نشر في أصوات

دور جديد لبنوك التنمية؟

الصفحة متوفرة باللغة:
Image



في وقت سابق من هذا الشهر، أجرت بنوك التنمية في مختلف أنحاء العالم مراجعة لمواقفها وللمجالات التي يكون فيها لجهودها أكبر الأثر، وذلك خلال اجتماع نظمه البنك الدولي وبنك التنمية البرازيلي (BNDES).

وفي وقت يواجه فيه العالم مصاعب كبيرة للحصول على التمويل اللازم للوفاء بأهداف التنمية المستدامة، من الممكن أن تلعب بنوك التنمية دورا أساسيا في تضييق هذه الفجوة. فيمكنها أن تساعد في استقطاب تمويل القطاع الخاص وأن تشكل ركيزة لإقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لاسيما لتمويل مشاريع البنية الأساسية.

ومع هذا، فإن إساءة استخدام بنوك التنمية يمكن أن تجلب مخاطر على المالية العامة وأن تؤدي إلى تشوهات في سوق الائتمان. ولتجنب هذه العثرات المحتملة، تحتاج بنوك التنمية إلى منهج عمل محدد وواضح، وإلى العمل بدون الخضوع للتأثير السياسي، وإلى التركيز على التصدي للإخفاقات الكبيرة للأسواق، وعلى المجالات التي يغيب عنها القطاع الخاص، ومتابعة وتقييم الإجراءات التدخلية، والتكيف الذي يضمن التأثير، وفي النهاية ضمان الشفافية والخضوع للمساءلة.

هناك موضوعان هيمنا على النقاش خلال الاجتماع: كيفية تعبئة رأس المال الخاص وخلق أسواق جديدة. ولدعم تمويل منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، تستخدم بنوك التنمية ضمانات ائتمانية جزئية، وفي الوقت نفسه تيسر لجهات الإقراض الخاصة طرح وتمويل وتحصيل الائتمان. وفي أسواق تتسم بقدرتها المحدودة على المنافسة، تدعم بنوك التنمية خلق منظومة متجانسة من مقرضي منشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة التي يوفروا لها مصدرا مستقرا للتمويل.

وتحظى الإجراءات المبتكرة بالمساندة في الغالب من خلال المشاركة في الاستثمار مع الممولين من القطاع الخاص أو من خلال الاستثمار في الصناديق التي تقدم بدورها قروضا للمشاريع المحفوفة بالمخاطرة. ولخلق الأسواق، وضعت بنوك التنمية برامج لخدمات التخصيم المالي بغرض إتاحة السوق الفعلية. على سبيل المثال، لكي تؤسس كولومبيا لتمويل البنية الأساسية، أنشأت مؤسسة جديدة باسم المؤسسة الوطنية للتمويل (FDN)، لقيادة تطوير الأسواق وتوفير السيولة للتخفيف من المخاطر التي كان يحجم عنها أطراف السوق الفاعلة في السابق.

ويمكن لبنوك التنمية أن تبني على تجربتها في المساعدة على تعبئة التمويل من القطاع الخاص لتمويل أهداف التنمية، والتركيز على توفير الدعم الفني، والاستشارات، والمشورة الإدارية والفنية لجهات القطاع الخاص المناظرة التي تجتذبها.

وتستطيع بنوك التنمية أن تساعد من خلال الوسائل التالية على وجه التحديد:

• ترك تمويل المشاريع ذات الجدوى التجارية و"الآمنة" للقطاع الخاص.

• التركيز على الاستثمار في المبادرات التي تحقق عائدا تجاريا أقل ولكنها تظل تؤتي ثمارا إنمائية كبيرة، ومنها: بناء الطرق وشبكات المياه في المواقع النائية، والاستثمار في الطاقة النظيفة، ومساعدة البلديات على تصميم وتمويل مشاريع التوسع الحضري المهمة، وتمويل شركات البحوث والتطوير المحفوفة بالمخاطر، أو دعم مشاريع سندات التأثير الاجتماعي.

• استخدام الإقراض المباشر أو الاستثمار المباشر لرأس المال بحرص وبسياسات مكملة لتحفيز كل من ريادة الأعمال وتطوير أسواق رأس المال الخاص التي يمكن أن تخفف القيود الائتمانية على الشركات الخاصة.

• إصلاح أساليب التحليل الائتماني بما يتماشى مع تقدم التكنولوجيا الرقمية للخدمات المالية. وتبرز الجهود التي يبذلها بنك التنمية الألماني (KfW) في هذا المجال لدعم الاستمرارية، والصادرات والتحديات الجديدة التي يشكلها تقادم النظم المستخدمة، والتقدم في الصناعة أو ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة – الاتجاه الحالي في الميكنة وتبادل البيانات في تكنولوجيا التصنيع.

• عند الإقراض المباشر لمشاريع الاستثمار الكبيرة، يجب أن تفعل بنوك التنمية ذلك بالاشتراك مع بنوك القطاع الخاص، بتمويل أقل من 50% من المشروع لإشراك القطاع الخاص وضمان سلامة الأسواق. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسة الوطنية للتمويل في كولومبيا تمويل نسبة لا تتعدى 20% من أي مشروع للبنية الأساسية، فيما يتعاون بنك التنمية الكاريبي مع بنوك إنمائية أخرى في الاشتراك في تمويل المشاريع، فضلا عن تبادل المعلومات وبرامج التدريب. كما يمكن الدخول في شراكة مع القطاع الخاص للحصول على المساعدات المالية.

• إيجاد السبل المبتكرة لتعبئة رأس المال الخاص، بما في ذلك تطوير برامج الضمانات الائتمانية، وتسهيلات تعزيز الائتمان لأدوات سوق رأس المال، أو صناديق رأس المال الخاص المماثلة. على سبيل المثال، حفزت مبادرة كورفو للشركات الناشئة تنمية صناديق رأس مال الشركات المحلية في شيلي، بينما يعمل بنك التنمية البرازيلي على إنشاء سوق لسندات الشركات في البرازيل.

• دعم إنشاء هيكل للشركات العاملة في مجالات التخصيم المالي والتأجير التمويلي وتمويل منشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة من خلال توفير مصادر تمويل مستقرة عبر خطوط ائتمان أو تيسير دخولها أسواق رأس المال، مثلما تفعل مؤسسة التمويل الوطنية في المكسيك، على سبيل المثال.

• تقديم الحوافز للقطاع الخاص ليضطلع بالمزيد من المسؤولية عن العمليات ومواصلة التمويل طويل الأجل لمشاريع البنية الأساسية.

• حل مشاكل التنسيق بين القطاعين العام والخاص بما يضاعف العائد الاجتماعي من مشاريع الاستثمار في الحالات التي يزيد فيها العائد الاجتماعي عن العائد الخاص ولا تكفي العائدات الخاصة لتحفيز الاستثمار. (وكمثال على ذلك، دعم تصدير مراقبة جودة الصادرات والمرافق المشتركة لاختبار جودة الأغذية التي مكنت المنتجين في بوليفيا من الاستحواذ على 90% من سوق البندق البرازيلي في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة من 2010 إلى 2015).

وكان البنك الدولي قد أصدر، في وقت سابق من هذا الشهر، تقريرين تناولا البنية الأساسية والشراكات بين القطاعين العام والخاص في أمريكا اللاتينية. وكما قال مارتن ريزر، المدير القطري للبرازيل لدى البنك الدولي، "هناك حاجة إلى قائمة أفضل بالمشاريع الجاهزة للتنفيذ، وإلى إطار تنظيمي يمكن الاعتماد عليه بدرجة أكبر، وتحسين نظم الحوكمة والإدارة الرشيدة، والرقابة على المشغلين والامتيازات، علاوة على استقرار سياسة الاقتصاد الكلي."

باختصار، فإن الدور الذي نستشرفه لبنوك التنمية الوطنية يوازي الدور الذي ننتظره لأنفسنا نحن مجموعة البنك الدولي بصفتنا بنكا إنمائيا عالميا متعدد الأطراف. وهذا الدور هو المساعدة على اجتذاب القطاع الخاص لتمويل احتياجات القطاع العام، كالبنية الأساسية، وتقديم المساعدات الفنية لتحسين البيئة المواتية.

ومن شأن هذا النهج أن يتيح لنا التركيز على تمويل مجالات أخرى نعتبرها استراتيجية لمجالات التنمية الدولية لكنها لا تحظى بالكثير من اهتمام القطاع الخاص.


بقلم

جيلا بازارباشيوغلو

نائبة الرئيس السابق، النمو المتكافئ والمالية والمؤسسات

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000