالات التصنيف الائتماني، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، ومنظمات المجتمع المدني. وشاهدت بنفسي لماذا تشكل هذه المحادثات عنصراً مهماً من عناصر الديون المسؤولة والتي تتم إدارتها على نحو يضمن استدامة القدرة على تحمل أعبائها.
وفي الآونة الأخيرة، كنت في سانت كيتس ونيفيس، حيث تعاونت المؤسسة الدولية للتنمية مع البنك المركزي لدول شرق الكاريبي لتنظيم حوار رفيع المستوى بشأن استمرارية القدرة على تحمُّل أعباء الديون. وضمت الفعالية وزراء المالية من دومينيكا وغيانا وهايتي وسانت لوسيا وسانت فنسنت وجزر غرينادين، إلى جانب مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة المباشرة من مختلف أنحاء منطقة البحر الكاريبي. وبالمثل، تعاونت المؤسسة الدولية للتنمية مع حكومتي سيراليون وأوغندا لاستضافة محادثات مماثلة العام الماضي. وقد جاء الحوار في الوقت المناسب في ضوء التحديات المتفاقمة التي تواجهها هذه البلدان وعلى رأسها تغير المناخ، وارتفاع المديونية، وارتفاع معدلات التضخم، وانعدام الأمن الغذائي، والفقر، وعدم المساواة بين الجنسين.
وفي جميع هذه البلدان والفعاليات، كان هناك اتفاق قوي على أن مبادرات تبادل المعلومات مثل برنامج المؤسسة الدولية للتنمية للتواصل مع الدائنين ضرورية لمساندة الإصلاحات الرامية إلى شفافية الديون واستدامة القدرة على تحمل أعبائها . وفيما يلي أربع نقاط رئيسية مما سمعناه في أثناء فعاليات التواصل مع الدائنين.
- للحوار والتواصل القدرة على إيقاف أزمات الديون على نحو استباقي في مساراتها: وكما أوضحت راضية خان، رئيسة قسم البحوث المعنية بأفريقيا بمؤسسة ستاندرد تشارترد، فقد كان من الممكن، على سبيل المثال، أن تبدو مخاطر الديون المتزايدة في منطقة شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي مختلفةً لو كانت قبل 10-15 عاماً، حيث "أولت جميع الأطراف الفاعلة المعنية اهتماماً أكبر بالقدرة على تعبئة الإيرادات، والقدرة على سداد تلك الديون."
- تتعامل بعض البلدان النامية - لاسيما الدول الجزرية الصغيرة - مع مخاطر الديون التي تتفاقم بسبب التحديات المتزامنة: وكما يُذَكِرنا تيموثي أنطوان محافظ البنك المركزي لدول شرق الكاريبي، بقوله: "إننا نتعامل أيضاً مع أزمة المناخ التي نعتبرها تهديداً وجودياً بالنسبة لنا في هذه المنطقة."
- الشفافية ليست من الأمور المُستحسنة فحسب، بل هي أيضاً بالغة الأهمية لاستمرارية القدرة على تحمل أعباء الديون وأيضاً لعمل جميع أصحاب المصلحة. وكما أشارت إيلينا دوغار، رئيسة مسؤولي الائتمان بمؤسسة موديز الخاصة بالأمريكتين، فإن الشفافية تثري تقييم موديز لكل من "قوة المؤسسات وأنظمة الحوكمة، وقوة المالية العامة للحكومة - وهما عاملان من العوامل الأربعة الكبيرة التي نصنف تحليلنا للجدارة الائتمانية السيادية وفقاً لها". كما أن أهمية شفافية الديون أبرزها ريتشارد فرانسيس، مدير التصنيفات السيادية بمؤسسة فيتش، بقوله: "البلدان التي تعاني إما من سوء إدارة الديون و/أو التي تعاني من مشكلات في الإبلاغ عنها تميل إلى الحصول على تصنيف أقل بكثير."
- سمعت التأكيد المتكرر على أن المؤسسة الدولية للتنمية مصدر قيم للتمويل الميسر، وأن البنك الدولي شريك موثوق به: حيث أشار السيد شيكو بانغورا (وزير المالية الحالي في سيراليون) إلى أن التمويل الميسر الذي تقدمه المؤسسة الدولية للتنمية، إلى جانب مصادر أخرى، يوفر عامل تخفيف بالغ الأهمية في خضم تزايد مخاطر الديون، والضغوط التضخمية، وسلسلة من التحديات المتداخلة في بلاده. علاوة على ذلك، فقد أثار جوليوس كابويبوي، مدير البرامج بشبكة ديون أوغندا، صوتَ المجتمع المدني بالغ الأهمية، مشيراً إلى حجم استثمارات البنك الدولي في "قطاعات الطرق والطاقة و[معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة]" في بلاده.
ولذلك، فقد شجعتني الصراحة التي تميزت بها هذه المحادثات في كل لقاء كما أخذني الحماس بسبب تركيز أصحاب المصلحة الشديد على إيجاد الحلول وعلى الطريق نحو المستقبل. وعلى الرغم من ضخامة مخاطر الديون، فإن تدعيم التزام البلدان بمخاطر الديون ودعم الحوار المفتوح هما بالتأكيد خطوتان أساسيتان في الاتجاه الصحيح. ومن جانبها، تلتزم المؤسسة الدولية للتنمية بمواصلة هذا العمل المهم لمساعدة البلدان على الاضطلاع بدور ريادي في ضمان ألا يتخلف أحد عن الركب على طريق تحقيق التعافي القادر على الصمود .
انضم إلى النقاش