نشر في أصوات

غياب النظافة الصحية يعني غياب الصحة: تدعيم أسس الرعاية الصحية

الصفحة متوفرة باللغة:
غياب النظافة الصحية يعني غياب الصحة: تدعيم أسس الرعاية الصحية عاملة طبية وهي تتفقد أحد المراحيض بمركز بوندو الصحي في أوغندا، 2024 © اليونيسف/UNI671432/باليكوديمبي

عندما تتفشى الأمراض، يجب أن تكافحها أنظمة صحية قادرة على الصمود أمامها. ولكن في كثير من الأماكن، يؤدي غياب الخدمات الأساسية، مثل المياه النظيفة، والصرف الصحي المأمون، والطاقة المنتظمة، والإدارة السليمة للنفايات، إلى تقويض قدرة الخدمات الصحية على الصمود

واليمن خير مثال على ذلك، إذ أدت سنوات من الصراع إلى تدمير البنية التحتية لخدمات المياه والصرف الصحي في البلاد، بالإضافة إلى تعريض الأنظمة الصحية للدمار. واستجابةً لذلك، قَدَّم البنك الدولي مساندةً بالغة الأهمية للمساعدة في احتواء أسوأ نوبات تفشي الكوليرا في العالم. غير أن حجم الأزمة أماط اللثام عن مدى هشاشة الأنظمة الصحية عندما تنهار الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. 

وبحلول أواخر عام 2018، تم تسجيل أكثر من 1.3 مليون حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا في البلاد، إلى جانب وفاة أكثر من 2600 شخص. وفي العديد من المناطق، تسببت مياه الصرف الصحي غير المعالجة في تلويث الآبار الضحلة، ولم تتوفر المياه النظيفة أو المراحيض الصالحة للاستخدام في نصف المرافق والمنشآت الصحية تقريباً. ولم يكن انتشار المرض سريعاً فحسب، بل كان حتمياً.

وتُعد مرافق خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية ضرورية للوقاية من العدوى ومكافحتها على نحو فعال، والتصدي للتهديدات العالمية مثل الإيبولا وجدري القرود (إمبوكس) والأنفلونزا الوبائية، ولتقديم الخدمات الصحية الأساسية. وعلى مستوى العالم، يفتقر نصف مرافق ومنشآت الرعاية الصحية إلى خدمات النظافة الصحية الأساسية، إذ يتلقى أكثر من 850 مليون شخص الرعاية الصحية في مرافق ومنشآت محرومة من المياه، مما يعرضهم والعاملين الصحيين الذين يقومون برعايتهم لمخاطر أكبر. 

الأثر الاقتصادي الكبير

تُعد العواقب الاقتصادية للعدوى التي يمكن الوقاية منها كبيرة، ففي عام 2022، أدت حالات الإصابة المرتبطة بالرعاية الصحية في 14 بلداً في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى خسائر اقتصادية تقدر بنحو 13 مليار دولار - أي ما يعادل 1.14% من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي - بسبب تكاليف العلاج، والخسائر في الإنتاجية، والوفيات المبكرة. وتؤدي هذه الظروف أيضاً إلى زيادة مقاومة مضادات الميكروبات، مما يقوض المكاسب الصحية التي تحققت على مدى عقود. 

غير أن ضمان سلامة مرافق ومنشآت الرعاية الصحية وعملها أمر يمكن تحقيقه وميسور التكلفة، ففي أقل بلدان العالم نمواً وعددها 46 بلداً، تبلغ التكلفة التقديرية للوصول إلى التغطية الكاملة لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية الأساسية والتخلص من النفايات في منشآت الصحة العامة 7.9 مليارات دولار بحلول عام 2030، أي أقل من دولار واحد للفرد سنوياً. 

وبينما يتزايد الزخم، غالباً ما تظل الخدمات الأساسية مجزأة عبر مختلف القطاعات، وتواجه نقصاً منهجياً في الاستثمار في التخطيط وإعداد الموازنات على الصعيد الوطني - وهو تحدٍ تعمل العديد من البلدان والشركاء حالياً على التغلب عليه.

وعلينا أن نتصرف بشكل مختلف، لضمان جاهزية الأنظمة الصحية لمواجهة الطوارئ، ومنع الجوائح القادمة، وتحقيق هدفنا المتمثل في تقديم خدمات صحية جيدة بأسعار معقولة إلى 1.5 مليار نسمة بحلول عام 2030. وسيتطلب تحقيقُ هذه الأهداف تجاوزَ مسارات العمل المعتادة وضمان حصول وزارات الصحة وأجهزة الحكم المحلي على المساندة التي تحتاج إليها لدمج الاستثمارات في البنية التحتية واستدامتها. كما يتطلب أيضاً العملَ مع القطاع الخاص من خلال مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي المعنية بالقطاع الخاص، فيما يخص الجوانب الحيوية للإنجاز وتحقيق النتائج المنشودة، مثل الحد من الانبعاثات الكربونية وكفاءة استخدام الموارد. 

العمل في مختلف القطاعات

هذا هو السبب في أن هناك نهجاً جديداً يتبلور، فمن خلال برامج التحديات العالمية المشتركة للمياه والصحة، يقوم البنك الدولي بمساندة البلدان للاستثمار في أنظمة صحية آمنة وقادرة على الصمود ومستدامة ومدعومة بتحسين توفير الكهرباء. ومن شأن هذا النهج أن يؤدي إلى تمكين البلدان من تحسين مستوى الوقاية من حالات الطوارئ الصحية واكتشافها والاستجابة لها، مما يسهم في تحقيق الطموح الأوسع نطاقاً والمتمثل في توفير الرعاية الصحية الأساسية في كل مرحلة من مراحل الحياة. 

وتعمل جهات التمويل مثل البنك الدولي ووزارة الشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة معاً لتحقيق ما يلي:

  • جذب التمويل المحلي وتمويل الأنشطة المناخية لمساندة الأولويات والخطط الوطنية
  • دمج مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والطاقة والنفايات في برامج الطوارئ الصحية وإصلاح النظام الصحي
  • دفع الأجندات الجماعية للإقرار بالخطر الذي تشكله مقاومة مضادات الميكروبات والتصدي له
  • جمع الشواهد والأدلة واستخدام النُهُج المستندة إلى النتائج لضمان الشفافية والمساءلة.

 

 

بوادر على إحراز تقدم

كان التقدم المبكر باعثاً على التفاؤل، ففي ملاوي، على سبيل المثال، تعهدت الحكومة بتحقيق تعميم مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مرافق ومنشآت الرعاية الصحية بحلول عام 2030. واستُكمِلتْ هذه المبادرة بجهود يساندها البنك الدولي وغيره من الشركاء لتدعيم التأهب للأوبئة والتصدي لها، مما ساعد على خفض الوفيات المرتبطة بالكوليرا في ملاوي بشكل كبير من نحو 1800 حالة وفاة في عام 2023 إلى أقل من 20 حالة في عام 2024.

وساعدت الاستثمارات في التأهب والمشاركة المجتمعية في نيجيريا وإندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا على كسر حلقة إدارة الأزمات ذات التكلفة المرتفعة والتي تقوم على رد الفعل. وصُممت هذه البرامج، التي تقودها الحكومات ويساندها شركاء التنمية، لتدوم طويلاً، وليس من أجل الاستجابة المؤقتة فحسب.

ولا يتطلب تحقيق الأمن الصحي استثمارات مستدامة فقط، بل أيضاً التنسيق الوثيق، ومواءمة جهود المانحين مع الخطط الوطنية، وتدعيم قدرات التنفيذ، فضلاً عن تعزيز التعاون بين القطاعات.

كما تؤدي الشراكات مثل الشراكة العالمية للأمن المائي وخدمات الصرف الصحي وصندوق التمويل العالمي دوراً بالغ الأهمية. فمن خلال دعم الدراسات التحليلية، والجمع بين أصحاب المصلحة والجهات المعنية، وتمويل الاستثمارات التحفيزية، تسهم هذه الشراكات في تمكين الحكومات من التحرك بوتيرة أسرع وأكثر ذكاء. 

وتسعى وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة إلى تعزيز نهج متعدد القطاعات للمساعدة في التغلب على أساليب العمل بمعزل عن الآخرين وتدعيم الأنظمة التي تقدم خدمات صحية ومياه صرف صحي مستدامة وقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ.

ومن أجل تحقيق هذه الطموحات بشكل كامل، نحتاج إلى جمع كل من يمكنه إحداث فارق ملموس. وفي إطار هذه الجهود، يترأس البنك الدولي الاجتماع القادم لشبكة القادة الإستراتيجيين لمنظمة الصحة العالمية واليونيسف في يونيو/حزيران 2025 لتعزيز المواءمة بين مختلف القطاعات وتوطيد الشراكات المؤثرة في مجال خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في الأنظمة الصحية. 

وبحلول عام 2026، يجب أن نحقق تقدماً حقيقياً نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتعلقة بالصحة والمياه. ويجب أن نعمل في شراكات لمساندة البلدان في تخطيط وتمويل خدمات صحية آمنة وقادرة على الصمود وتوفيرها، بحيث تكون قائمة على أسس سليمة ومصممة لتدوم، لأن حالات الطوارئ الصحية لن تنتظر حتى تكون الأنظمة الصحية جاهزة.

 


‫ساروج كومار جاه‬‬

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه

خوان بابلو أوريبي

المدير العالمي للصحة والتغذية والسكان ومرفق التمويل العالمي، البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000